♤2♤

4 2 0
                                    

بعد شهرٍ من إعلان ذهاب سيسيل إلي الأكاديمية جلست في عربة أنيقة الطلة قاتمة و قد كان السائس المسؤول عن قيادة العربة يحاول الوصول إلي وجهته في أسرع وقت ممكن مع مراعاة إشعار * الأمير * بالراحة مما كان تحدياً نوعا ما لقدراته و لكنه إجتاز الإختبار بنجاح فقد وصلت العربة إلي الأكاديمية قبل تلاشي آخر شعاع للشمس  و عندها ترجل و ذهب ليفتح باب العربة مُعلماً الأمير أنهم قد وصلوا بالفعل .


كانت سيسيل ترمق بطرف عينها مبنى الأكاديمية و قد بدى لها المبنى مبهرجاً بالألوان مقارنة مما إعتادته في القصر و كانت قد ربطت شعرها إلي الخلف في محاولة طفيفة للتأكيد علي سرها الصغير و لم يقطع حبل أفكارها سوى صوت فتح باب العربة فنهضت مستسلمة إلي الأمر الواقع . 


العينان الزرقاوان و الشعر الأشقر و الوجه الرقيق هل من الممكن أن تكون هذه صفات رجل ؟ هكذا تسائل السائس و قد كتم في نفسه و لم يُبد أي ملمح عما كان يجول في خاطره فهو مُدركٌ تمام الإدراك عما من الممكن أن يصيبه في حال مس أهل هذا القصر بحرف من الكَلِم . 


عندما رفع الأمير عيناه بعدما نزل من العربة رأى بعضاً من الأشخاص مما يبدو عليه الأمر أنهم كانوا في إنتظاره و لكن سيسيل لم تتعرف إلا علي واحد منهم فقد كان يزور القصر من حين إلي آخر . 


إتجه ذلك الشخص إلي الأمير ثم حياه في إحترام و قد كان كما عرف نفسه المسؤول عن شؤون الأكاديمية ثم قاد الطريق إلي مكتبه حتي تُتاح له فرصة محادثة ولي العهد محادثة لائقة و لم يملك سيسيل من الأمر شيئا سوى الذهاب معه رُغم أن كل ما كانت تبغِ هو الإسترخاء حتي صباح الغد . 


و كما كان متوقعاً لم يكن لِلقاء المسؤول عن الأكاديمية أي فائدة تًذكر فيما عدا توطيد علاقة طيبة بينه و بين ولي العهد الذي كان في عينيه يافع السن رقيق البُنيان كما أكد قرابة الألف مرة أن ولي العهد سيشعر بالراحة في محل إقامته و أنه سيستطيع تطوير قدراته و مهاراته كما يتمنى جلالة الملك .


و قد كان حديث المسؤول ممزوجاً بشيء من الإستخفاف غير المبرر لدرجة أن مساعد المسؤول كان يدعو الله في خاطره  ألا يصل حديث المسؤول إلي الملك ، و لكن  لسبب ما لم يعلق ولي العهد علي  و إكتفى بإبتسامة متكلفة حتي شرع المسؤول يتحدث عن والدة الأمير " إنني لأرثي حقا وِحدتك اللتي لا بد أنها أنهكت فؤادك يا سموك  و خاصةً بعد وفاة والدتك ، لا شك في أن رحيلها صدمك إلي حد بعيد " 


و ما هي إلا لحظات حتي تلاشت الإبتسامة عن شفتي الأمير و رمقت عيناه المسؤول في إستحقار بالغ ثم واصل الحديث " لا داعي للقلق علي فقد إعتني بي والدي عنايةً بالغة ، لا أدري لِم و لكن والدي العزيز كان دائم القلق علي حتي أنه كان يدعوني مراراً لقضاء الوقت معه " 


نظر سيسيل إلي إنعكاس صورته في فنجان الشاي ثم تبسم متابعاً قوله " والدي العزيز قد أفرط في رعايتي للغاية حتي أنه زج أحد الخدم في السجن لمجرد أنه لم يكن مُطيعاً بما فيه الكفاية ، أتفهم ذلك ؟ " 


هُنا إستشعر المسؤول خطورة كلماته أخيراً فأردف قائلاً " أعتذر إن كان ما قُلته قد أزعج سموك ، لا آمل إلا أن تصفح عني في هذه اللحظة "  


" لا داعي لهذا يا حضرة المسؤول ، كل ما أبغيه في الوقت الحالي هو أن أستطيع التعايش في هذه الأكاديمية اللطيفة " و كانت نبرته كما لو كان يسخر و لكن المسؤول لم يأبه إلا لحقيقة تناسي الأمير ما قاله مُنذ دقائق قليلة .  


ثُم نهض الأمير مُرافقاً إياه مساعد المسؤول حتي يوصله إلي غرفته اللتي كانت و علي غير  المتوقع غرفة مشتركة مع شاب آخر من معشر النبلاء .


و قد كانت هذه أوامر والده كما أُخبر سلفاً من قِبل المسؤول فلم يكن من سيسيل إلا السمع و الطاعة .


كان باب الحجرة داكناً مما أوحي إلي سيسيل شعوراً بالأُلفة ثم أمر المساعد بالإنصراف فلما أطيع في أمره فتح الباب بعد عدة طرقات و دخل إلي الحجرة المتفرعة و قد كانت قاتمة الألوان كما كان هناك مكتبة صغيرة في الحائط الأيسر ، و قد كانت الأريكة بنية اللون تجاور المكتبة كما كان هناك بابان مغلقان ما لبث لحظة حتي فُتح أحدهما كاشفاً عن شاب يافع أسودِ الشعر أخضر العينين . 


بادر الشاب إلي تحية سيسيل برسمية مُعرفاً نفسه بأنه شريكه في الغرفة و يدعى كارل سَلِيل منزل ماركيز الجنوب ، فصافحه سيسيل و لم يكلف نفسه عناء التعريف بنفسه ثم إتجه إلي الحجرة المغلقة متمنياً ليلة سعيدة لشريكه . 


كانت الغرفة ذات نمطٍ كلاسيكي سرير قُرب الحائط محاذياً للمدفأة كما كان الأثاث أنيقاً و ثميناً كما هو متوقع و قد كان هناك باب لحمام منفصل في غرفته مما جعله يسترخى إلي حد ما و لكن ما أثار حنق سيسيل هو عدم وجود نافذة في غرفته و مع ذلك فقد تناسى الأمر بسرعة . 


إرتدى سيسيل ثيابه بعد الإستحمام متجاهلاً الأريكة اللتي إعتادت تغليف صدرها بها ثم نظرت إلي النار المشتعلة في المدفأة و هي متدثرة بالأغطية حتي غرقت في النوم .  

Our truthحيث تعيش القصص. اكتشف الآن