واشتعل الغضب في جسدي فجأة ، لكني لم أتحرك ، وزفرت في حنق واتجهت إلى الجهة البعيدة من العربة وأنا أترقب خروجها ، في أي محطة قبل أن أصرخ في وجهها . ولكنها انتظرت ، وانتظرت .
ولم يتبق سوى محطتين فقط على مغادرتي والجميع يتهامسون ويتلامزون من حولها .
وفجأة دخلت إلى العربة سيدة عجوز قصيرة ترتدي عباءة سوداء بسيطة وعلى وجهها علامات الذل والانكسار شدت انتباهي وهي تحمل كيسا تضع فيه عدة أدوية .
وبدأت تستعطف الراكبين بكلماتها الذليلة . ولم ينتبه إليها أحد على الرغم من شكواها بأن ابنتها مصابة بالسرطان فقد كانت الأنظار كلها متوجهة إلى تلك الفتاة فأخرجت مبلغا بسيطا لأعطيها إياه حتى أثبت أن هناك من يسمعها ، ويحاول أن يساعدها . حتى إنها لاحظت علامات الضيق على وجهي ورفعت يديها تدعو لي ، فابتسمت بالرغم عني وأنا أمسك يديها وأنزلها إلى جوارها متمتما بكلمات غير مسموعة ، فنظرت إلي في امتنان وأكملت طريقها داخل العربة تستعطف القلوب التي امتلأت بالغريزة وهم يحفرون صورة ذلك الجسد في أذهانهم . وأنا أراقب العجوز في صمت حتى وصلت إلى نهاية العربة لتحاول أن تأخذ شيئا من تلك الفتاة ، حتى مدت الفتاة يدها في حقيبتها الصغيرة لتخرج بعض النقود في يدها ، وتستدير إلى السيدة العجوز لترتسم عليها أقصى درجات الدهشة وهي تحدق في السيدة .
وساد الصمت في العربة بشكل غريب .
حتى سمع الجميع تلك الفتاة وهي تهتف بكلمة واحدة .
- أمي ؟!!
لترفع السيدة يدها وتنهال على الفتاة بصفعة مدوية ، رجت فؤادها وفؤاد كل الحاضرين .