الفصل الحادي عشر

24 8 0
                                    

لم يكُن مسموحًا بزيارة السجناء مع اقتراب قدوم احتفالات الربيع التي يقوم بها سكان الجزيرة خلال كل عام، أو ما يُعرف خارج الجزيرة بِعيد الألوان، ولاحظتُ ذلك بعد محاولات عديدة مني لرؤية سليم، ففي كل مرة كنت أذهب إلى إحدى زنزانات القصر الموجود به، كان يمنعني الجنود من رؤيته!

بقيتُ في موضعي وقتًا طويلًا أمام بوابة القصر أراقب ما يحدث، مُحاولًا التفكير في طريقةٍ ما لعبور السور الصخري المحيط بالقصر من الخارج! انتظرت حتى جنح الليل ثم بدأتُ أتسلق سور القصر مرتقيًا إلى حيث ما يقابل زنزانة سليم، وتمسكتُ بأحد القضبان المعدنية الموازية لزنزانته، ثم بدأت أهمِس قائلًا: سليم.. سليم!

لاحظتُ وجود ظِلًا لأحد الجنود يقترب مني، فأسرعت بالنزول واختبئتُ خلف إحدى الشجيرات الجافة المنتشرة خارج القصر، ثم وقف الجندي لبرهةٍ، وبدأ بفحص المكان بعد أن شعر بوجودي..

أدركتُ حجم المخاطر المتمثلة في ما أقوم به وعلمت أن ما أفعله قد يشكل خطرًا كبيرًا لم أكن ألحظه! رُبما لو استطاع الجندي أن يراني عند محاولتي لتسلق السور كان سيتم القبض عليّ ويتم سَجني فورًا، حينها سيكون إعدام سليم أمر مؤكد لا محالة! لعدم إيجادي لأي دليل قاطع يُثبت براءته، ورُبما ستكون عقوبتي أخفّ منه بقليل!
انتظرتُ إلى حين شروق الشمس ثم عُدت إلى الحانة، وما إن دلفت إلى داخلها حتـى تفاجئ بعض العمال الموجودين بها بقدومي، ثم تقدم صاحب الحانة من خلف العمال وقال: عُدتَّ مجددًا!

أومأت له برأسي دون أن أتفوه بأي كلمة، ثم أضاف: لماذا قتل صديقك تلك الفتاة؟

- سليم لم يكُن الفاعل!

رفع حاجبه في تعجب قائلًا: كيف ذلك!

أشَرتُ إلى المقهى الذي كنا نجلس به وقلت: جلسنا أنا وسليم في ذلك المقهى بتلك الليلة بعد انتهائِنا من العمل كما تعلم، كُنّا نتحدث عن أمرٍ ما معًا وفوجئنا بصوت صراخ لامرأة آتٍ من إحدى غُرف المطعم الذي حدثت به الواقعة، ثم اندفع كل من بالمقهى وبدأوا باللحاق بصوت الصراخ، وسبقَنا سليم ودلف إلى داخل الغرفة قبل أن نصل.. وجد تلك الفتاة مُلقاة على الأرض، فاقدة للوعي بعد أن تم طعنها، ثم حاول الذهاب بها إلى أي طبيب؛ ليقوم بإنقاذها، حتـى فوجئنا بكل من كان في الغرفة يُمطره باللكمات والركلات! انشغل الجميع بضربه بدلًا من إنقاذها على الرغم من أنه لم يكن الفاعل! حاوَلتُ أن أخبرهم بأنه لم يكُن هو من فعل ذلك.. وقتها كان قد عَمَّ الضجيج والزحام بالمكان ولم يلتفت إليّ أحد، قبل أن يأتِ الجنود ويقومون بالقبض عليه، ومن ثمَّ اعتقاله!
قاطع حديثنا أحد عمال الحانة الذين كنت قد عملتُ بجانبه سابقًا.. يُدعى (شاكر) والذي قال: أرى أن ما يقوله يبدو مُقنعًا، هما لم يُكملا الشهرين هنا ولم نرَ أحدهم في أي مكان من قبل سوى في الحانة أو في ذلك المقهى، ونحن كنا قد اعتدنا أن نراهما يقومان بفعل كل شيء معًا، عدا تلك الواقعة وجدنا سليم فقط هو من كان بالغرفة وقتها! إن كان سليم هو من فعلها حقًا فكان سيفكر بالهروب قبل أن نلحق به، أو كان سيختبئ بيننا أثناء الزحام! لم يفكر أحد منّا قليلًا بأنه لو كان هو من ارتكب ذلك الجُرم.. لم يكن ليحاول إنقاذها قطعًا.

مانتينيا -رواية ورقية-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن