1. مطاردة

1.1K 17 1
                                    

عندما علمت أيلاين كوبر أن شقيق جدتها لأبيها أرمون سان فيران مريض جدا ويريد حضورها على الفور الى منزله الريفي في شامبورتن أون دوفاي بفرنسا , أتصلت بأدارة شركة الأستيراد اللندنية المعروفة التي تعمل فيها وأستطاعت الحصول على أجازة لمدة يوم واحد.
ثم أجرت مكالمة أخرى , حجزت خلالها مقعدا لها على أحدى الطائرات المتجهة الى باريس... وبعثت ببرقية الى مارجريت زوجة أرمون , تبلغها فيها عن موعد وصولها الى مطار شارل ديغول في العاشرة من صباح يوم الجمعة المقبل , أختارت أيلاين هذا اليوم بالذات لأنه يمنحها , بالأضافة الى الأجازة الأسبوعية المعتادة , ثلاثة أيام كاملة.
حطت الطائرة في الموعد المقرر لها , فأخذت حقيبتها وأجرت معاملاتها الضرورية في دائرة الجوازات ثم توجهت الى قاعة الخروج.
لم تجد أي أحد بأنتظارها , فجلست حوالي ربع ساعة ... لعل الشخص الذي يفترض به أستقبالها قد تأخر بسبب الأزدحام الخانق في حركة السير , وعندما تأكدت أن أحدا لن يأتي لملاقاتها قررت أستئجار سيارة وقيادتها بنفسها الى شامبورتن ,وما هي ألا عدة دقائق , حتى كانت أيلاين تنطلق من المطار بسيارة رينو صغيرة حمراء ... متجهة الى بعض أحياء باريس ومنها الى الطريق الرئيسة التي تمر عبر الريف الفرنسي الى مدن شارتر وتور وبواتيه وبعدها الى سهول أكويتان.
ولأنها تحب قيادة السيارات كثيرا وتعرف طريقها جيدا , فقد وصلت الى المدينة الأولى شارتر في وقت مبكر سمح لها بالتوقف بعض الوقت لتشرب فنجان من القهوة , أغرتها نفسها بزيارة القلعة التاريخية القريبة , ولكنها قررت متابعة سيرها كي تصل الى شامبورتن قبل الساعة الرابعة على أقل تقدير.

تجاوزت مدينة تور , فتوقفت لبضع دقائق أكلت خلالها قطعة من الحلوى وشربت كوبا من العصير البارد,وما أن أقتربت من بواتيه حتى بدأت الطريق تعج بسيارات النقل الصغيرة والشاحنات الكبيرة , دخلت تلك المدينة المبنية على تلة صخرية مرتفعة , والتي تشرف على نهرين صغيرين يرويان ذلك الحصن الطبيعي المنيع وأمتدت أمام عينيها السهول الخضراء الفسيحة .
تحولت أيلاين في منتصف المسافة بين بواتيه وأنجولام الى طرقات ريفية ضيقة ,تمر عبر قرى جميلة رائعة يزيد عمرها على مئات السنين , شاهدت قطعان الغنم والماعز ومعدات زراعية , وأبناء الريف الأقوياء يعملون بجد ونشاط وحيوية وعندما بدأت الطرقات بالأنحدار تدريجيا لتصبح بعد قليل على مستوى واحد مع نهر دوفاي
شعرت أيلاين بتلك السعادة التي تغمر الأنسان عادة عندما يرى أشياء مألوفة ومحببة لديه , ذكرتها الأشجار المنتصبة بين حافة الطريق وضفة النهر بأيام طفولتها المفعمة بالسرور , وبالمرات العديدة التي كانت تمر فيها من هنا بالذات مع جدتها ألانور سان فيران كوبر تلك السيدة الفرنسية الرائعة التي أهتمت بها كثيرا بعد وفاة والديها بحادث سيارة مفجع
دمعت عيناها فرحا وتأثرا , وهي تستعيد كلمح البصر ذكريات فصول الصيف الثمانية التي أمضتها مع جدتها الطيبة في ذلك القصر وأحضان الطبيعة الرائعة.
لم تعد تبعد عن شامبورتين سوى كيلومترات قليلة ,وصلت الآن الى عمق الريف الفرنسي الساحر ,حيث الهدوء والسكينة ... والشلل التام في حركة السيارات , عاد العمال من مصانعهم والمزارعون من حقولهم ,والموظفون من مؤسساتهم ,وبدت الطريق مقفرة ومهجورة تماما... بأستثناء سيارتها الحمراء الصغيرة و....
لاحظت للمرة الثامنة تقريبا , أن ثمة سيارة سيتروين رمادية اللون تلحق بها , لم تتضايق من وجود هذه السيارة وراءها قبل ذلك , وهي تخرج من منطقة باريس الى الطريق الرئيسية التي تربط العاصمة بالمدن الريفية , ففي فرنسا بضعة آلاف من سيارات السترواين التي تحمل هذا اللون , وقد لا تكون السيارة المنطلقة وراءها ذاتها التي تتعقبها منذ بعض الوقت ,ولكن الشكوك بدأت تراودها عندما وصلت الى بواتيه
لأن تلك السيارة لا تزال وراءها تلاحقها كظلها , كانت المسافة الفاصلة بينهما مدروسة بدقة على ما يبدو , لأن أيلاين لم تكن قادرة على قراءة رقم السيارة أو معرفة ما أذا كان سائقها رجلا أم أمرأة.
نظرت الى مرآة سيارتها من جديد , فأزداد توتر أعصابها وتسارعت ضربات قلبها , تأكد لها عندئذ ,وبعدما أفسحت المجال مرات عديدة دون جدوى لتلك السيارة القوية كي تتجاوزها , بأن السائق يعرفها ... ويجد لذة فائقة في أثارة أعصابها وتعذيبها بملاحقتها على هذا الشكل الرهيب .

روايات عبير/ احلام - أطياف بلا وجوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن