|٠| الافتتاحية.

134 18 38
                                    

بِـخطواتٍ ثابِتة يَسير في رُواق إحدى المَصحات الخاصة بالاضطرابات النَفسية والعَصبية التابِعة لِإحدى السُجون المِصرية.

يُوزِّع بسماتٍ هادِئة على المارّة مُرتديًا بذلة رَمادية مُهندَمة بينما يُعيد ترتيب خُصلاتِه السَوداء -ذاتَ الشُعيرات الرَمادية- المُتساقِطة على جَبينهِ وبُنيّتاه.
يبدو وَاثِقًا وَسيمًا وأنيقًا وكَـأنّه لَم يتخطى الخَمسين بالفِعل!

تَوجه إلى مَكتب المُدير يطرُق الباب بِـهُدوءٍ حتى أُذِن له بالدخول.
لِـيستقيمَ المُدير مِن على مِقعده مُرحِّبًا به بِـحَرارة:
« أهلًا وسهلًا بِـحضرتك نورتنا واللّٰه، حقيقي شَرف ليا إنّي اقابل حضرتك يا دكتور جَلال. »

« تشرفت بِـحضرتك أكتر بجد ومبسوط إنّي هرجع اشتغل هنا تاني بعد سنين في الغُربة. »
صافَحه جَلال أثناء قَوله مانِحًا إياه بسمةً لَطيفة ثم جلسَ على مِقعدٍ يُقابِل المَكتب تزامُنًا مع عَودة صابِر -مُدير المَصحة- للـجُلوس على مِقعده.

تحدثَ صابِر بعدها بِـنَبرةٍ وَدودة:
« قبل أي حاجة أنا مش هقولك تشرب ايه، إحنا هننزل الكافيتيريا نفطر سوا ومش هسمح بأي اعتراض، وكمان عشان تشوف التجديدات اللي حصلت للـمَصحة خلال السنين اللي فاتت. »
وما كان مِن الآخَر سِوى القبول؛ لِـيستقيمَ كِلاهما ويتجهان للأسفل.

وبعد مُدّة، وَصلا إلى المَطعم لِـيشرعا في تناوُل الفطور بينما يتحدثان عن كل جديدٍ شاهَداه في الطريق،
بدايةً مِن جُدران الأروقةِ المُخضَّبةِ°¹° بِألوانٍ تبعثُ في النَفس السَكينة ومُعلَّقٌ عليها لَوحاتٍ جَذّابة، وُصولًا للـحَديقة الكبيرة -التي تتوسّط المَصحة- والتي تسربَلَت°²° بِـرِداءٍ أخضرٍ مُرصَّعٍ بالوُرود.

وأيضًا بعض المَرضى -المَسموح لهم بالتجَوّل مع مُرافِق- يطوفون هُنا وهُناك بأريحية.

ذلكَ المكان المُفعَم بالحيوية يبدو أقرب لـمَدرسةٍ ابتدائية ولَيس مَصحة لِـعلاج المَرضى والمُجرمين!

ولكن دَعنا نتأنّى في الحُكم عليها،
فَـلَيس كل جَميلٍ جَميل..

وفَور إتمام الطعام صَعِدا مُجددًا للـطابِق الخامِس والأخير -المُخصّص لِـمَكاتِب الإدارة- حيثُ مَكتب صابِر،
فَالمَشفى مُكونة مِن بِنايتين كبيرتين مُتلاحمتين كِلايهما مُكون مِن خَمسة طوابِق، ومِئةُ غُرفة تَم توزيعهم على الأربعة طوابِق الأُخرى.

« ودلوقتي بقى ندخل في تفاصيل الشغل، يا ترى هتبقى جَلسات فَردية ولا جَماعية؟؟ لإنّي شايف إنْ عددهم كبير. »
صَدر هذا التساؤل مِن جَلال وهو يُمسِك عِدّة مَلفاتٍ بها كافّة التفاصيل عن العَشرة مُضطربين الذي سيتولّى أمر عِلاجهم.

أطرقَ -صابِر- يُفكّر لِـلَحظاتٍ قَبل أنْ يقول:
« أنا بصراحة شايف إنّك تبدأ جَلسات فَردية الأول أفضل عشان الجَماعية هتبقى مُجهِدة جدًا ليك، بس ده طبعًا شيء يرجعلك يعني شوف انتَ عايز تعمل ايه وأنا معاك فيه. »

« تمام، أنا بس محتاج أدرس التفاصيل اللي في الملفات دي النهاردة كويس وبعدين هقرر وأرد عليك بكرة إنْ شاء اللّٰه. »
أنهى جُملته وهو يُلقي نَظرةً سريعة على أسماء المَرضى لِـيقطُب حاجِبيه بِـتعجُّب.

أعادَ قِراءة الأسماء ولكن بِـنَبرةٍ مَسموعة هذه المَرة:
« رَحمة، هَدير، فَرح، إلهام، سُعاد، نورهان، فَيروز، وَرد، وِداد، كاريمان.. »

رَفعَ عَينيه لِـصابِر يرمقه بِـنَظرةٍ مُستنكِرة لِـيرد الأخير مُبتسِمًا:
« عارِف إنْ أسماءهم قد تكون صدمتك بس دي أسماء مُشتركة عادي لكنها غير مألوفة شوية عندنا، وفي الحقيقة ده السبب اللي خلانا نحطهم في نفس المَجموعة اللي هتتولّى رِحلة عِلاجها. »

وشبحُ ابتسامةٍ رُسم على شَفتيه فَورما فَطِنَ°³° مَغزى الحَديث ثم استقام مُصافِحًا صابِر أثناء قَوله:
« تمام أنا هبلغ حضرتك بِـقَراري وأعتقد إنّي هبدأ جَلسات مِن بكرة، مع السلامة. »

__________

•وإلى لِقاءٍ في الفصول القادِمة•

•رُكن المُصطلحات•
¹-مُخضَّبة = مُلوّنة، مَطليّة، مَدهونة، مَصبوغة.
²-تسربَلَت = ارتدَت، تغطَّت، لَبِسَت، تدثَّرت.
³-فَطِنَ = فَهِمَ، أدركَ، انتبه.

••••••••••

رأيكوا في البداية؟

رأيكوا في أسماء الأبطال؟؟
أعتقد اتصدمتوا صح؟

رأيكوا في سَردي المُتواضع بعض الشيء؟
كده كده السَرد إنْ شاء الله هيبقى أقوى مع التقدّم في الأحداث والفصول هتبقى طويلة جدًا على فكرة..

~كانَت معكم: كوزمو التوكسيك ♡.

-وهتعرفوا توكسيك ليه لمّا تقرأوا الرواية. 🙈

أنا هو، بل أفوقُه قُوَى!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن