هطل المطر بغزارة تلك الليلة . وبقيت باتريسيا مستيقظة ومتوترة وهى تستمع الى وقع المطر العاصف على السطح واخذت تفكر بالمطر الان كنعمة بدل ان يكون لعنة . فطالما ينهمر ... سيبعد هذا الكاهن عن المجئ الى هنا ... وكما وجدت صعوبة ليلة امس ان تبتعد من بين ذراعيه . وجدت الان صعوبة فى ان تتخلص من ذكرايتها . ولكنها مضطرة لان تنسى . فلا مستقبل لها هنا فى الادغال المتوحشة مع غريب. وحدقت فى الظلام .. حسنا .. قد يناسبه المقام هنا ، ولكن ليست انا . ولن تستطيع الانتظار الى ان تتمكن من الخروج من هنا ، لتعود الى واقعها . وكل ما عليها .. ان تجد طريقة . فكرة واحدة أبرزت نفسها وهى ان تقنعه باخذها معه الى حقول القصب حيث تتم عملية الحصاد. ولهذا فقد حاولت ان تظهر الاهتمام بما يرويه عن مزارعه. وكانت زيارتها للمزارع مثيرة . فعلى الرغم من ان بين يديه مهمة صعبة فى الادغال .. الا ان ما يثير الرضى انه يمتلك مثل هذا الاهتمام والعطف على البيئة ، وبدا لها شخصية أكثر تعقيدا مما تصورت فى البداية ، ولن تستطيع نسيانه بسهولة . وبتصميم ، أعادت اهتمامها لخطتها .. فعليها ان تحمله الثقة بها بما يكفى للسماح لها بالذهاب والمجئ تكرارا دون ريبة . وهذه مشكلة ، لان خوليو دى لاكروزا ، ليس بالغبى ولن يقتنع بتظاهر فجائى بالاستسلام . اليوم التالى كان يوما جافا وحارا ، طقس للبرغش ، فاضطرت لان تبتلع حبوبا مضادة للملاريا ، ولدهشتها كان على المائدة فى غرفة الطعام عندما دخلت اليها . والرجل الصغير السمين يقف قربه يتحدث اليه ، وعرفت بانه أحد الرجلين الذين اتيا بها . فسألته وهى تجلس ، وتمد يدها الى وعاء القهوة - هل تخططان لاختطاف أخر ؟؟ - أسف لان مزاحك ضائع مع بيدرو .. والوضع الذى نتكلم عنه لا يثير الضحك أيضا .. فبعض الحراس أبلغونا أنهم شاهدو " غاريمبيروز " فى الجوار . الكثير منهم مجرمون . ويسعون الى تهريب ما يجدونه خارج البلاد . ومعهم جوازات سفر مزورة من التشيلى والبيرو وهم عادة مسلحون وخطرون . واذا كانوا ينشطون فى محيطنا فمن حق المزارعين أن يخافوا . - وماذا تفعلون حول هؤلاء الناس ؟ اتنظمون حملة " صيد بشر " ضدهم . - لا .. لا افعل هذا مثلما لا أجرؤ على ركل أفعى نائمة .. فنحن ننظم دوريات ، وندعهم يعرفون أننا شاهدناهم ، فيحذروا من أن يتقدموا نحونا .. وحياتهم فى الادغال دون طعام أو دواء ملائم ، العديد منهم لا يعيش ، وأحيانا الغابة تدفعهم للجنون ، وغالباما يقتلون بعضهم بعضا. فتجهم وجه باتريسيا :
- هذا فظيع .. ألا يمكن فعل شئ حيال هذا ؟ - كم تبسطين الامور .. لقد أتيت من بلاد أمنة وفى ظنك أن بالامكان تطبيق الحدود على غابات الامطار هذه ." الجحيم الاخضر " .. هل تتصورين أن بامكانك حراسة الجحيم كما يجرى فى بلدتك الصغيرة ؟؟
- اذا كنت تنظر الى المكان كالجحيم فلماذا تعيش به ؟؟ - هناك اماكن أسوء من هنا .. ثم لدى عمل أقوم به هنا . ووقف خوليو معتذرا وتبعه بيدرو .. وعلى وجه الاثنين علامات التجهم . وتابعت طعامها ، لابد أن هؤلاء " الغارانبيروز " مصدر ازعاج حقيقى لهم . وخرجت من غرفة الطعام تبحث عنه . ووجدته فى المكتب ، وما أن أطلعت من الباب حتى شاهدته يحشو مسدسا بالرصاص وهذا امر لم تشاهده من قبل الا فى الافلام أو على التليفزيون ، ولكن مشاهدته فى الواقع ليس له اللمعان الذى فى الشاشة ، فهو يحمل معنى التهديد والشر المشؤوم . واستدار اليها مبتسما ، ولكن ابتسامته اختفت بعد ان لاحظ تعابير وجهها :
- هل هناك شيئا خاطئ ؟؟ - هل ستستعمل هذه حقا ؟؟
- أجل .. اذا اضطررت .. ألا توافقين ؟؟ - حسنا ، بالطبع لا أوافق ، فأنا أكره أى نوع من العنف
- وهل تظنين أنك لوحدك تكرهين العنف ؟ ولكن هناك مواقف لا تعود المثاليات تنفع فيها .. وعلى الواقع أن يتقدم . صدقينى باتريسيا ، أنا أدافع عن نفسى وعن ممتلكاتى . فلن ياخد أحد منى ما لست مستعدا لاعطيه .
- تبدو وكانك محاصر .
- بعض الاحيان أشعر هكذا . فكل يوم هناك معركة مع البيئة كى أحمى مزارعى من الحشرات والامراض .. ولاحمى عمالى ضد الامراض والموت .. وهناك ضوارى مفترسة فى كل مكان ، وأسوءها الجنس البشرى ... ولكننى واثق أنك لم تفشى عنى لمجرد مناقشة الشر والعنف . وعضت على شفتيها :....
- لا .... لقد أتيت لاسالك كيف تتوقع أن أشغل أوقات فراغى هنا فأنت وراءك المزرعة ومارغريتا والخدم عليهم الاعتناء بالمنزل . أما انا فلا شئ أعمله ... وسأضجر ...
- وهل يضجرك أن تراقبى سير العمل فى منزلى ؟؟
- لم أكن أعلم أن هذا ما يفترض بى أن أفعل .. فبعيد عن حاجز اللغة ، فالعناية بمنزلك تبدو ممتازة دون أن أتدخا .
- مارغريتا جوهرة .. ولكن حتى تتعلمى القليل من الاسبانية ، سأزودك بمترجم ، فأبن أخ مارغريتا أماندو يتكلم بعض الانجليزية ، وسأطلب منه القدوم لنجدتك .
- هذا سيساعد لكن النهار طويل .. فصمت للحظات ثم قال : - لقد جئت ببعض الكتب معى من الخارج .. وبعضها انجليزى .. وسوف أطلب وضعها على حدة .. ولكن ألا تخيطين ؟؟ أمى تقول أن هناك أشياء للتصليح . فردت بمرارة:..
- أعلم أن هذه قيود زمنية لى ... وماذا بعد ؟؟ - باستطاعتك أن تعتنى بنفسك .. اجعلى نفسك جميلة لعودتى الى المنزل الليلة. وأرسلت الفكرة لون الخجل الى وجنتيها والتوتر الى صوتها : - أخشى الا يكون هذا من عادتى .
- ألا ترين حاجة لأن تزينين نفسك لرجلك ؟ - بصراحة ..... لا
- هذا مؤسف ... ولكنك ستتعلمين .. وسيكون من دواعى سرورى أن أعلمك .
- لا تعتمد على هذا . واستدارت بحدة على عقبيها . وخرجت ، وهى تسمع ضحكته خلفها . وذهبت الى غرفة النوم وصفقت الباب ورائها .. ووجدت انها ترتجف ،، وهذا ما أزعجها أكثر .. عندما أرتها مارغريتا المنزل ، لاحظت وجود غرفة للخياطة ، وأكوام من القماش القطنى المطبع بالالوان الزاهية . وهى تعرف تماما مقياسها وصنعت بعض الملابس لها من قبل ومن المؤكد ان تستطيع بعض الاساسيات البسيطة ، العلمية ولكن غير الفاتنة. واختارت قماشا اصفر جميل ، ومدته على الارض ، ثم صنعت " باترون " للموديل الذى ترغب فيه وأخذت تقطع القماش بالمقص وهى تصر على اسنانها ، واستغرقت فى عملها الى أن سمعت دقا على الباب وأطلعت مارغريتا برأسها
- أى ...... سنيوريتا !!
فنظرت اليها متحدية :..
