أراد عملا قصيرا ونضيفا بناء على توصيات أمه وله دخل مقبول ليشارك به في نفقات دراسته الجامعية المتعثرة بسبب انقطاعه عنها ليعمل في أعمال تكسبه شيئا من المال الذي يحتاجه لدفع الأقساط الدراسية ، فتوسط له العم موسى ليعمل في محل الزهور الذي يقع ضمن المجمع التجاري داخل الفندق الفخم الذي يعمل حارسا ليليا فيه ، وقُبل في العمل نظرا لطلته الجميلة ، وهندامه المرتب النظيف .
ومن يومها بات فتى الزهور ، الذي يوصل الزهور إلى من يطلبها بالهاتف ، أو لمن ترسل إليهم في مناسباتهم وأعيادهم ، يقرع جرس البيت أو الشركة ، يقدم الزهور ، فتتناولها الأيدي بين نظرات الدهشة والسعادة ، تُقرأ البطاقات ، ثم تدس في جيبه إكرامية ما ، يشكر مقدمها أو مقدمتها مبتسما ، ثم يغادر على عجل ، لينطلق في مهمة إرسال زهور أخرى .
يعترف بأنه لا يحب الزهور ، ونظرا لفقره وارتفاع ثمنها ، فإنه مجبر على أن يظل غير محب لها ، ولكنه يجد نفسه على حين غرة معجبا بالزهور ، متقنا للغتها ، فاكا لأبجدية لغتها ، يعرف اسم كل زهرة ، ويدرك معنى كل لون ، يستطيع أن ينسق الألوان والأشكال وفق المناسبة وبناء على طبيعة العلاقة ، ثم يحملها ، وينطلق بها .
يشعر بلذة كبيرة لا يعرفها إلا من أتقن قراءة الوجوه ، وفك معاني النظرات والخلجات ، عندما يراقب ردود أفعال الناس تجاه الزهور المهداة إليهم ، يداعب الغرور قلبه ، عندما ترتسم ابتسامة على ثغر المتلقي أو المتلقية ، وتداعب الأنامل الزهور مداعبة استقبال وإكرام ، يشعر عندها بأنه ملك الزهور التي يحسن اختيارها ، كما يحسن تلقينها الكلمات التي عليها أن تقولها .