فِي ظُلُماتِ الحُروبِ تبدوا كُلِّ الألوانِ قاتِمةً، تتوشَّحُ السَّماءُ بالعتمة، فلا تُبصُرُ إلا نورَ الانفجارات، لهيبَ نيرانِها التي تحرقُ كلَّ شيءٍ حتَّى القُلوب، فِي ظُلُماتِ الحُروبِ تسْمَعُ صَوْتَ الحَقِّ وصوتَ الرصاصِ معًا يتبادلان القُبُلاتٍ عَلَنًا فلا حَرَج، تخترقُ الرصاصةُ قلبًا فتقتلَ قلبين، تَمْتَلئ الميادينُ بالأحمر القاني، بتلك الجموع تَنشُدُ ما لَمْ يَأْتِ به "السَّلام" أو الاستسلام في روايةٍ أخرى، تَشغفُكَ تلكَ الميادينُ حُبًّا، تراودُكَ عَنْ نَفسِك، هَيْتَ لَك، وعندها تحلو المَعصية، فِي ظُلُماتِ الحُروبِ وإِنْ بدا كُلُّ شَيءٍ مؤلمًا حزينًا، فإنَّ أحَدَهم يَتَسَلَّلُ بينَ الحضور بل بينَ القلوب، يدعوها لظلِّه وظِلَالِه، يعرفُ تلكَ القلوبَ جيِّدًا، ما يربِطُها ويؤلِّف بينها، يسعى إليها ليجمَعَها كما يسعى إليها الموتُ ليُفرِّقها، يلمُّ شَمْلها برابطة الإيمان، ويُزكِّي سُوَيْداءَها بالحَيَاء، فِي ظُلُماتِ الحُروبِ قَدْ لا تَجِدْ مَلجَأً ولكنَّكَ حَتْمًا سَتَجِدُ ظِلَالَ الحُبّ..رَغَمَ بشاعةِ الحُروبَ يأتي الحُبُّ ليُرخيَ ظِلالَه يملأ شذاه الأرضَ عبيرًا، كثيرةٌ تلكَ القَصصُ التي وجدتْ نفسَها وليدة الحرب والتشريد، وليدة القهر والإبعاد، وَسْطَ الرَّكام ، وَسْطَ تَطايُرِ الأَشْلاء، مِنْها ما تتوَّجَ باللقاءِ على نيَّة التأبيد، ومِنها ما تفرِّق على نِيَّة اللقاء ولو بعْدَ حِين، لينتصرَ الحُبُّ في كُلِّ حَرْب، فمَهْما نزفنا فإنَّ الحُبَّ يسقينَا دَمًا، ومَهْمَا ذرَفُنَا دَمْعًا فإنَّ الحُبَّ يسقينا بأسًا وصبرًا، يزرعُ فينا الأمل، ويُعيدُ للحياةِ ألوانَها، بنقائه، بصفائه، بصدقه، بأصالة نبعه، بمعناهُ السَّماويّ.
وَلقَد يكونُ في الدُّنيا مَا يُغني الواحد مِنَ النَّاسِ عَنْ أَهْل الأرض كَافَّة.. ولكنَّ الدُّنيا بِما وَسِعتْ لا يُمكنُ أبدًا أَنْ تُغنيَ مُحبًّا عَنْ الواحدِ الذي يُحبُّه! فَيختارَ القلبُ قدرَه وحظَّه الذي ساقته له الأقدار ليفوزَ بقلبِه وحضنهِ الذي سيكون ملجأهُ الأبديِّ، فلم تنتهِ ظلمات الحُرُوب بعْد. تَخْتارُنا الأقدارُ ونحْنُ نَخْتارُها، وحِينَ نَخْتصِم فكلانا يَخْتارُ الحَرْب، لأنَّ المواجهة حَتميِّة، ولا بُدَّ أن تَميلَ الكفَّةُ لأَحَدِنا فأعيُنُنا صَوْبَ الحُلُمِ ترقُبُ وتنتظرُ لحظَةَ معانقَتِه، فكم حدَّثونَا عنهُ صغارًا في رواياتِهم التي كانوا يقصُّونها علينا ولكنْ لنِنَام، وحينَ كبرِنَا قرأناها مرةً أخرى لِكَيْ نَصَحُوا..
ولكنَّها ليستْ الأحلامُ وحدَهَا مَنْ ترغَبُ في عِناقِنا، وكذلك الموت، فدائمًا ما يسألُ عَنْ أَخبارِنا، لَمْ يَكْفِهِ أنَّه يتَفقَّدُنا دومًا حِينَ نرقُد، فأصبحَ يشتاقُ إلينَا في يقظَتِنَا، يَطَّوُّفُ حَوْلنا، يختارُنَا بعناية، يحبُّ أجملَنا، وأبهجَنا، وأكثرَنا ارتباطًا بأحبِّته، مَنْ بِهم تعلَّقتْ القلوب، وهجرتْ الروحُ الجسدَ إليهم تطير، نعم؛ إنَّه يعشقُ تلكَ المطاردة..
YOU ARE READING
1835 |TK
General Fictionتَنشأُ ظِلَالُ الحُبِّ المُحَرم فِي أَزمُنِ الظُلُماتٌ وَ اَعُودُ مِنْ حَرْبِ الدُمُوعِ مُبَلَّاً ، لِأرى يا أَعْذَبَ الكائِناتْ إِنتِصارَاتِي بِلا وُجُودِك خَاسِرةًَ.