الفصل الثاني

768 23 0
                                    

شاهدت أمامها اقدام جنيه عرفها اهالي قريه الجساسه كانت امرأه يطلقون عليها لقب ذات الطائر الاحمر ، اسمها الحقيقي ((تاج)) وكان جميع من في القريه يختفون منها ويحاولون قدر الامكان اجتناب غضبها ، ورغم تقدمها في العمر الا انها تزال تحتفظ بقدر كبير من الجمال ، يخبرنا بأنها كانت شديده الفتنه عندما كانت اصغر سنا: لها شعر عجري اسود اللون يتخلله بعض خصل الشيب الرماديه ، وبشره بيضاء مشدوده مثل جلد حصان سباق ، وتمتلك ملامح هادئه تشبه وقت غروب الشمس..

كانت تاج تمتلك طائرا نادرا احمر اللون مرقشا بحبات ريش برتقاليه ، كان ذلك الطائر من فصيله العنقاء اسمه ((اكليل))..وقد قامت بسرقته من عش والدته عندما كان لا يزال داخل البيضه ، لذلك استطاعت ترويضه وجعله خادما لها .. ثم ولان ذلك الطائر الاحمر لم يكن يفارق تاج ، وكان مثل ظلها تماما يذهب معها اينما تذهب فإن اهالي قريه الجساسه مع الوقت نسوا اسمها الحقيقي نهائيا ، واصبحوا يطلقون عليها لقب ذات الطائر الاحمر .. قالت القابله ماريا بخوف شديد:
-ما الذي جاء بك الي هنا؟!
-تعلمي ان لا تحشري انفك في الامور التي لا تخصك يا ماريا..
.
.
.
.
لم تتفاجأ القابله كثيرا لمعرفه ذات الطائر الاحمر بذلك الامر ، فقد كان من الطبيعي جدا ان تعرف تلك الجنيه بأكثر الاشياء السريه التي تدور خلف الابواب المغلقه .. حاولت ماريا الدفاع عن كرامتها:
-السيده جومانا لم تقم بطردي لقد صرفتني لانها تشعر بالتعب
-نعم بالتأكيد - قالت ذات الطائر الاحمر ساخره - لا بد انها شعرت بالتعب من ثرثرتك التي لا تنتهي !!
لم تحاول القابله ان تجادل في الامر اكثر:
-معك حق انا ثرثاره وكلامي لا ينتهي !!
قالت ذلك ثم هرولت مبتعده وقد انساها الخوف ان تحمل معها كيس القماش من علي الارض ..
-اكليل - قالت تحادث طائرها الاحمر - ابقي هنا ريثما اعود
زعق إكليل وهو يرفرف بجناحيه الطويلين في الهواء فقالت:
-لا لن أتأخر سأنجز ما جئت لاجله ثم نرحل سريعا

سارت بخفه في ساحه البيت الداخليه متجهة نحو الغرف التي ينبعث من نافذتها اضاءة خافته ، والتي تجلس فيها جومانا وحيده مع ابنها الرضيع .. وكانت ذات الطائر الاحمر في كل مره تمضي فيها بجوار القنديل مطفأ معلق علي الحائط تعود النار للاشتعال فيه فورا وبهذه الطريقه ما كادت تصل تلك الغرفه حتي اصبح جميع البيت مضاء من جديد..
.
.
.
.
فتحت باب الغرفه نظرت نحو الطفل وقالت:
-يبدو انه في صحه جيده يا جومانا!!
التفتت نحو مصدر الصوت بدهشة:
-انت بالذات غير مرحبا بك هنا - همست بنبره حاده.
تساءلت ذات الطائر الاحمر ببرود لا يلائم حساسيه الموقف:
-ألا استطيع الاطمئنان عليك حتي في مثل هذا اليوم؟!
-لا اريدك ان تطمئني علي - ثم اضافت بتوتر: لقد حذرتك اكثر من مره يان لا تحاولي الاقتراب مني !!
-متي تفهمين ايتها الحمقاء انني لن اقوم باذيتك ؟!
-ولكنك قد تؤذينني بقدومك الي هنا ، فلن تسير الامور علي مايرام لو عرف زوجي بالحقيقه !!
-اين هو زوجك هاه - تساءلت بحنق - لقد مضت شهور كثيره علي اختفائه !!
بخيبه امل سحيقه نظرت جومانا نحو الارض وهمست:
- ولكنه قد يأتي في اي لحظه!!
-وماذا سيحدث لو انه عرف بالحقيقه ألا تقولين بأنه يحبك؟!
-نعم يحبني ولكنني لا اريده ان يكتشف بعد كل هذه السنين الطويله التي قضيتها معه ، انني...اقصداننا... اعني انك - لم تعد تعلم ماذا يجب عليها ان تقول لذلك فانها اخذت نفسا عميقا ، ثم اكملت جملتها قائله: انت تعلمين ما الذي اريد قوله بالضبط!!
-لماذا تخجلين؟!لا احد يخجل من حقيقه اصله قولي له بأنك...
قاطعتها جومانا قبل ان تكمل جملتها:
-لماذا لا تقولين لي انت عن سبب مجيئك في هذه الليله؟!
-من اجله - قالت وهي تشير باصبعها ذي الظفر الطويل نحو الطفل النائم ، ثم أردفت:هل استطيع القاء نظره عليه ام انك ستحرمينني من ذلك؟!
ولانها لا تعلم بان ذات الطائر الاحمر لن تؤذي طفلها وبأنها لن ترحل قبل ان تحقق ما جاءت من اجله ، فإنها مدته نحوها وقالت باستسلام ومن غير ان يساور قلبها الشك بحقيقه ما هو قادم:
-حسنا - واردفت بحزم: ولكن بسرعه!!
حملته بين يديها وهي تبتسم تأملت فيه قليلا وهمست:
-هل ستقولين له عندما يكبر بانه مختلف عن البقيه وبأنه....
صرخت عليها مقاطعه حديثها قبل ان تكمل:
-هذا يكفي!!
ادركت انها اغضبت جومانا كثيرا فقالت لتغير الموضوع:
-هل استطيع ان اتمني له في اذنه ان يعيش حياه سعيده؟!
كانت تلك احدي عادات الولاده في قريه الجساسه حيث تقوم الام باختيار الصديقه الاقرب لقلبها ، وتطلب منها ان تتمني في اذن مولودها ان يعيش حياه سعيده ، وكانت الام تحرص كثيرا في انتقاء تلك الصديقه لانهم كانوا يعتقدون بأن شقاء المولود وسعادته مربوطان بصلاح قلب الشخص الذي سوف يتمني له ..

-وسترحلين بعدها؟!
-نعم سأرحل
رفعت ذات الطائر الاحمر الطفل الي مستوي فمها ثم بدأت تتمتم في اذنه بصوت منخفض متظاهره بانها تتمني له ان يعيش حياه سعيده ، ولكن في الواقع لا احد غير الرب يعلم ماذا كانت تلك الجنيه تقول في اذنه بالضبط .. وحين انتهت من وشوشته الصقت اذنعا علي صدره واصاخت السمع لصوت ظقات قلبه ..
في الحقيقه لم يكن احد في العاده يستمع لصوت دقات قلوب المواليد بعد الانتهاء من التمني لهم في آذانهم ، لهذا ربما تساءلت جومانا بشك:
-ماذا تفعلين ؟!
اجابت بتوتر:
-ششش ، اصمتي قليلا!!

وبعد فتره من الوقت ابتسمت ذات الطائر الاحمر اخيرا وتنفست الصعداء إذ انها تحققت مما جاءت من اجله ، اعادته اليها ثم غادرت دون ان تتكلم ..ولو ان الطفل فقط استيقظ في تلك اللحظه من نومه وفتح عينيه ، لكانت امه سوف تشاهد في عينيه اليسري وهجا احمر اللون غريب ..

"ثم وبعد عشرة اعوام" ....

أبابيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن