قضية "أية"

1.1K 89 10
                                    

عندما تشعر بخيبة أمل من عائلتك، لا تعتمد على الغرباء كملجأ دائم. تذكر أنك المسؤول الأول عن سعادتك ورفاهيتك. قد يقدم لك الآخرون الدعم العاطفي، لكن في النهاية، أنت وحدك القادر على بناء ثقتك بنفسك وتجاوز الصعاب. حب الذات هو أقوى سلاح لمواجهة تحديات الحياة.

"تنهد تنهيدة عميقة، ومسح عرقاً بارداً عن جبينه. كان ينظر إلى مبنى المحكمة الشاهق، وكأنه وحش يبتلع الأبرياء. تذكر آخر مرة رأاها فيها، عيناها مليئتان بالأمل والخوف. قبض على يده بقوة، وكأنه يحاول أن يمسك بآخر خيط من الأمل. "'سوف يصبح كل شيء على ما يرام، لا تقلقي يا فتاة'"، همس لنفسه، وهو يتذكر وعداً قطعه لها.

دخل قاعة المحكمة، و أعين الجميع كانت عليه. تقدم ببطء نحو المنصة، وعيناه تلتقيان بعيني القاضي. '"سيدي القاضي، إن تلك الفتاة لا تستحق هذا العقاب.  أرجو منكم إعادة النظر في القضية '  توقف للحظة، ثم أضاف بصوت حازم: 'أنا على استعداد لتقديم أي دليل إضافي لإثبات أن القضيه كانت للدفاع عن النفس من وحش ينتهك أعراض الكثير من النساء.

"ساد صمت ثقيل في القاعة، وانعكست ملامح القلق على وجوه الحاضرين. تيبست يدا "داليا "وهي تسمع الحكم، وكأنها تحولت إلى تمثال من الجليد. "'حكمت المحكمة حضورياً على المتهمة "داليا السيد" بالسجن لمدة عام كامل"'، صدح صوت القاضي في القاعة. تنهد "داوود" تنهيدة عميقة
ووضع يده على كتف "داليا" بلطف. " تفائلي يا فتاة، ربما يمر العام مثل الشهر أو أقل. الحياة لا تقف عند هذا الحد."
نظرت "داليا "إليه بعيون دامعة، ثم تحدثت بصوت خافت: " السجن أهون عليا من العيشة مع الناس دي تاني أو في المجتمع ده. حاسه أني بتخنق هناك." ابتسم "داوود" ابتسامة حزينة، وحاول أن يجد الكلمات المناسبة ليطمئن ها.
(ربما في نهاية هذا الطريق تجدين نوراً لا تعلمين من أين أتى وتبتسم لكي الحياة يوماً ما.)  أومأت "داليا" برأسها، وهي تحاول أن تتشبث بأي شعاع أمل.

أمسك "داوود "بذراع "داليا" بقوة، ووقف أمام رجل الشرطة. : "ممكن ثواني"

، قال بصوت حازم : "تعالي اخذها داخل أحضانه." ضمها إليه بقوة.قائل :  "اطمئني لن أتركك حتي تخرجين من هذا السجن اللعين"، همس في أذنها. أخرج من جيبه كتاباً ، غلافه متماسك الي حداً ما ، ومد يده به إليها، عيناه تحملان الكثير من العطف والأسى. : "كل ما تحسي إنك خايفة اقري في المصحف ده هتحسي إن كل حاجة بتعدي بسرعة ومش هتحسي ب الوقت."

أمسكت "داليا" بالكتاب بقوة، وكأنها تمسك بآخر قشة نجاة : أنا مش عارفة اشكرك ازاي .  ابتسم "داوود" ابتسامة حزينة : "مفيش داعي."
اقترب منهم رجل الشرطة، ورمقهم بنظرة ازدراء. "بعد اذنك انتوا بتعملوا لي مشاكل كده، قدامي يلا." أخذ "داليا" بعيدًا، واختفت من أمام عينيه. وقف "داوود" وحيدًا، ينظر إلى المكان الذي اختفت فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاد إلى منزله، وحاول أن يغرق نفسه في العمل.
"حتى وقعت عيناه على إحدى الملفات بعنوان (قضية آية، قضية حقيقية مع اختلاف الأسماء وبعض المشاهد)." داوود" : غريبة أنا لسه محلتش القضية دي ازاي؟ ثم حدث نفسه مرة أخرى وقال بحزن، (ولا عشان البنت ماتت قبل ما تاخد حقها، معقول بقيت مهمل للدرجة دي، ثم قام بفتح الملف و ظل يقرأ.)

flash back

كانت تجلس في ركن مظلم من المنزل، عيناها مليئتان بالرعب والخوف، تتمنى لو أنها تختفي. أمسكت بيديها بقوة، وكأنها تحاول حماية نفسها من العالم الخارجي. كانت تجلس في منزل عمها، ذلك المكان الذي كان يفترض أن يكون ملاذاً آمناً لها، لكنه تحول إلى سجن مظلم. كانت تتذكر الليالي الطويلة والأحلام المزعجة، والأصوات التي كانت تردد في أذنها. في ذات يوم، جمعت كل شجاعتها، وقررت أن تبوح بما يحدث لها. ذهبت إلى والدها، نظرت في عينيه، وتمنت أن يجد فيها الإيمان بها : بابا ماما أنا عايزة اتكلم معاكم في موضوع...* لكن قبل أن تكمل جملتها، قاطعها والدها بصوت حاد: 'اخرسي يا بت، إنتِ بتكذبي على أبوكي!' هذا ما كان يدور في عقلها كانت متردده خوفاً من ردة فعل والدها

انتبه والدها، نظراته تخترقها وكأنه يحاول قراءة ما في أعماقها. 'اتكلمي مالك خايفة ليه كده؟'، سأل بصوت هادئ. ارتعشت آية خوفاً، وعيناها تتوسلان الرحمة : خايفة ما تصدقش الي هقوله' همست بصوت خافت.
قصت لهم ما حدث معها ب التفاصيل، صوتها يرتجف وخدها يحمر خجلاً. صدم الأب من فعلة أخيه، وجهه احمر من الغضب. رفع قضية على أخيه وابنه، لكن قبل أن يحكم القضاء، كانت هناك مأساة أخرى تنتظر آية.

في يوم عودتها من الجامعة، كانت تمشي وحدها في الشارع، فجأة ظهر ابن عمها من الظلام، ووجهه مشوه بالغضب. أخرج سكيناً من جيبه وطعنها مرارًا وتكراراً. سقطت آية أرضاً غارقة في بركة من الدماء، ولم يستطع أحد إنقاذها. كانت في بداية حياتها، مليئة بالأحلام والأماني، لكن الظلام سرق منها كل شيء.

"داوود "وعيناه حزينتان، يحدق في الفراغ وكأنه يحاور نفسه: "مهو مستحيل ده يكون عدل إن البنت تموت و هما يعيشوا حياتهم ولا اكنهم عملوا حاجة." أخذ حقيبته و توجه إلى منزل مروة، أخت آية. طرق الباب بهدوء، ودخل. جلس مقابلها، ونظر في عينيها الحزينة. "أنا اسف عارف أنه مش وقته بس لازم حق آية يجي عشان تبقي مرتاحه."

أمسكت مروة بيديها بقوة، وكأنها تحاول حمايته من مصير مشابه لمصير شقيقتها. "حق ايه ال هيجي يا أستاذ داوود؟ ال انتَ مش عارفه إن في العيله دي محدش بيعرف ياخد حقه دول ناس انتزعت الرحمه من قلوبهم تفتكر مش هياذوك وانتَ عايز ترجع حقها هيحصلك حاجة من الاتنين يا تموت يا هتتهدد ب اغلي حد في حياتك عشان تفضل ساكت."

نظر داوود إليها بحزن، وهو يعلم أنها على حق. لكنه قرر أن يستمر في سعيه، مهما كانت التضحيات. "مش هسكت، لازم القاتل يتعاقب."

"داوود، وعيناه غارقتان في التفكير، يمسك قلماً ويدور به في الهواء. "طب وانتِ هتفضلي هناك لحد ما يحصل لك نفس الي حصلها؟" سأل بصوت خافت، وهو يحاول أن يجد حلاً.
أمسكت" مروة" بيديها بقوة، وكأنها تحاول حماية نفسها من العالم الخارجي. "انتَ شايف ايه بنت عندها 18 سنة تقدر تهرب؟ طب و أبويا و أمي ايه، الي هيحصل فيهم واحده ماتت و التانيه هتهرب انتَ بتفكر غلط يا" داوود"، وده مش حل ونصيحه من اختك الصغيره بلاش تفتح كلام في الموضوع ده سلام عليكم."

"وعليكم السلام"، قال "داوود" بصوت مبحوح، وهو يشعر باليأس. عاد إلى مكتبه، و أغلق الباب خلفه. جلس على مكتبه، وبدأ في فحص الأدلة مرة أخرى، يبحث عن أي خيط صغير قد يقوده إلى الحقيقة. كان يعلم أن الأمر صعب، وأن العائلة قوية  لكنه قرر ألا يستسلم.

يتبع

#قضيه-رائ-عام

#صفاء_احمد_سليمان

قضيه رأي عام  (تعديل السرد)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن