الفصل الأول : ساحرة المقبرة الجزء الأول

8 1 0
                                    

بينما كان معظم الناس و إن لم يكن جميعهم غارقون في النوم كالموتى في بيوتهم و على اسِرتهم المريحة ، في تمام الساعة الثالثة صباحا ، كان هناك أربعة شبان وهم : محمد ، على ،عمر ، سالم يتسابقون بتهور و صخب بسياراتهم وهم في طريقهم للعودة إلى البلدة من رحلتهم الطويلة و المتعبة في البرية التى دامت لأكثر من أسبوع ،
و بينما هم يسيرون وسط البلدة في الطريق الرئيسي للشارع المعروف بشارع المقبرة ، وذلك لأن الشارع به طريق رئيسي طويل و يوجد في وسط هذا الشارع مقبرة كبيرة قديمة ، أنشئت منذ عدة قرون مضت ، و لازل الناس يدفنون فيها موتاهم ، فبعد أن مرو بهذا الشارع رأو شخصا ما يتحرك ، بدا و كأنه يحاول الدخول للمقبرة في البداية ظنو أنهم يتخيلون الأمر و أنها مجرد هلوسة و خيال ، وذلك لأنهم كانو متعبين جدا و أعينهم منهكة و ناعسة ، ولكن كيف لهم أن يتخيلو الأمر هم الأربعة معا !؟
إنه لأمر غير ممكن أن يتخيل أربعة أشخاص نفس الشي في ذات الوقت أليس كذلك ؟ اذا ليس لنا الا أن نستنتج أن ما رأوه ليس بهلوسات و إنما هي حقيقة محضة ..
فزعو و إرتعبو عند إدراكهم أن الظل الذي راؤه يتحرك بإتجاه المقبرة ليس وهما بل انه حقيقة انه إنس او جن لا أدري ولكنه لم يكن من وحي الخيال ،
و كما تعرفون فأحيانا ما يصاحب الشعور بالفزع و الخوف تدفق الادرينالين في الشرايين، مما يجعل للمرء شجاعة وقوة مفرطة لم يكن يملكها من قبل ، ضجاعة تجعله يفعل كل الأمور التي هو غير قادر على فعلها و قوة جسدية مما تمكنه من تجاوز المواقف الخطرة و الهرب من الخطر بتلك القوة التى تسري في جسده بمجرد تدفق الأدرينالين ، و هذا ما حدث مع علي و محمد بالذات فقد إرتفع الأدرينالين عندهم و إشتعلت أجسادهم بالحماس ، لذا فقد نزلو من سيارتهم لتفقد المكان عن قرب و البحث عند الكائن الذي رأوه ومعرفة ما يجري داخل أسوار المقبرة القديمة هذه ، بينما قرر سالم و عمر عدم الإنضمام لهم و إكمال طريقهم و العودة للمنزل معتذرين بحجة التعب ، و لكنني أظن أنه الخوف و الفزع وليس التعب ، و لكن من يلومهم !

حمل علي بندقيته التى كانت في سيارته و التى كان يستخدمها لإصطياد و إصابة الأرانب و الذئاب في البرية، و انضم الى محمد و بدؤو بالمشي ببطء تجاه مدخل المقبرة ، شغل محمد مصباح هاتفه ليرو المكان حولهم بوضوح و همو بالتقدم للداخل ، ولأنها كانت مقبرة كبيرة و تضم العديد من المقابر ، لذا لم يعرفو من أين يبدأون البحث ، و لكن لم يمر الكثير من الوقت حتي وجدو ظالتهم ، فإذا بهم يرون ظلا واضحا و يبدو و كأنها إمرأة مسنة منحنية بالقرب من احد القبور كأنما تحتضنه ،ولكنها في الواقع تغرس في قلبه ضربات متتالية من المجرفة الصغيرة التى كانت تحملها في يدها ، فقد كانت توجه ضربات قوية من المجرفة في باطن القبر و ثم تستخدمها للحفر بها و إزالة التراب الذي بداخله القبر ، تجمد علي و محمد في مكانهم بدون حراك عند رؤيتهم لتلك العجوز ثم تراجعو ببطء للوراء لكي لا تراهم و ينكشف أمرهم ، ولكنها شعرت بوجودهم خلفها و الفضل يعود لمحمد و طريقة سيره المتعرجة التي أحدثث بعض الضجة ، فإلتفتت بسرعة فائقة و أشاحت بنظرها إليهم ، كانت هيئتها مخيفة جدا ، فقد كانت عجوزا في الثمانين ربما ، قصيرة القامة ، متوسطة الوزن ، ذات عيون جاحظة وملامح عبوسة و وجه ذابل مليئ بالتجاعيد ، رمقتهم بنظرة باردة شريرة ، ثم نهضت من مكانها بسرعة و بدأت بالركض هربا منهم كي لا يمسكو بها أو يتعرفو عليها ، فقام غلي و محمد بملاحقتها و الركض خلفها، لكنها قطعت مسافة لا باس بها و بسرعة قصوى ، ففي تلك الثواني القليلة استطاعت أن تسبقهم و ان تبتعد عنهم قدر تلك المسافة ، كما لو انها تحولت فجأة لفرس ،إستغرب علي و محمد من قدرتها في الركض بهذه السرعة ، و وقف علي ليلتقط أنفاسه قليلا بينما إستمر محمد باللحاق بها ، ثم تذكر أنه يحمل بندقيته معه فتابع الركض ورائهم ، و عندما إقترب منها قليلا صوب عليها ثم بدأ بإطلاق وابل من الرصاص عليها ، و لكنها إستطاعت تجنبها كلها بحركاتها السريعة ، إلا رصاصة واحدة قد إخترقتها و إستقرت في ساقها ، إبتسم علي و شعر بالنصر لوهلة و كان يتوقع أن تتوقف أو أن تسقط مغشية عليها بعد تلك الإصابة ، و لكنها فجأتهم بإختفاها التام ، بالرغم من وجود تلك الرصاصة التى أصابت ساقها ، الا انها لم تتأثر و في النهاية لقد إختفت بلمح البصر ، إستمر علي بإطلاق النار حتى بعد أن اختفت ولم يتوقف إلا ان نفذت دخيرته،
ويبدو ان تدفق الأدرينالين قد توقف عند علي و محمد وبدأت الأفكار المخيفة تراودهم بينما هم في هذا المكان المظلم الموحش المليئ بالأرواح الميته ، فخرج محمد و علي من تلك المقبرة بأقصى سرعة و توجهو إلى منازلهم وهم مرتعبون غير فاهمين لشيء مما حدث معهم ، و كيف لهم ألا يخافو !
فما الذي تفعله تلك العجوز المخيفة في المقبرة في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل بمفردها ؟ و مالذي كانت تقوم به في ذلك القبر الذي كانت منحنية أمامه، وكيف إستطاعت الركض بهذه السرعة بالرغم من كبر سنها و إنحناء ظهرها و تجعد وجهها ، كما لو أنها فتاة في العاشرة من عمرها ؟
و أين إختفت فجأة أمام أعينهم و كأنها تحولت إلى ذرات هواء، و لما لم تؤثر بها تلك الرصاصة التي تلقتها ؟

العوالم الخفية للبشر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن