5. الصدمات تتوالى

337 10 0
                                    

جلست أيلاين الى المائدة الطويلة , في القاعة ذات السقف العالي , لتتناول طعامها على أنفراد , شعرت بأنها صغيرة ووحيدة جدا في تلك القاعة الضخمة , مع أن الطعام كالعادة كان شهيا للغاية وجاك يقف متأهبا لخدمتها والسهر على راحتها.
لماذا كل هذا التعب والأزعاج لأجل شخص واحد , بخاصة هي نفسها التي أعتادت على حياة بعيدا عن التكلف والشكليات ؟ ألم يكن بأمكانها مثلا أن تعد طعامها وتتناوله في المطبخ , كي يتمكن جاك وزوجته من الذهاب في وقت مبكر ؟ ولكن وظيفتهما تقضي بأعداد الطعام وتقديمه , وأن لم يفعلا ذلك.... فماذا سيفعلان؟
لا بأس أحيانا بقليل من الرفاهية والعظمة , ولكن الوقت الآن ليس مناسبا أبدا , فهي تحس بوحدة قاتلة وتشعر بأنها رهينة... رهينة حلم خيالي لرجل عجوز , ورهينة زواج من رجل لا يحبها , هل هذا هو هدفها في الحياة؟ هل هي حقا مسؤولة عن تحقيق حلم خالها أرمون؟
أخذ جاك صحنها الفارغ من أمامها , في الوقت الذي تحولت فيه أفكارها نحو بيار , هل يشعر هو أيضا بأنه رهينة , رهينة زواج من أمرأة لا يحبها ... رهينة طموحه وأحلامه؟ مسكين بيار... مسكينة أيلاين , فهما واقعان في شرك يصعب التخلص منه , أحست برغبة في البكاء ,ولكنها سمعت جاك يقول لها:
"سيدتي , وضعت لك صينية القهوة في قاعة المكتبة".
" شكرا يا جاك , يمكنك الذهاب وزوجتك الآن".
كادت تضحك بصوت عال, بسبب اللهجة الرسمية التي غلبت على كلامها , هكذا تتحدث سيدة القصر في القصص والروايات ... السيدة الحزينة , التي تتناول طعام العشاء وحدها , لأن زوجها ذهب في زيارة مبهمة , فتح جاك الباب بهدوء وقال لها بتهذيب ولضح:
" تصبحين على خير , يا سيدتي".
أبتسمت له , وقالت:
" تصبح على خير , يا جاك, أتمنى لكما مسرحية جيدة ووقتا ممتعا ".
ألقت نفسها على مقعدها المفضل , وراحت تحدق بأبريق القهوة وتفكر بالليلة السابقة , كان بيار جالسا معها , صحيح أنه لم يتحدث ألا نادرا , ولكنه كان هنا ...قربها , فهو الآن مع سولانج في أنجولام , فيما هي جالسة وحدها حزينة بائسة.
صبت فنجانا من القهوة وشربته دفعة واحدة, دون أضافة القطعتين المعتادتين من السكر... وذلك كي تساعدها المرارة الشديدة على الأستفاقة من ذهولها , أوه ,يا لهذا الصمت الرهيب الذي يغلفها من كل جانب! تبا لهذه الوحدة المؤلمة التي تشكل عبئا ثقيلا على كاهلها , وتغرقها في جو من الكآبة لم تعرف له مثيلا من قبل.
لم تعد قادرة على تحمل هذا الشعور الخانق , وأحست برغبة للتحدث مع ... مع أي أنسان يمكنه تفهم وضعها ومساعدتها على التخفيف من آلامها , هذا هو الوقت المناسب للأتصال بجيرالد ,لأبلاغه عن أضطرارها للحصول على أجازة طويلة , صبت فنجانا آخر من القهوة ثم حملته الى المكتب الخشبي الأنيق ,ووضعته قرب جهاز الهاتف , لتشربه أثناء أنتظارها المكالمة مع لندن , أتصلت بمركز الهاتف , وأعطت أحدى العاملات فيه رقم الهاتف في شقة جيرالد .
أوصلها المركز بعد دقائق معدودة بالرقم المطلوب , فوضعت فنجانها على الطاولة وأنتظرت سماع صوت جيرالد بين لحظة وأخرى , ولكن عاملة الهاتف الفرنسية نصحتها بعد فترة معينة بمحاولة الأتصال في وقت لاحق , لأن ما من أحد على ما يبدو سيرد على المكالمة الحالية , جيرالد أيضا موجود خارج بيته! لم لا؟ فيوم غد هو عطلة أسبوعية وهذه الليلة مخصصة للسهرات ! ربما ذهب لزيارة بعض الأصدقاء أو لحضور حفلة موسيقية , أو ربما يكون الآن مع أمرأة أخرى .... مثلما يفعل بيار!
حوّلت أيلاين أفكارها فجأة , وبصورة متعمدة , عن المسار الذي أنطلقت فيه ... رأفة بقلبها وبمشاعرها , طلبت من موظفة الهاتف رقما آخر في لندن
وما هي ألا دقائق قليلة حتى أجري الأتصال بشقة أبن عمها تشارلز وسمعت بأرتياح صوتا ناعما يقول:
" جيني كوبر".
" مرحبا, يا جيني , هل تعرفين من يتحدث معك؟".
" أوه, أيلاين , كيف حالك أيتها الحبيبة ؟ وكيف حال الخال أرمون؟".
" أنا بخير , والحمد لله ,ولكن الخال أرمون ليس على ما يرام , أعتقد أنه لن يتمكن من مقاومة المرض والشيخوخة فترة طويلة ".
" آسفة لسماع ذلك... فهو رجل طيب للغاية".
" جيني , لن أتمكن من العودة في الوقت الراهن , وعدت بالبقاء حتى النهاية ... وهي لن تطول كثيرا على ما أعتقد , أنت تتفهمين الوضع على حقيقته ,أليس كذلك؟".
" طبعا , يا حبيبتي , سأنقل رسالتك الى تشارلز , ليبلغهم في المكتب أنك لن تحضري الى العمل صباح الأثنين".
" شكرا , حاولت الأتصال بجيرالد لأبلاغه المعلومات ذاتها , ولكنه لم يكن في شقته ".
" صحيح , فقد أخذ أجازة لبضعة أيام وذهب في رحلة بحرية , أعتقد أنه أتخذ قراره بصورة مفاجئة , وفي اللحظة الأخيرة , قال أنه قد يذهب الى فرنسا ,ولكنني لا أعرف ما أذا كانت لوسي ستوافقه على هذا الرأي".
هل بدأ جيرالد يغازل لوسي , شقيقة جيني الصغرى, التي تكبرها بعام واحد؟ تمتمت أيلاين ببضع كلمات عادية تعليقا على كلام جيني , فمضت الأخرى الى القول:
" أتصور أنهما قررا القيام بهذه الرحلة البحرية , لأن الطقس رائع للغاية ,كيف حال الطقس عندكم؟".
" حار وجاف جدا".

روايات عبير/ احلام - أطياف بلا وجوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن