لماذا خلق الله الشر؟

132 7 2
                                    

حوار مع صديقي الملحد.

قال صاحبي ساخراً:
كيف تزعمون أن إلهكم كامل، ورحمن، ورحيم، وكريم، ورءوف، وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم؟ المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن.
إذا كان الله محبةً وجمالاً وخيراً فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر؟

والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة، وقد انقسمت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء.
ونحن نقول: إن الله كله رحمة وكله خير، وإنه لم يأمر بالشر، ولكنه سمح به لحكمة:

«إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [٢٨] قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ»

[الأعراف: ٢٨–٢٩]

الله يأمر بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب،
فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق.
لأن الله أرادنا أحراراً.. والحرية اقتضت الخطأ، ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب، والاختيار الحر بين المعصية والطاعة.
وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعاً أخياراً، وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهراً وكان ذلك أن يسلبنا حرية الاختيار.
وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة.. ولهذا تركنا نخطيء ونتعلم، وهذه هي الحكمة في سماحه بالبشر.
ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة. وأن الشر هو الاستثناء فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء، ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا أياماً قليلة.. وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين، وكذلك البراكين، وكذلك الحروب. هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
ثم إننا نرى لكل شيءٍ وجه خير، فالمرض يخلف وقاية، والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل، والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية، وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار، وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيئة الباطنة، وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة.. والحروب تدمج الأمم وتلاقح بينها.. وتجمعها في كتل وأحلاف. ثم في عصبة أمم، ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح.. وأعظم الاختراعات خرجت في أثناء الحروب: البنسلين، الذّرة، الصواريخ، الطائرات النفاثة- كلها خرجت من أتون الحرب.
ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
ومن الميكروب تصنع اللقاح.

ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا. والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة.. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض.. إن الصحة تظل تاجاً على رءوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض.
وبالمثل ما كان ممكناً أن نعرف الجمال لولا القبح، ولا الوضع الطبيعي لولا الوضع الشاذ.
ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات والآلام.. أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم.

لولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتّال

إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا.. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها، فالموت ليس نهايه القصة ولكن بدايتها.
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصلٍ واحد، ولا أن نرفض كتاباً لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص.
ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف.. ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا.
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت، بلا مرض، بلا شيخوخة، بلا نقص، بلا عجز، بلا قيود، بلا أحزان، بلا آلام.
هل يطلب كمالاً مطلقاً؟
ولكن الكمال المطلق لله وحده.
والكامل واحد لا يتعدد.. ولماذا يتعدد؟ وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته، وهو التطاول بعينه.

ودعونا نسخر منه بدورنا، هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء.
هؤلاء الذين يريدونها جنة.
ماذا فعلوا ليستحقوها جنة؟
وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون.
إن جدتي أكثر ذكاءً من الأستاذ المتخرج في فرنسا حينما تقول في بساطة: «خيرٌ من الله، شرٌ من نفوسنا».
إنها كلماتٌ قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها.. فالله أرسل الرياح رخاء، وأجرى النهر خيراً.. ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شراً.
ما أصدقها من كلماتٍ جميلة طيبة.
«خيرٌ من الله، شرٌ من نفوسنا».


حوار مع صديقي الملحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن