الفصل الاول

2.4K 43 9
                                    

"في قريه صغيره اسمها الجساسه .. هناك بدات هذه القصه"
.
.
.
.
.
لم يكن طفلا عاديا ابدا فهو لم يخرج من رحم والدته باكيا مثل بقيه المواليد ، بل خرج صامتا يقلب بصره في الاشياء مدهوشا كما لو انه تفاجأ بوجود كوكب اخر ، غير الكوكب المظلم الضيق الذي كان يعيش فيه ..

وبينما كان الطفل لا يزال ساكنا بين يدي القابله اذ وقعت عيناه علي والدته المستلقيه بظهرها فوق الارض والغارقه في عرقها اللانهائي ، فانتفض جسده الصغير اللزج الملطخ بدماء الولاده مثل سمكه زينه صغيره اخرجوها للتو من حوضها المائي .. زحفت والدته علي مؤخرتها بصعوبه بالغه حتي اسندت ظهرها علي حائط الطين القديم ، غطت بطرف اللحاف عري ثدييها الممتلئين بالحليب ، ثم رفعت يديها المرتجفتين في الهواء:
    - دعيني اراه- قالت جومانا- هل هو بصحه جيده يا ماريا؟!
    - انه بخير- اجابت القابله وهي تنحني لتضعه برفق بين يدي امه وتهمس: انظري لعينيه انهما تشبهان عينيك كثيرا يا سيده جومانا

عندما اصبح بين يدي والدته مد اصابعه الصغيره نحو خصله نافره من شعرها الناعم والقي القبض عليها بقوه لا تتوافر لدي طفل في مثل عمره، وبينما هو يمسك بخصله شعرها النافره تلك اذ جعل يتدبر بصمت وخشوع راهب في عينيها البندقيتي اللون كما لو انه في تلك اللحظه كان يقرا فيهما البدايه والنهايه ..
.
.
.
.
بعد وقت قصير اقترحت القابله:
   -ما رأيك في ان اخذه لغرفه اخري ريثما ترتاحين قليلا؟!
وحينها فقت بكي الطفل بصوت عال كما لو انه يعترض
   -لا بأس دعيه- قالت جومانا ببراءه- انا لا اشعر بالتعب
   -الن ياتي السيد بحر ليطمئن عليك وعلي الطفل؟
لم تفسح جومانا مجالا لذالك السؤال لان يعكر عليها صفو فرحتها بالقادم الجديد:
   -عندما يجد والده فسحه من الوقت سياتي بالتاكيد
   -وهل فكرت بالاسم الذي ستطلقينه عليه؟!

في الحقيقه كانت جومانا قد قررت في وقت سابق ان احدا لن يسميه غير زوجها؛ لذالك سوف تطلق عليه لقب ((الطفل)) حتي يعود والده من غيابه ويختار له اسما .. لم تبح بقرارها ذاك الي القابله ؛ لكي تجنب علي نفسها مغبه اسئله كثيره لن تنتهي ؛ غير ان القابله ماريا سالت كما لو انها استطاعت قراءة ما يدور في عقل سيدتها:
    - هل تفكرين بتاجيل تسميته حتي يعود ابوه ويسميه بنفسه ؟!
وبنبره جاده تشي بعدم رغبتها في الاجابه قالت: ربما!!
    - يا الهي ان شهورا كثيره قد مضت علي غياب السيد بحر ، ولا احد يعلم متي قد يعود . . . .
    - يبدو انك بذلت مجهودا معي طيله اليوم يا ماريا- قاطعت جومانا ثرثره القابله بادب- والان قد تاخر الوقت تستطيعين الانصراف لبيتك لاخذ قسط من الراحه وسارسل لك اجرتك في الغد ..
.
.
.
.
.
ارادت ان تقول بانها تفضل البقاء للمساعده ، لكن جومانا حدست ذلك فسبقتها بالقول:
   - لا تقلقي اذا احتجتك لاحقا فساجد من ارسله في طلبك

لملمت القابله ادوات الولاده البدائيه التي جلبتها معها ، ثم وضعتها في كيس واسع من القماش حملته فوق كتفها بعد ان احكمت اغلاقه جيدا ، التفتت نحو جومانا وسالت بلطف:
   - هل تريدين مني شيئا اخر قبل ان اذهب؟!
وهي تمرر يدهاعلي راس طفلها الناعم طلبت جومانا منها:
   - اريد منك اطفاء القناديل ، فالنار يجب ان تطفا قبل النوم كما تعلمين!!
.
.
.
.
.
لم يستغرق الامر كثيرا من الوقت حتي كانت القابله ماريا قد اطفات جميع النيران المنبعثه من القناديل المتاكله المعلقه علي حيطان المنزل ، فاصبح البيت مظلما باستثناء اضاءه خافته كانت تنبعث بهدوء من نافذه الغرفه التي تجلس فيها جومانا مع ابنها .. ولما لم يعد هناك شئ اخر لتفعله ، فانها اتجهت نحو باب الفناء استعدادا للمغادره ، ولكن ما ان فتحت الباب حتي خفق قلبها بقوه وسقط من يدها كيس القماش الذي كانت تحمله فوق كتفها ، اتسعت عيناها بسبب المفاجاه .. لقد شاهدت خلف الباب شيئا لم تتوقعه ابدا ..

أبابيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن