فزنا بسعادة الدنيا وفزتم بالأوهام

46 6 1
                                    

حوار مع صديقي الملحد.

قال صاحبي.. وكانت في نبرته فرحة رجل منتصر:
- مهما اختلفنا، ومهما طال بنا الجدل، فلا شك أننا خرجنا من معركتنا معكم منتصرين، فقد فزنا بسعادة الدنيا وخرجتم أنتم ببضعة أوهام في رءوسكم.. وماذا يجدي الكلام وقد خرجنا من الدنيا بنصيب الأسد.. فلنا السهرة، والسكرة، والنساء الباهرات، والنعيم الباذخ، واللذات التي لا يعكرها خوف الحرام.. ولكم الصيام، والصلاة، والتسابيح، وخوف الحساب.. من الذي ربح؟

- هذا لو كان ما ربحتموه هو السعادة.. ولكن لو فكرنا معاً في هدوء، لما وجدنا هذه الصورة التي وصفتها عن السهرة، والسكرة، والنساء الباهرات، والنعيم الباذخ، واللذات التي لا يعكرها خوف الحرام.. لما وجدنا هذه الصورة إلا الشقاء بعينه.

- الشقاء.. وكيف؟

- لأنها في حقيقتها عبودية لغرائز لا تشبع حتى تجوع، وإذا أتخمتها، أصابها الضجر والملال، وأصابك أنت البلادة والخمول.. هل تصلح أحضان امرأة لتكون مستقرَّ سعادة، والقلوب تتقلب، والهوى لا يستقر على حال، والغواني يغرهن الثناء.. وما قرأنا في قصص العشاق إلا التعاسة، فإذا تزوجوا كانت التعاسة أكبر، وخيبة الأمل أكبر، لأن كلاً من الطرفين سوف يفتقد في الآخر الكمال المعبود الذي كان يتخيله.. وبعد قضاء الوطر وفتور الشهوة يرى كل واحد عيوب الآخر بعدسة مكبرة.. وهل الثراء الفاحش إلا عبودية، إذ يضع الغني نفسه في خدمة أمواله، وفي خدمة تكثيرها، وتجميعها، وحراستها، فيصبح عبدها بعد أن كانت خادمته.. وهل السلطة والجاه إلا مزلق إلى الغرور والكبر والطغيان.. وهل راكب السلطان إلا كراكب الأسد، يوماً هو راكبه ويوماً هو مأكوله.. وهل الخمر، والسكر، والمخدرات، والقمار، والعربدة، والجنس، بعيداً عن العيون، وبعيداً عن خوف الحرام، سعادة.. وهل هي إلا أنواع من الهروب من العقل، والضمير، وعطش الروح، ومسئولية الإنسان، بالإغراق في ضرام الشهوة، وسعار الرغبات.. وهل هو ارتقاء، أو هبوط إلى حياة القرود، وتسافد البهائم، وتناكح السوائم.. صدق القرآن إذ يقول عن الكفار.. أنهم:

«يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوىً لَّهُمْ»

[محمد: ١٢]

فهو لم ينكر أنهم يتمتعون، ولكن كما تتمتع الأنعام -وكما ترعى السوائم.. وهل هذه سعادة- وهل حياة الشهوة تلك إلا سلسلة من الشبق، والتوترات، والجوع الأكال، والتخمة الخانقة التي لا تمت إلى السعادة الحقة بسبب.. وهل تكون السعادة الحقة إلا حالة من السلام، والسكينة النفسية، والتحرر الروحي من كافة العبوديات كافة.. وهل هي في تعريفها النهائي إلا «حالة صلح بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والله».. وهذه المصالحة، والسلام، والأمن النفسي، لا تتحقق إلا بالعمل.. بأن يضع الإنسان قوته، وماله، وصحته، في خدمة الآخرين، وبأن يحيا حياة الخير نيةً وعملاً، وأن تتصل العلاقة بينه وبين الله صلاةً وخشوعاً، فيزيده الله سكينة ومدداً ونوراً.. وهل هذه السعادة إلا الدين بعينه.. ألم يقل الصوفي لابس الخرقة: نحن في لذةٍ لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف! والذين عرفوا تلك اللذة.. لذة الصلة بالله والصلح مع النفس.. يعلمون أن كلام الصوفي على حق.

حوار مع صديقي الملحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن