يحدث أن يجد المرء نفسه عالقا في ما لا يطيقه ومحاطاً بكل ما يكرهه.في تلك اللحظة كان هذا تماما ما يصف حاله، قائد أركان الجيش يوسف أحمد محمود.
حالة من الهدوء والصمت والترقب غشيته ومن معه في إنتظار قدوم الرئيس وإفتتاح هذا الإجتماع المهيب بحضور القادة الستة وقائد أركان الجيش.
لقد كان الوحيد في هذه الغرفة، الذي يعرف كيف يكون طعم الهواء تحت الأرض في رئتيه، كان الوحيد الذي يعرف وجهي الحياة هناك.. و ذلك أهلك داخله.
لربما لو لم يكن مع القادة الستة في هذه الغرفه الواسعة لكانوا الآن يتبادلون أطراف الحديث ويضحكون ولكن حضوره المهيب أخرسهم والنظرة الباردة التي علت ملامحه الحادة منعهتم من العبث حوله.
لو لم يكن يوسف الذي بدأ الشيب يغزو شعر رأسه بشخصية قاسية إعتبرها هبة ربانية لكان قد داس عليه الكثيرون وصولاً إلى هذا المقعد.
لقد كان طريقا شاقا و مهلكا خسر فيه روحه و قلبه الطيب كي يصل، ولو خير في إعادة الزمن لقرر تركه يمضي.. فقد قارب الوصول لمبتغاه، لقد باتت النقاط الجديدة تتضح وأتى تعبه بثماره وما بقيَ الآن إلا أن يقتطفها.
«الرئِيسُ يدخُل.»
فُتِح الباب و قال الحارسان بآن واحد لتتوجه أنظار القادة الستة إلى الرئيس ووقف جميعهم يحيونه ويسألون عن حاله في حين بقي يوسف جالسا بهدوء في كرسيه وحيَّ الرئيس بإيماءة صامتة، كانت هذه تحيته الدائمة، كشخص يقع في المرتبة التي تكاد توازي مرتبة الرئيس، لم يكن الوقوف شيئا يفترض به القلق حياله.. كان وجوده يكفي.
«لنبدأ الإجتماع الآن!»
قال الرئيس بصوت حاد يوقف حملة التملق التي غشيته فورما دخل الغرفة.
«تحدثوا وفقا لترتيب جدول الإجتماع.»
أعلن الرئيس منحه فرصة الحديث للقادة الستة وقال أول القادة بهدوء:
«نناقش في أول فقرة نقص اليد العاملة ومشاكل العمالة.»
أومأ الرئيس له ليواصل:
«اليد العاملة في الفلاحة في انخفاض متواصل، الأراضِي الزراعية الخصبة تمتد من أقاصي الشمال، كما أن وجود نهر النيل يعتبر ثروة في حد ذاته، لكن الإستغلال متراجع جداً رغم التسهيلات المعلن عنها ورغم السياسة التي قرر إتباعها في آخر مرة قمنا فيها بطرح الموضوع، الإمتيازات لم تعد تغري أحداً، بما أن الجميع متعلم أكاديمياً ومرتاح مادياً على السطح، لا يمكننا مواصلة إستيراد الخضروات من خارج البلاد، سيهدد هذا خزينة الدولة أولاً والأمن الغذائي ثانياً، كما أن الخضر والفواكه قد باتت أسعارها مرتفعة في الأسواق وهذا ما يشكو منه الغالبية العظمى من الشعب.»
أنت تقرأ
زخّاتُ صوبٍ
Randomينطوي الزمن ونحن تحت الأرض نحيا، كما الأموات في رقودهم في القبور، في سلام واستسلام. فالهوّة المفروضة التي بيننا وبين المتنعمين فوق الأرض، قد أنستنا أننا بشر سواسية في الحقوق ورغد العيش، وغيرت ملامح الحياة في أذهان أجيالنا. أثقلت القوانين الصارمة ك...