- هل هناك شئ ؟؟ فتنهدت مارغريتا وأشارت اليها أن أماندو قد وصل ، وتبعتها الى غرفة المكتبة ، خزانة خشبية كبيرة كانت تقف قرب الحائط ، والى جانبه صبى فى حوالى السادسة عشر . يدير قبعته بحياء بين أصابعه ،
وقال محييا :
- بوم ديا سنيورا ( مرحبا سيدتى ) الباترون أرسلنى لاتكلم عنك .
- أنا شاكرة لك أماندو ، ربما يمكنك تعليمى بعض الاسبانية . هل يمكن أن تطلب من عمتك أن تأتى لى بماكينة الخياطة ؟؟ وبدت مارغريتا غير مسرورة من الطلب فقد كان من سعادتها أن تصلح الثياب للسنيوريتا كما قال أماندو ،
- على السنيوريتا أن لا تزعج بمثل هذه الامور ومع هذا القماش الرخيص وردت باتريسيا عليها عن طريق أماندو انها تفضل موديلاتها الخاصة ، وأطاعت مارغريتا وهى تحتج.. وأخذت باتريسيا تفتش بين الكتب .. ولدهشتها وجدت كتبا لكتاب كلسيلكيين بالانجليزية ، أمثال ديكنز وهارى اضافة الى مجموعة من المؤلفات الحديثة ، لم تكن قد قرأت أى منها. وكان هناك بعض رفوف فارغة فى نهاية الغرفة ، فرتبت بعض الكتب عليها وابقت كتابا لتقرأه . وساعدها أماندو .. لغته الانجليزية كانت بدائية جدا ، ولكن بدرجة معينة من التصميم وأراءه الطيبة وجدت باتريسيا التخاطب بشكل معقول . وأكتشفت أن اله الخياطة هى اله يدوية قديمة ، فوضعت الخيوط بها وبدأت بالخياطة ، وهى تتبادل الحديث مع أماندو نبأ ايجاده عروسا وقرب زواجه كان قد انتشر فى كل المنطقة وكانه النار فى الهشيم .. وكل المقاطعة تستعد للاحتفال بالزفاف وأضاف أماندو وهو يبتسم .. وأحست باتريسيا بحرارة الخجل . وكانت تحاول تقرير طول فستانها عندما دخلت مارغريتا عاصفة الى الغرفة وبعد قليل أعاد أماندو ما كانت تقوله
- وجدوا رجلا فى الغابة ... ومجروح بشكل سئ ،، مريض جدا .. ربما يموت .. ويقول البارون أن نحضر له فراشا.
- هل هو أحد العمال ؟؟
- لا ..... غريب . - أوه ...... أحد " الغارانبيروز " ربما ؟؟ - ناو سنيوريتا ... سنيور دون خوليو لا ياتى به هنا ، على كل ... سأحميك . وانتفخ صدره .. فابتسمت باتريسيا ، وقالت بلطف - شكرا لك أماندو .. هذا ما يطمئننى . وأسرعت وراء مارغريتا تساعدها ، وكانت على وشك الانتهاء من ملس الغطاء الابيض عندما دخل خوليو الغرفة والمريض محمول خلفه على نقالة . - مريض جدا ويمكن أن يموت . لا يستطيع أحد الجدال فى هذا القول .. واحست برعب ممزوج بضعف وهى تراقب نقل الرجل من المحفة الى السرير وكان نحيلا الى درجة الهزال ، وقذرا ، وجرحه البشع ينز بالدم المتقيح عبر شعره المتلبد فى جانب راسه . وثيابه الممزقة تكشف عن تورمات فى زراعيه وساقيه . وهى تتقدم منه لتنظر عن قرب اليه ،
أمسكها خوليو من زراعها وقال أمرا :
- ارجعى الى الوراء ....... فلديه حمى . فسالته وهى ترتجف : - هل سيكون بخير ؟؟ - ربما .. اذهبى الان لا يمكنك فعل شئ هنا .. يجب أن أعرف نوع الحمى ونوع الاصابات
. - وهل ستعالجه ؟ ولكنك لست طبيبا ..
- أقرب طبيب هو فى سالتا .. مثل أقرب كاهن . وانا " الباترون " هنا وأعتنى بكل شئ اذهبى الان ارجوك
وأطاعته على مضض ... واستدارت لتنصرف وهى تنظر نظرة أخيرة ، وهى تفعل تحرك الرجل وتمتم بشئ . وللحظة وقفت باتريسيا جامدة تماما ، تتسائل ما اذا كان أحد غيرها قد سمع ما قال ، ولكن هذا مستحيل فخوليو كان يغسل يديه وأماندو يقف عند الباب ، بعيدا عن السمع . لذا كانت الوحيدة التى سمعت الرجل يتمتم " الانزال " وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب وراءها . واستندت اليه
- انه أمريكى أو انجليزى ..... يا الهى . واغمضت عينيها محاولة تذكر صورة دايفددودج ، وما اذا كانت تحمل أى تشابه مع بقايا الانسان المستلقى فى الغرفة ، انه تقريبا بنفس الطول ، وشعره يمكن أن يكون أشقر تحت كل هذا القذر والشحم
- يا الهى لا يمكن أن يكون هو ،، لقد كنت معتمدة عليه للهروب ..... وهزت كتفيها وتابعت سيرها على مضض الى غرفة الخياطة .... وكانت على وشك انهاء خياطة الفستان عندما دخل خوليو وجلس متعبا على الكرسى المقابل لها ... فسألته بقلق ظاهر
- كيف ....... كيف هو ؟؟
- انه بين يدى ربه ، انه فى غيبوبه.
- اذن لا فكرة لديك عمن هو ... وكيف وصل الى هذه الحالة ؟؟
- لدى عدة افكار ،، وعندما يستعيد وعيه سوف أطرح عليه بعض الاسئلة .
- اذا تظن أنه سيتحسن ؟؟
- لقد حصل على أفضل معالجة منى .. ومارغريتا ممرضة قادرة .
- بامكانى مساعدتها ..
- أشك فى أن تسمح لك .
- ولكننى راضية .
- ربما ، ولكن ما يهمها انك امرأة غير متزوجة وستصدم اذا رأتك تعتنين برجل غريب .. وانا أفضل أيضا أن تبقى بعيدة .
- قد تكون السيد الامر هنا .. والجميع يقفز لخدمتك ،، ولكننى لا أخذ الاوامر منك فانت لا تملكنى ...
- لم أملكك بعد .. ولكنها مسالة وقت قبل أن تقسمى على طاعتى لذا لماذا لا تتحضرى لهذا الامر بتعلم احترام رغباتى ؟؟
- لاننى أقسمت من قبل ..... أقسمت أن لا أدع أحد يتسلط على ابدا وتحركت عضله عند زاوية فمه وقال بصوت هائ وخطر :
- احفظى لسانك باتريسيا
. - لماذا ؟؟ ماذا تستطيع فعله لى ولم تفعله بعد ؟؟
- أنصحك بان لا تريدى المعرفة .
- أتهددنى ؟ لقد هددتنى بأسوء ما يمكن أن يحدث ... الزواج منك ، واعتقد أنك لم تستطيع ايجاد أى فتاة تقبل بك طوعا . ولم تقع فى الحب رأسا على عقب لتطلب يد أحد .. لا .... كان عليك أن تختطفنى ، وتجبرنى على أن أقبل بك بدل طلب فدية.. حسنا دعنى أقول لك .. أفضل دفع فدية أيا كانت ولا أ، أتزوجك .
- هذا أمر مؤسف لكلينا ولكنه لا يغير شئ يا باتروسا . مرة أحببت فتاة ، بكل ما استطيع وضعت حياتى تحت قدميها .. حياة ال لاكروزا .
- ورفضت كل هذا ؟؟ انه قصر نظر أن لا تريد أن تكون واحدة من ال دى لاكروزا. فرد عليها ببرود :.....
- ليس بالضبط يا عزيزتى .. لقد تزوجت شقيقى بدلا منى . ولهذا سوف أتاكد من عدم حصول نفس الغلطة مرة أخرى . وبينما جلست باتريسيا بصمت مطبق ، مذهول ، انحنى لها محييا ، وغادر الغرفة
أنت تقرأ
روايات احلام: جزيرة الذهب
Romantikكانت باتريسيا تشعر بالامتنان والجميل تجاه السيدة دودج لتخصيص جزء من ارثها لها مما دفع بارتسيا للتفكير بالتفتيش عن ابن أخيها (دايفد دودج) الذى قيل انه يبحث عن الذهب فى أدغال وغابات أمريكا الجنوبية وهناك تعرفت وبطريقة غريبة ووحشية الى خوليو ى لاكروزا ...