4. عقد قران

539 22 5
                                    


ساد صمت طويل وثقيل . . . وصادم.
وفكرت باتريسيا . . لابد أنني أحلم . . لا مفر من هذا . . كل ما حدث لي مجرد كابوس. وسأستيقظ لأجد أن كل شئ انتهى. وكل ما علي هو أن أستفيق . . .
وقالت بصوت مرتفع وأدب شديد :
- هل لك أن تكرر هذا . . أرجوك؟
ورد عليها بنفاذ صبر :
- لقد سمعتني جيدا سنيوريتا. لقد أرسلت بطلب الكاهن ليعقد قراننا.
واستوت في جلستها وهي تشد المنشفة على جسدها. وصاحت بجنون :
- ولكن لا يمكنك .. لن تستطيع .. هذا مستحيل.
- أنا لن أكذب أبدا حول أمر جدي كهذا.
- إذن أنت مجنون .. فاقد العقل تماما. وهذا ليس بمنزل .. إنه مصح للمجانين .. فالناس لا يتزوجون بعضهم .. هكذا ...
- ربما ليس في عالمك ...
- نحن في التسعينات من القرن العشرين .. أليس هذا هو الزمان هنا أيضا؟ أم أننا في نوع من الزمان المشدود إلى الوراء يعيدنا إلى القرن الماضي؟
- مثل هذه المبادئ قد تبدو غريبة عليك سنيوريتا .. ولكنها مبادئ حقيقة أساسية لي .. لقد أغويتك ويجب أن أصلح غلطتي بالطريقة الوحيدة الممكنة.
- دعني أفهم هذا جيدا .. لو كنت فعلا ذلك النوع من النساء الذي ظننتني .. جولي باترسون أخرى .. وأنني هنا لمجرد التسلية .. أكنت تتركني وشأني؟
- آخر الأمر ... بعد أن انتهي منك.
- ولكن لأنك اكتشفت أنك أول رجل في حياتي، فأنت تفرض علي الزواج بسبب إحساس بالشهامة، أليس كذلك؟ ... حسنا .. لقد تأخرت بإحساسك بالشهامة سنيور .. لقد تأخرت أربعا وعشرين ساعة .. ولن أتزوجك ولو زحفت على ركبتيك.
فقال ببرود:
- وهذا أمر لن يحدث.
- بالطبع .. لذا دعنا ننسى هذا النقاش السخيف إلى الأبد.
- ها نحن اتفقنا ... بالتأكيد ليس هناك المزيد من النقاش.
حاولت أن تجد وسيلة أخرى للخلاص:
-إذا كنت قلقا أنني قد أسبب لك فضيحة رسمية حول ما حدث .. وأن أتهمك باغتصابي .. أقسم لك أنني لن أفعل .. أريد فقط أن أضع كل هذا وراء ظهري، وأنا متأكدة أنك ستفعل مثلي ... فلماذا لا تعطيني ثيابي وتتركني أذهب ..وسنتظاهر معا أن ليلة أمس لم تحدث ... ؟
وهز رأسه:
- هذا .. للأسف .. أمر مستحيل.
- ولكن لا لزوم لكل الأمر، إذا كنا كلانا موافقان .. حتى أنني سأكتب لك إقرارا .. إذا رغبت ....
وأخشنت لهجته دلالة نفاذ صبره:
- أنت لا زلت غير فاهمة .. ليلة أمس أخبرتك الحقيقة ... ولكنك لم تصدقيني أيضا .. ليس هناك وسيلة للخروج من هنا سنيوريتا ... فالنهر مرتفع وخطر ... والمخاطرة كبيرة.
- ولكن إلى متى؟
- من يعلم؟ فمن المتوقع استمرار العاصفة لعدة أيام ...
- ولا يبدو عليك الاهتمام.
- وهذا جزء من الحياة اليومية هنا، ونحن قعانعون، فلماذا الغضب من شئ لا يمكن تغييره؟
- حسنا ... لا أستطيع أن أكون غير مكترثة حول بقائي محتجزة في الأدغال مع ... مغتصب ...
وقال لها بغضب:
- سوف تتعلمين أن تتكلمي معي باحترام أكثر.
- الأفضل أن لا أتكلم معك بالمرة.
وتابع ببرود:
- ثم .. لم يكن هناك اغتصاب ... وليست ذاكرتك ضعيفة لهذه الدرجة باتروسا.
وعضت على شفتيها:
- حسن جدا ... سأتقبل أنني عالقة هنا مؤقتا .. ولكن ما أن يصبح النهر صالحا للملاحة، فسأذهب ... وأنا أرفض أن أجبر على الزواج من غريب كامل بسبب شرف العائلة ... البائد الطراز فهذه حياتي ...
- ربما لن تكون مجرد حياتك فقط ... هل فكرت بهذا ؟
- ماذا تعني ؟
- وهل أنا مضطر حقا لأن أشرح لك؟ يمكن أن تكوني حامل أيتها الغبية.
وبدا لها أن الأنفاس قد انقطعت عن كامل جسدها في شهقة مرعبة واحدة. واستطاعت أن تطلق كلمة واحدة:
- لا .....
- الأمر ممكن جدا، أؤكد لك ... ولفتاة تفخر أن تكون جزءا من العالم العصري ... أنت ساذجة لأبعد الحدود.
- ولكنني لن أعتبر هذا أمرا ممكنا، ولو حدث هذا، فهو لا يعني بالضرورة أن علي أن أتزوجك.
- وهل تظنين أنني سأتركك بكل بساطة؟ بعد أن أعرف أنك تحملي طفلي؟ أو أن أسمح لأبني أن يربى في حضن غريب في بلد غريبة؟
- ابنك؟ ماذا تعني بحق الجحيم .. ابنك؟ ربما تكون فتاة ... مع أنني لا أظن أن ابنة لك قد ترضى غرورك المنتفخ بنفسك.
وتوقفت عن الكلام فجأة بعد أن لاحظت المسار الذي انقلب إليه الحديث وصاحت منتحبة:
- أوه ... يا إلهي لا أصدق ما يحدث ... لابد أنني مجنونة بقدر ما أنت مجنون أنني أتناقش معك حول جنس طفل لا وجود له بعد.
- إلى أن ينخفض مستوى النهر سنكون قد عرفنا بوجود طفلنا أم لا على التأكيد.
وأحست بالرعدة تعتمر كل جوارحها.. طفلنا.. يا إلهي منذ ثلاث أيام لم أكن أعرف بوجود هذا الرجل، والآن، ربما نكون قد تسببنا بتكوين كائن بشري آخر... فيما بيننا.
لابد أن يكون هناك وسيلة أخرى غير النهر للخروج من هنا لقد قرأت مرة أن هذه المجاهل لها اسم آخر، الجحيم الأخضر، ولكن هناك أنواع أخرى من الجحيم قد تكون أسوأ منها، وهي مستعدة أن تخاطر بشق طريقها عبر الغابات بسكين صغيرة بدل الاستسلام لما يقترحه عليها.
كل ما تحتاجه، هو أربعة دوالب فوقها محرك، وعندها يمكن لها أن تهرب ولو تبعت مجرى النهر، فعاجلا أم آجلا سوف تصل إلى سانتياغو ديلاستيرو.
ولكن كذلك سيفعل خوليو دي لاكروزا في اللحاق بها . . فقد أوضح نواياه ومن المستحيل أن يتركها تذهب . . . وسانتياغو ديلاستيرو ستكون أول مكان يبحث فيه عنها.
لقد ذكر أن هناك إرسالية في (( سالتا )) وهذا يعني تدين منتظم واستقرار، ورموز أخلاقية ثابتة . . فإذا ذهبت إلى هناك وطلبت الحماية والملاذ، فلا يمكن أن يرفضوا طلبها.
ولكن هذا مجرد غباء . . وعليها أن تكون متكتمة، وأن تتظاهر بالقبول، وفي نفس الوقت تكون مستعدة لأي إمكانية في الهرب.

روايات احلام: جزيرة الذهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن