الفصل 8♡:"حنين الشوق"

789 65 7
                                    


في غرفتها المعتمة، جلست على سريرها، تحتضن وسادتها بينما تنهمر دموعها بصمت. لم تكن تبكي بسهولة، لكن هذه الليلة كانت مختلفة. لأول مرة منذ سنوات، سمحت لنفسها بالانهيار. كانت تحاول أن تكتم شهقاتها، تخشى أن تسمعها والدتها فتشعر بقلق أكبر عليها، لكنها لم تستطع السيطرة على مشاعرها أكثر من ذلك.

كانت الذكريات تنهال على عقلها بلا رحمة. الماضي الذي حاولت دفنه، عاد ليطفو على السطح ويثقل صدرها كجبل جاثم فوقها. لم يكن وداع الأصدقاء وحده ما يؤلمها، بل كان ذلك الجرح القديم الذي لم يلتئم قط.

عادت إلى ذلك اليوم المشؤوم، عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، يوم شاهدت والدها يُقتل أمام عينيها. المشهد محفور في عقلها كالنار، كأن الزمن توقف هناك ولم يتحرك بعدها. الدماء التي تناثرت على الأرض، على جسدها الصغير، على وجهها، على يديها المرتجفتين وهي تحاول أن تمسك بيده الدافئة التي أصبحت باردة في لحظة. لم تفهم في ذلك الوقت معنى الموت، لكن ما فهمته جيدًا هو الإحساس بالخسارة، بالخوف الذي يغرس مخالبه في قلبها، بالضعف الذي جعلها تدرك أنها لم تعد طفلة بعد ذلك اليوم.

ومنذ ذلك الحين، تعلمت ألا تبكي. كانت تخشى أن تعيدها دموعها إلى ذلك المشهد، أن تعيدها إلى إحساس العجز الذي شعرت به وهي تصرخ على والدها بلا جدوى. لكن الآن، كانت الدموع أقوى من إرادتها، كانت دموعًا مكبوتة لسنوات، واليوم، في هذه الليلة، لم تستطع منعها من التدفق.

لكن هذه المرة، لم تكن تبكي من أجل الماضي فقط، بل من أجل المستقبل أيضًا. لأنها بعد لحظات قليلة، ستفترق عن الجميع... عن والدتها، عن أصدقائها، عن المكان الذي بدأ فيه كل شيء. وستفترق عنه... عنه هو تحديدًا. الشخص الذي شغل عقلها أكثر من أي شيء آخر.

"هل يفكر بي كما أفكر فيه؟ هل يشعر بهذا الفراغ الذي يمزقني الآن؟ هل يحترق عقله بالتساؤلات كما يحترق عقلي؟"

قبل أن تتمادى أفكارها أكثر، قطع صوت والدتها من الأسفل تيار مشاعرها الجارف:
"يوناااا... عزيزتي، هيا انزلي، علينا الذهاب إلى المطار، طائرتك ستقلع بعد ساعتين!"

مسحت دموعها بسرعة، نظرت إلى انعكاس وجهها في المرآة، كان شاحبًا، متورم العينين، لكنها أجبرت نفسها على الابتسام، حتى لا تقلق والدتها أكثر. أخذت نفسًا عميقًا، رفعت حقيبتها، ثم نزلت الدرج بخطوات ثقيلة.

رحلتها إلى المطار كانت صامتة. والدتها كانت تحاول التحدث معها، لكن عقل يونا كان في مكان آخر. كانت تنظر من نافذة السيارة إلى الأضواء المتراقصة في الشوارع، لكنها لم تكن تراها حقًا، كانت ترى ذكرياتها تتلاشى خلفها، كأنها تودّع مدينة كاملة من الأحلام والمخاوف واللحظات الجميلة والمؤلمة.

عندما وصلت إلى المطار، لم يكن هناك مجال لمزيد من المشاعر. الإجراءات كانت سريعة، وبسرعة وجدت نفسها داخل الطائرة، مربوطة بمقعدها، تنتظر الإقلاع.

أَنَا لَكَ طَبْعَا|I'm Yours Of Course حيث تعيش القصص. اكتشف الآن