٢-لِحافٌ

64 5 1
                                    



تَخْتارُنا الأقدارُ ونحْنُ نَخْتارُها، وحِينَ نَخْتصِم فكلانا يَخْتارُ الحَرْب، لأنَّ المواجهة حَتميِّة، ولا بُدَّ أن تَميلَ الكفَّةُ لأَحَدِنا ، لَم يَمر فِي التاَريخ زَمن يُماثِل الحُقبة الوَاقِعة بَين ١٨١٥ و١٨٢١ فِي فَرنسا. لَقد كانت هَذه السِنُون السِتْ لِمْحَةً مِن لَمحاتِ التَارِيخ المَلحُوظة ، فَهي في آن وَاحد مُشعة وَمُظِلمة ، مُبتَسِمة وَكَئِيبة ، مُشرِقة كَأن نَور الفَجر نَوَّرها ، وَفي نَفس الوَقت مَطُوِية فِي ظُلمات تِلكَ الكَوارِث والنَوائِب التي مافتئِت تَملَأُ الأَفِق ، مَع أَنها كانت قَد دُرِجَت فِي أَكفان المَاضي.
لَقد جاءت الثَورة وَذهِبت ، وَجاء نَابِليون وَذِهب ، وَجاء بَعدهُ لِوُيس الثَالِث عَشر وَذِهب.. وَمع ذَلِك فَتارِيخُ فَرنسا اَحتفظ بِجِدَية... ولا يَسعنا بَل لَا يَجدُر بِنا أَن نَنَحَنِي بِاللائِمة على الثَورة أَو عَلى مَن تَربعَ دَكة السُلطَان ، أَو تَنسم الذَروة ، أَو اعتلى العَرش عَقب الثَورة

إِنخَرط جونغكوك فِي بِدَاية شَبابه فِي سِلك الجِندية ، وَلقد حاربَ فِي مُختَلف المّيادِين ، وَخاض أَكثر مِن مَعركة وأَبلى بَلاءً حسنًا وَلقد عَاش وَضع رَهِيب فِي لاون ، وَطعن عَشرة مِن جُنود الفَوازق بِسيَفه ، وَقد اَستَخرجت ٢٧ شَظية مِن ذِراَعه اليُسرى وَحدها ، وَفي إحدى المَعارك كانَ هوَ الَذي اِنَتزع الرَايِة مِن فَوج لَونبوغ ، وَطرحها على قَدمي الإمبراطور ، فِيما كان مُضرجًا بِالدم.

فَقد كَان يَتسم بِالقوة والنُبولة والشَجاعة رُغم سُوء لِسانهِ مَع الحِشد وإِدمانه الشَدِيد على الكُحول وَتدخينه التَبغ بِشَراسة وَرغم سَوء تَصرُفاته وَقبحِ أَخلاقهِ فَهو يَميل الى الطَيب وَالجمُود حَين وَقوع الحُروب ، فَما وَطنهُ أَغلى عَليه مِن عَينيه ، مَن هَتانِ الأَثنتان
فَـ وَاللهً لَو خُير بَينهم وَبين وَطنه لَقَشعَ بؤَرتيه فِداءً لِوَطنه.


نُزل وَاترلو مُنتَصف اللَيل

إِنَتصف اللَيل وَلم يَستطَع ذَلِك المُرهق إَغماض عَيِنيه ، فَقد كَان يَرتَجف مِنَ البَرد بِينما يُمسك بَيدِيه إِحَدى الكُتب الَذِي جاهدَ لِتَوفِير ثَمنِها ، بَل وأَمتنع عَن الأكل لِيَومِين مُتَتالِيين لِتَوفِير ثَمنها ، سَقط رأَسه على المَنضدةِ أَمامه وَغفى بَعدها مِن شِدةِ التَعب ، لَقد كانَ يُخبئُ جَسده بِواسِطة مِعطَفه الرَث ، وَرغم ذَلِك جَسده أَبى التَوقف بَل زَاد إِنتِفاضُ جَسده حِينما هَبت رِيحُاً بَارِدة كَالصَعِيق وَكأنما مابِه لا يَكفيها.

أقتَحم حُجرَته الرَثة ذَلِكَ الجُندي بِينما يَحمل بَيدة شَمعةً فِضِيه ، لِتُنير عَتمة تِلك الحُجرة ، وَضعها على المِنضَدة بِجانب رأَس الفَتى وأَتجه لَهُ واضِعًا إِحدى يَدِيه على جَبينه مُتفَقِدًا حَرارة جَسدِه ، فَقد كَان يَتعرق بِغزَارة بِينما يُتَمتم بِبَعض الجُمل الَتي جَهل الجُندي ماعَني مِنهَا، وَلكن لَفتت عَينَا ذَلِكَ الجُندي كُتَيِبة مَذّكورًا بِها مَعركة وَاترلو ، فَأَخذها لِيقرأها بِعَينيه .

1835 |TKWhere stories live. Discover now