4

271 42 170
                                    

لا يدري حتى كيفَ بلغَ البوابة، ما تزالُ القذائفُ تزلزل الأرضَ من تحتِ قدَمَيه وتكادُ تُلقي به في مهاوي الرَّدىٰ، صوتُ الصفيرِ المرعبُ يجعلُ عينيه تشخصانِ إلى السماءِ فيرىٰ جمعًا من الطائراتِ التي تلقي بقنابلها، وما إن تلامس تلكَ الأرضَ حتىٰ يشعر وكأن نجمًا قد هوى أرضًا أو أن جبلًا قد انقضَّ، تُصمُّ آذانه عن كلِّ شيءٍ وتختنقُ أنفاسُه برائحة البارود، انتزع الكمامة عن وجهه بعدما أغرقتها الدماء، حاولَ إبطاءَ النزفِ بتكميمِ الجرحِ بإحدى يديه بينما الأخرىٰ تعملُ على فكِّ قفلِ البوابة، في لحظةٍ ما، كانَ أخيرًا قد دخلَ إلى المنزل، وأوصدَ البابَ.

«آرام!»
هتفَ بينما يدورُ في البيتِ بغيرِ هُدىٰ، يبحثُ عن الفأرِ الصغيرِ وعن أشياءَ أخرىٰ لا يستطيعُ عقله المشتتُ تمامًا تحديدَها، يصرخُ تقريبًا والبيتُ ما بِه من إنس.

«آرام! تعالَ إلى هُنا حالًا!»
موقِنٌ هوَ أن الصغيرَ لن يستطيعَ الخروجَ من البيتِ، أنشأ يبحثُ أسفلَ الأرائكِ والأسرّةِ، في الغرفِ والحمام، وجدَ صندوقَ الملابسِ الذي أحضره أمسًا وما وجدَ صاحبَه، سحبَ الصندوقَ معه، ثم حينَ بلغَ المطبخَ كانَ عقله قد باتَ على شفا الهاوية، قلبَ الطاولةَ أرضًا وشرعَ يفتِّحُ الخزائنَ الخشبية، حتىٰ وجدَ كائنًا ضئيلًا متكوِّمًا على نفسِه في إحداها، يرتجف، ويضغطُ أذنيه بيدَيه.

«اخرج يا آرام.»
لا يسمعه، إنه مصابٌ بالصممِ المؤقتِ كما هوَ متوقعٌ مِمّن يسمعُ صوتَ الهلاك، ربما هوَ غيرُ واعٍ من فرطِ رعبِه حتىٰ، اضطُّرَ رادِن إلى حملِه مجددًا عوضًا عن تنفيذِ فكرتِه السخيفةِ بأن يوسِعه ضربًا، ولكن هذه المرة.. كانَ هوَ -رادِن- الطرفَ الملوَّث، الطرفَ الذي تقطرُ منه الدماء.

انتفضَ آرام في حضنه ما إن حملَه، لولا أن ثبَّته رادِن قاطعًا المطبخَ بخطواتٍ واسعةٍ ثم متجهًا إلى الممر، هنالكَ وقفَ أمامَ أحدِ الأبوابِ الخشبيةِ وألصقَ مفتاحًا به بيدٍ راجفة، هوَ يثقُ ببيتِ أمِّه، هذا البيتُ قد شهدَ كلَّ أنواعِ الهلاكِ وما اضطربَ، لن تكونَ هذه القصفةُ شيئًا مستحدثًا على تاريخِه الحافل، سيختبئُ اليومَ في مقصورةِ الأمانِ وفي الغدِ سيستيقظُ ليجدَ كلَّ شيءٍ كما هوَ.

بعدما فتحَ البابَ دلفَ إلى الغرفةِ بخطًى مضطربة، كانت غرفةَ مكتبٍ عاديةً جدًّا لولا أن أزاحَ رادِن سجَّادتها فبانَ من تحتِها بابٌ معدنيٌ مربَّعُ الشكل، حلقةُ المفاتيحِ مرةً أخرىٰ، ثم ها هوَ يواجهُ درجًا طويلًا يؤدي إلى الأسفل، ألقىٰ بصندوقِ الملابسِ ليسقطَ متدحرجًا على الدرجِ الخشبيِّ، ثم شرعَ ينزلُ الدرجَ رغمَ الظلامِ الدامسِ وخطواتِه المتعسِّرةِ إثرَ غزارةِ ما نزف، إلا أنه لم يسقط بحظٍ ضارب، وفي نهايةِ السلمِ كانَ هنالكَ ممرٌ قصيرٌ يفضي إلى بابٍ من فولاذٍ صلبٍ، مرةً أخرىٰ، حلقةُ المفاتيحِ نالت الفضلَ الأعظمَ في فتحِ البابِ الأخير، وأغلقه رادِن دفعًا بعدما دلف، وجثىٰ أرضًا يلهثُ.

رَجُلٌ يُحتَضرُ | Dying Manحيث تعيش القصص. اكتشف الآن