الفصل الثاني

92 12 0
                                    

"مانتينيا"

''چودي''

كان صياح الصيادين لبعضهم البعض على شاطئ النهر المقابل لشرفة غرفتي العلوية صاخبًا للغاية ذلك الصباح، كعادتهم اليومية يحتفلون معًا إن قاموا باصطياد أعداد كبيرة من الأسماك دفعة واحدة في وقتٍ واحد، حتـى أنني اعتدت على صراخهم، وصار بالنسبة لي حدثًا ثابتًا.

أستيقظ كل يومٍ على صوت احتفالهم أو صراخ أحدهم، وأخرجُ إلى الشرفة؛ لأشير إلى أبي كي أحييه أثناء احتفاله.

لطالما كان يتمنى أبي سابقًا لو أنجبني ولدًا؛ كي أساعده في أعمال الصيد، لم يكن يعلم أنني سأفعل ما لم يستطع أن يفعله هو أو أي شاب آخر في بلدتنا بمرور السنوات. تذكرتُ كلماته عندما كان يتحدث مع أصدقائه عن كنز كبير يُسمى ''كنز مانتينيا''، فتمنيت وقتها لو كنت أستطيع أن أجد ذلك الكنز؛ كي أُثبت له أن ندمه على إنجابه لفتاة كان وسيظل بلا فائدة، قرأت الكثير عنه، ووضعتُ بداخلي أملًا أنني سأجده بإحدى الأيام مستقبلًا، كنت أعلم أن عدم استطاعتي على إيجاده لن تضرني بأي شيء، لكن ثقتي كانت تزداد أكثر يومًا تلو الآخر.

مانتينيا هي مدينتنا التي أسكن بها، أرقى المدن السبعة لإقليم الهضاب الحمراء، وأكثرهم اكتظاظًا بالسكان
نعلم جميعًا هنا أن السبب هو مناخها المعتدل، وأرضها الخصبة، والتي تختلف عن باقي أرضنا الصحراوية والصخرية، وأيضًا بسبب (نهر راياتيا) الذي يشق أرضنا إلى نصفين شرقًا وغربًا، بدءً من مدينة راياتيا في الشمال، وحتى بحيرة (لونار) جنوبًا، قرأتُ ذات مرة في أحد كُتب أبي أن اقليمنا يشتهر بكثرة كنوزه الموجودة في الكثير من مناطقه، وأكثرها في مدينة مانتينيا التي نعيش بها، ويوجد بها أيضًا أكبر كُنوزها ثروةً في أحد أنفاق جبالها، فأدركتُ أن ذلك هو الكنز الذي كان يقصده أبي عندما يتحدث مع أصدقائه.

وفي إحدى ليالي الشتاء كان يجلس أبي أمام موقد النار؛ ليشعر بالدفء ويهرب من البرد القارص في تلك الليلة، ويقرأ في أحد كُتبه، تقدمت إليه، وجلست بجانبه ممسكةً كتاب آخر أيضًا، ثم بدأت في التحدث معه قائلة: أبي، هل تسمح لي أن أتحدث معك في أمر ما؟
التفت إليّ، ورد مبتسمًا: بكُل تأكيد يا ابنتي، تفضلي.
- قرأت في إحدى كتبك عن كنزٍ ما يُسمى كنز مانتينيا، هل يمكنك أن تُخبرني بالمزيد عنه؟
- إنها قصة طويلة، ولكن سأحاول أن أختصرها لكِ في بضعة نقاط قليلة..

طال صمته لثوانٍ قليلة قبل أن يقول: مُنذ أكثر من قرنين تقريبًا، اشتعلت الحروب بين إقليمنا إقليم الهضاب الحمراء وبين إقليم آخر يُسمى (رانسي)، واستمرت إلى أكثر من ثمانين عامًا، يشتهر اقليمنا مُنذ آلاف السنين بوجود الذهب في كثير من أراضيه، وبالتأكيد أثار ذلك طمع حكام بعض الأقاليم المجاورة؛ لاحتلال أرضنا، ونهب خيرات بلادنا.

اضطر حكامنا إلى استخراج كميات كبيرة من الذهب، ودفنها في أماكن عديدة حتى لا يتمكن حكام البلاد الأخرى من إيجادها، ولكن ما كُنا نخشاه قد حدث.
كان يعلم الأماكن المُخبَئ بها الذهب هو حاكمنا وقتها، وبعض من حاشيته فقط، وتُوفي جميعهم في الحرب الشهيرة بين الإقليمين. استمرت الحرب تلك إلى أكثر من ثمانين عامًا كما أخبرتكِ، بلغ عدد الضحايا إلى الآلاف من سكان الإقليمين، واستطاع فيها حكام إقليم (رانسي) أن يحتلوا بلادنا، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يعرف مكان الذهب المُخبئ، ولم يجدوا سوى كميات قليلة فقط. نشبت صراعات كثيرة بين سُكان إقليم (رانسي) وسكان اقليمنا استمرت طوال الأعوام الثمانين قبل أن يستطيع أحد جنود إقليمنا وقتها، ومعه مجموعة أخرى من الجنود أيضًا، أن ينتصروا على حُكام إقليم رانسي، واستطاعوا أن يضموا الإقليمين معًا، كان إقليمنا قديمًا به ثلاثة مدن فقط هي: راياتيا ومانتينيا، و مدينة أخرى تسمى (تاليا) وبعد ضم الإقليمين معًا أصبح به سبعة مدن.

مانتينيا -رواية ورقية-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن