على رصيف بالٍ بكت السماء إشتياقاً لأحد أفرادها الذي لن يستطيع زيارتها مجدداً ..
غرق الرصيف وأرتوت الزهور الماكثة بباب المنزل ويبدو وكأنها هي الآخرى تبتعد عن مرارة الإشتياق بإحتفاظها بدمعة من بكاء الغيوم على أحد بتلاتها النضرةورغم إضطراب الأجواء في الخارج ، إلا أن الطبيب كان في أعمق تأملاته الهادئة لتراقص القطرات على نافذته
تذكر .. تذكر كيف كان ذو الخصلات البُنية هادئاً وهو يتلقى موته
لم يكن خائفاً ، لا ، كان غبياً ، لا ، كانت لديه فلسفته الخاصة العِندية المتحجرة عن الموت التي جعلته يحتضن جناحيه رغم ما تُنشره من قُرب لأجله ..كان يحتضن قنبلة يعلم أنها ستنفجر ، لكنه كان متمسك بها لحبه الشديد
لحبه الشديد للحرية ..أستيقظ من غفوة ذكراه على تساؤل
أهو بخير ؟
وما كان قلقاً عليه قد إعتكف بغرفته مستلقياً بتكور على فراشه محاولاً تقبل فكرة فقدان حريته
لقد فقدها ، تم بترها بشكل مؤلم ، بشكل يجعله يشعر بالتقزز من حالة
حالته البلهاء دون حرية ، أنه عبيد ، عبيد للأرض وهذا ما لم يكن يريده ..
عبيد للعشب ، للزهور ، للطين ، لرائحه الأدوية العُشبية التي يُحضرها الطبيب التي تجعله ينفر ، لأثاث منزله البسيط وبريقه ، ورغم أنه كان يتمتع بمنظر ساحر يجبرك على المكوث في المنزل لتشاهد آثاثه إلا أنه يكرههيكره الأرفف، الحقن، المشرط ، الكُتب الثقيلة التي إحتلت مكتب الطبيب بالقرب من النافذة العاكسة لإضطراب الطقس
كل شيء كان يمقته ، كل شيء كان يذكره بحقيقة عدم نجاته إلا بتحريرها..
إنقشحت غيوم شروده حالما داعب أذنيه صوت لطالما أشعره بالدفئ
صوت زقزقه عصفور ذو ريش أصفر يحتمي من المطر أسفل نافذته ونوع ما كرهه ..كره وقوفه بينما يمتلك جناحين للطيار!
لا ، لا ينبغي له أن يقف ، أنه لا يقدر النعمة!إزداد غليان دمائه لسبب غير معروف له ، متجهاً ناحية النافذة ومازال العصفور الصغير ماكث بمكانه
لم يهابه، بل كان صديقه منذ زمن
كان يلاعبه كل يوم لذلك أعتاد على زيارته كل ليلة والزقزقه بآمان" أذهب ! ، لا أريدك! "
ضرب النافذة صارخاً بوجه المسكين الذي إنطلق محلقاً لخوفه..
مازال غاضباً ، رؤيته يحلق تجعله يريد إختطافه وتمزيق جثته إرباً إرباً!
تجعله يريد قتله ، إقتلاع جناحيهليس عدلاً أن يفقد حريته هو فقط!
ولسوء حظه ، وما إن إلتفت حتى قابل إنعكاسه الغاضب البائس الذابل في المرأه
لطالما كره المرايا ، كره أي شيء يعكس خيبته
كره جداول الماء الصافية لعكسها لضعفهكره أي سطح عاكس كُرهً شديداً!
لكنه الأن يمقتها ، يمقتها وبشده ما إن رآى الفراغ يحتل مكان أجنحته..
لم يعلم ما عليه فعله ، هو فقط يريد الموت ..
يريد التخلص من جسده المُكبل
لم يعد لديه حرية ، لن يستطع ملاحقة الطيور ، لن يتعاطى نسيم الفجر المنعش ، لن يُقَبل الغسق ولن يسامر الغيوم..لم يتحمل ، لما تحاول تلك المرأه إستفزازه؟!
وصل غليان بركانه إلى القمة!
متجهاً نحوها وبقبضه يده أنزل تهشيماً بها!صوت الإرتطام قد جعل الطبيب الجالس ينتفض!
ليسرع للعِلية ناحية غرفته ولم يكن متوقع ما أطل عليه ..الزجاج متناثر حوله بينما الأخر قد أحتل غضبه يأس والشرود في السائل القرمزي الفاتن المتسلل من ظهر يداه ومعصمه!
ورغم كل هذا إبتسم .. إبتسم وسط إنهمار دموعه بشكل مخيف
لم يقاوم المراهق الطبيب الذي إصطحبه بسرعة للأسفل بينما يحرص على عدم خروج دم من معصمه حتى يضمده
لا يدري بعد لما أقبض على أحَدُّ زجاجه قد رأتها زرقاوتيه وشرع بتمزيق أوردته
كان لا يشعر بالراحة وهو يفعلها ، كان خائفاً ، مرتعداً
لكن كان هناك شيء دفعه لفعلها ولا عِلم له ما هووما إن أنتهى الطبيب من أنقاذ حياته للمرة الثانية حتى شرع بسؤلانه بأسى:
" لما فعلت ذلك ؟ "
صمت كان جوابه ، لم يكن يعاند بل أنه بالفعل لا يدري..
" سيل * ، لما فعلت ذلك ؟ "
كان يضغط عليه
" سيل ؟ "
إنفجر بإنتصابه بغته متجهاً بصمت ناحية غرفته
لكن الطبيب أستوقفه قائلاً :" ستنام في غرفتي حتى أنظف فِعلتك "
لا يحب غرفته ، لا يحب أي شيء متعلق به ..
تجاهله مكملاً طريقه نحو غرفته ليستلقي بصمت على فراشه
________________________________________- سيل : السماء باللغة الفرنسية .
أنت تقرأ
- أجنحة سامة -
Fantasía- حُرية مُميتة . بدأت : 9 - 4 - 2023 إنتهت : 8 - 6 - 2023 • بتوقيع الحرية . • وليدة لحظتها . - مكتملة .