الفصل العاشر

24 8 0
                                    


اليوم الثاني في ميكونوس.. بدأ اليوم الأول لنا أنا وحمزة في العمل، وقد كانت الكيفية مشابهةً لِما اعتدنا عليه إلى حدٍ ما، غير أن الأماكن قد اختلفتْ، وكذلك الزُملاء! كان الجو العام هادئًا وعاديًا إلى حد كبير، يتخلله بعض المشاحناتِ بين بعضِ الرجالِ السُكارى الجالسين في إحدى المقاهي أمام الحانة بين الحين والآخر، كان الأجرُ مُرضِيًا، وكانت الحياة روتينيةً للغاية؛ إذ ينتهي كل منا من العمل ونعود إلى منزل قريب من الحانة، و نقرأ قليلًا، ثم ننام لليومِ التالي.

بدأت قواي تتلاشى قليلًا بعد حمل الكثير من صناديق الأطعمة طوال اليوم، ونقلها من المخزن إلى عربات خشبية ضخمة تجرها أزواج من الأحصنة تقف أمام الحانة؛ ليقوم بعض العمال بتوزيعها داخل أنحاء الجزيرة.. وقفتُ بعيدًا بعد أن بدأت تتساقط قطرات العرق من على جبيني، ثم لاحظ حمزة ذلك وقال: ماذا بك، هل تعبت؟

-إلى حدٍ ما.. قليلًا.
-من الطبيعي ذلك، يحتاج هذا العمل إلى رجال أقوياء، مثلي!

التفتُّ إليه بعدما انقلبت أسارير وجهي، وقلت: ماذا تقصد؟!

تابع استفزازه لي قائلًا: كما فهمت.. لا تؤثر مشقة هذا العمل عليّ، أنا أقوى رجل في هذا العالم!

قاطعه صاحب الحانة بعد أن مر من أمام باب الغرفة التي كنا بها قائلًا: نعم، في السير وراء الفتيات!

ضحكنا سويًا، ثم قلت لصاحب الحانة ضاحكًا: وكيف عرفت؟!

قال: رأيتُه عندما كان يخرج ويقف أمام الحانة، لا يتوقف عن العبث ومضايقة الفتيات المتجولات في السوق.

نظر إليّ حمزة ثم تمتم بكلمات غير مسموعة قائلًا: لا، لم أفعل ذلك!
قلت مازحًا: أشك في ذلك، كنت تفعل نفس الشيء في مانتينيا أيضًا!
لم يستطع إخفاء ابتسامته وقال: صدقني ذلك لم يحدث، كنت أمزح مع الأطفال بالخارج فحسب!
قاطَعنا صاحب الحانة أثناء مزاحنا قائلًا: في مثل هذه الأيام السيئة التي نمر بها، جميلٌ أن تجد شخصًا حقيقيًا، مناسب لك، صادق.. مثلكما.

قلت: معك حق، في مثل هذه الأيام يكفي أنه معي، وأن صوته لا يُغادر أيامي، بالرغم من هذا التعب الذي نعيشهُ، وبالرغم من الخوف الذي يحتلني.. وجود حمزة هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يُطمأني، وجوده فقط!
رد حمزة: أنا هنا حين تخذلك الشوارع والطرقات، وحين تفتقد القدرة على فهم الأشياء من حولك، وتغدو بلا وجهة أو اتجاه واضح! تلك البهجة التي أراها على وجهك سبب كافٍ لأن أُصبح سعيدًا جدًا يا صديقي، سأظل دائمًا هكذا.. وبالقرب منك إلى الأبد.
قال صاحب الحانة قبل أن يتركنا ويذهب؛ ليشرف على باقي العمال: حسنًا.. عليّ أن أذهب الآن، تقومان بعمل رائع سويًا، استمرا في هذا.. أراكما لاحقًا.
                                    ****
"حمزة"                                          
مرت أيام أخرى كثيرة، تزايد خلالها عدد سكان الجزيرة أكثر وأكثر بصورة لم أكن أتوقعها! استعدادًا للاحتفال بقدوم الربيع بإلقاء المساحيق والألوان على بعضهم البعض، كما هو الحال دائمًا قبل بداية فصل الربيع من كل عام.
كنا نجلس أنا وسليم في أحد المقاهي ليلًا بعد أن انتهى كل منا من عمله، في يومٍ حافلٍ بالتعب، هكذا اعتدنا أن نفعل مؤخرًا، وبدون أي مقدمات تفاجأت به ينظر إليّ ويقول: علينا أن نجد الكنز أولًا!
ظهرت علامات الدهشة على وجهي! وقلت: ماذا تقصد؟!
قال: علينا أن نجد الكنز قبل چودي ومسك!
ازدادت دهشتي مما سمعت وقلت له: ماذا حدث؟! لِمَ يجب أن نفعل ذلك!

مانتينيا -رواية ورقية-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن