10

154 27 13
                                    


يسعُه أن يوجَزَ كلَّ ما ألمَّ به من مصائبَ في حياتِه بقَولِه أن كانت ليلىٰ حيّة صحيحةَ البدنِ تُضاهي شمسَ الظهيرةِ في نورِها ودفئها، ثُمّ وَلَّت، سُرِقت بغتةً واختفت أبدًا، لم يملك حتىٰ رفاهيةَ العلمِ بمثواها الأخيرِ لأنها كما يبدو قد خططت بالشكلِ الأمثلِ كي لا تكونَ سببًا في نشرِ العدوىٰ ولو لامرئٍ واحدٍ بعدما اكتشفت أنها قد أُصيبت بالنَّيطل، ولفرطِ ما بِه من حُمقٍ فقد كذَّبَ رسالتَها التي بعثتها له بالبريدِ وحسبَها خدعةً وأحرقَها، وعادَ كما هي عادته ليعدَّ أنفاسَه ندمًا على ما اقترفت يداه.

لا تفلتُ من ذاكرتِه طلَّتُها في صباحِ تلكَ العطلة، كانت تضعُ على رأسِها قطعة قماشٍ مزركشةً تعقدُها إلى الخلفِ كي تقي شعرَها الغبارَ بينما تقومُ على تنفيضِ سجَّاداتِ المنزلِ، وكانَ هو يمسحُ الأرضية ويستمعُ لأحاديثِها الطويلة بشأنِ غلاءِ الأسعارِ وحكايا نسوة البلدة وضرورة تنظيفِ المقابضِ وصيانة الأبوابِ علىٰ وجه السرعة، وأن عليه بالاعتذارِ إلى مديرِ المشرحةِ والتوقفِ عن افتعالِ المشاكلِ مع العُمّال وبالبدءِ بالادخارِ لأجلِ زواجِه، وأن كلَّ بناتِ الحيِّ -من وجهةِ نظرِها- يتمنَّينَ أن يُنعِّمهنّ بنظرةٍ أو تَحِيّة، ولم تنسَ أن تحكيَ له قصة الشجرةِ ذاتِ الألفِ غصن حيثُ تقعُ مملكةٌ على كلِّ واحد، وما حدثَ للجذعِ حينَ بدأت الممالكُ بالتقاتل بعضُها مع بعضٍ، وثلاثُ أو أربعُ حكايا أخرىٰ يرجِّحُ أنها قد ألَّفتها جميعًا كي تُوائمَ عِبَرُها حلولَ مشكلاتِه الأزليّة.

«لقد تأخرتُ كثيرًا على ثُرَيّا! لا تتناول الغداءَ قبلَ مجيئي كي نتناولَه معًا.»
كانت آخرَ كلماتِها له مرفقةً بغمزةٍ وابتسامة، وكانت قد خلعت رباطَ رأسِها وجدلت شعرَها اللامع وسدلته على كتفِها كي ترافقَ جارتها إلى التسوُّق، أشَّرت له بيمينِها وقد حملت يسارُها سلّةَ قشٍ فارغة، فأجابَها بينما يتجهُ إلى غرفة المكتب: «لا بأس. سأنتظركِ.»
«إلى اللقاء إذًا!»
ثم لم يكُن هذا اللقاءُ بعدَئذٍ.

تقضي أمه في العادة وقتًا طويلًا في السوق، ساعتَين أو ثلاثًا، ولكنها هذه المرة لم تعُد حتىٰ بعد خمسِ ساعات، حينَ ذاكَ خرجَ ليسألَ عنها عندَ ثُرَيَّا، وباغتَه أن وجدَ أبناءَ تلكَ الأخيرةِ يبحثونَ عنها هم الأخر، وبعدَ بضعِ ساعاتٍ من الدورانِ حولَ نفسِه أخبره بعضُ الباعةِ في السوق بقصةٍ انتشرت شبيهاتُها مؤخرًا بينَ أخبارِ المذياع، امرأةٌ أربعينية كانت تتسوقُ رفقة صديقتها ثم انهارت وماتت فوريًّا، كانت مفاصلُ أصابعِها مزرقّةً وعيناها جاحظتان اختفت منهما المقلة، وشعيراتُها الدموية قد برزت بوضوحٍ خلالَ دقائق، وفي الوقتِ الذي هلع فيه الناسُ وتشرزموا وقد بانَ بوضوحٍ أعراضُ الوفاة جرّاء الإصابة بالنيطل على المرأة حاولت رفيقتها أن توقظها وهلةً طويلةً قبلَ أن تستعيدَ هدوءَها وتقومَ بسحبِ جثَّتها بعيدًا وتختفي بلا رجعة.

رَجُلٌ يُحتَضرُ | Dying Manحيث تعيش القصص. اكتشف الآن