4. الأرث .... والحل الوحيد

340 10 0
                                    

4_ الأرث .... والحل الوحيد

يا له من جو شاعري حالم! خرير المياه , زقزقة العصافير , تموّج الظلال و.... وجودها بين ذراعيه القويتين! نسيت أمتعاضها وكرهها له , وتخيلت نفسها فجأة بطلة أحدى قصص الفروسية والغرام, أنقذها الفارس الشجاع من النهر الذي كان يتحول الى قبر, وها هو الآن ينطلق بها على صهوة حصانه الى القصر .... حيث ستكافئه على حسن صنيعه.
ولكن قوة تنفس منقذها الوسيم جعلتها تفيق من أحلام اليقظة , وتنتبه الى أن الطريق لم تعد مستوية , هل ستجرح شعوره وكبرياءه أذا أقترحت عليه النزول عن دراجته والسير مسافة قصيرة لحين عبورهما هذا المرتفع الصغير؟ سيعتبر كلامها تحديا لرجولته وقوته ,و.... لقد تأخرت كعادتها في أتخاذ القرار المناسب , أذ تجاوزا مراحل الصعود وتحولت الطريق الى الأنحدار.
كبح بيار الدراجة فجأة, فأرتجّت بين ساعديه وصدره ,وشعرت بأنحباس أنفاسها , سألته عنا حدث
فأجابها بهدوء:
" كنا ننطلق بسرعة كبيرة , كادت تشكل بعض الخطر علينا".
" هل أشكل عبئا ثقيلا على الدراجة؟".
" أنت؟ لا يا عزيزتي , فأنت خفيفة كالريشة".
لم تعلق على جملته , فبدأ يدندن لحنا حزينا تصورت أنه مألوف لديها الى حد , سألته عن النغم الذي يردده , فقال:
"أنها أغنية قديمة تتحدث عن نبع صاف , تذكرتها عندما شاهدتك قرب النهر".
هل يعقل أن يكون هذا الرجل القاسي , رقيق القلب والمشاعر أحيانا؟ دفعها الفضول الى معرفة المزيد عن هذه الأغنية.... وعنه
فقالت له:
" أخبرني كلماتها من فضلك".
"المقطع الأول فقط , عندما ستسمعين كلماته , ستعرفين لماذا تذكرت الأغنية".
ردد لها الكلمات بهدوء , فأحست أيلاين أن ما من ترجمة لها ستعطيها حقها وتحافظ على رقتها وجمالها ,ومع أنها ليست ضليعة في أي من اللغتين , ألا أن المعنى الحقيقي لهذا الشعر العذب لم يفتها أطلاقا, أبتسمت ضمنا , وهي تفسر الكلمات الحلوة لنفسها:
" عندما كنت واقفا قرب النبع الصافي , شعرت بأغراء الماء الذي لا يقاوم , لبيت الدعوة صاغرا مسرورا , ونزلت اليه لأسبح".
لاحظ بيار أنها تحاول التمعن بكلمات الأغنية
فسألها:
" هل وجدت مطلع الأغنية ملائما لما حدث؟".
" نعم , أعتقد ذلك , هل تذكر مقاطع أخرى من الأغنية؟".
" نعم , ولكنها ليست عن الماء أو السباحة".
" عما تتحدث أذن".
" عن حب مضى , يقول آخر بيت في الأغنية( أحببتك منذ زمن طويل, ولن أنساك أبدا)".
أغرورقت عيناها بالدموع , فلم تعد ترى أي شيء بوضوح , الأشجار , النهر , الطريق ,أصبحت كلها صورة مشوهة , ملطخة.... وحزينة , لو أنه يعني هذه الكلمات التي يغنيها لها الآن! لو أنه على الأقل كتبها في تلك الرسالة ,التي طالبها فيها بالعودة , لكانت عادت اليه على جناح السرعة! لو أنه يحبها .... ولكنه لم ولن يحبها أبدا, لقد أحب دائما أمرأة أسمها سولانج.... ولا يزال ...وسيظل يحبها حتى آخر يوم في حياته
قالت له بصوت منخفض:
" أغنية جميلة ,ولكنها حزينة".
" أنها حقا حزينة , ولكن الندم بأستمرار على علاقة حب مضت وأنتهت , من شأنه أدخال الحزن والأسى الى قلب الأنسان.... وأضاعة وقته وهدر طاقته".
" وأنت لن تقبل بحدوث أمر كهذا , أليس كذلك؟".
" طبعا لا! فأنا رجل عملي , وأؤمن بضرورة أتخاذ الأجراءات اللازمة لمواجهة مثل هذه المشاكل".
ولكنه لم يتخذ أي أجراءات , عندما تركته قبل حوالي تسعة أشهر , أذن , فهو يشير الى علاقته مع سولانج , فما أن ظهر حبه القديم , حتى سارع الى أتخاذ الخطوات الضرورية ... عوضا عن أضاعة وقته وطاقته في الندم على قرار الزواج , ويبدو أن قسم الأخلاص والوفاء لها مدى الحياة , لم يكن يعني له أي شيء على الأطلاق.
ومع ذلك , فقد ذكرت أمه هذا الصباح أنه حزين , لماذا؟ أي شيء يحزنه أذن, أن لم يكن نادما على فقدان حبه القديم؟ عقدت أيلاين جبينها فجأة , وهي تتذكر كلام بيار عن الليلة التي أمضاها في باريس ... وكيفية ملاحقته لها دون أقدامه على محاولة تجاوزها وأيقافها , لو لم تنزلق سيارتها الى تلك القناة , لما كان حذرها من موقف خالها أتجاهها ... وكانتى ستعود الى لندن وقد حرمت من الأرث بسبب رفضها المصالحة مع زوجها.
ألا يثبت ذلك كله أن حزنه ناجم عن حضورها الى شامبورتن؟ لا يريد عودتها , ولكنه لا يوافق على الطلاق , لماذا؟ الجواب بسيط للغاية , ومزعج الى درجة مذهلة , فهو يحاول أبعادها الى لندن كي تخلو الساحة مع حبيبته ,ويعارض الطلاق كيلا تفوته فرصة المشاركة في وراثة شامبورتن.

روايات عبير/ احلام - أطياف بلا وجوهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن