الحلقة الأولى (ضياع)

1.4K 56 2
                                    


حل الليل على منطقة شعبية تتميز بكثرة شوارعها وحواريها، منها ما ينيره كشافات الإضاءة وأنوار البيوت ومنها ما هو مظلم إلا من بعض الشعاعات البسيطة، وفي إحدى هذه الشوارع قليلة الإضاءة كانت تجري مُتخفية وهي تتلفت خلفها بين الثانية والأخرى ومعها خالتها يملأ قلبيهما الخوف، هتفت الأولى برعب وهي تسحب خالتها القريبة منها في العمر:

-اجري يا خالتي، اجري خلينا نخرج من المكان دا بسرعة.

-براحة يا آسية أنا بطني وجعتني مش قادرة بقالنا يجي نص ساعة بنجري موقفناش.

-ما احنا لازم نهرب من هنا بسرعة وإلا هنروح في داهـية.

- يا رب دا إيه الورطة اللي احنا فيها دي؟ نجّينا يا رب.

فزعت آسية عندما رأت رجلا يرتدي ملابس الشرطة:
- إلحقي يا خالتي في شاويش جاي على أول الشارع، تعالي نستخبى بسرعة ولا نلف من شارع تاني.

وبعد مرور ساعة من الركض دون توقف كانت قدم كل منهما تألمت بشدة، وأخيرا جلست آسية على الرصيف وهي تلهث من التعب وتأخذ أنفاسها بسرعة:

-اقعدي يا شوق أنا رجلي ورمت مش قادرة أجري تاني.

جلست الأخرى بجوارها وهي تمسك بطنها من التعب:
- حاسة إني همـوت خلاص مش قادرة، كل حتة فيا بتوجعني.

تحدثت آسية والدموع تملأ عينيها:
-هنروح فين دلوقت أنا خايفة أوي؟

أردفت الأخرى وهي تلقي عليها ما يجب عليهما فعله:
- اسمعي الكلام اللي هقوله دا كويس عشان مش معانا وقت، احنا هنقوم دلوقت نشتري خطين جداد ونكسر اللي معانا دول عشان صحابنا وجيراننا وكل اللي معاه الأرقام ميعرفوش يوصلوا لينا، وبعدين ناخد رقم بعضنا عشان نعرف نتواصل ونشوف هنتعامل إزاي.

صُدمت آسية من قولها وعقبت:
-يعني إيه؟ احنا مش هنفضل مع بعض؟

جاوبتها شوق قائلة:
-مش هينفع نكون مع بعض عشان لو حد اتمسك كدا التاني راح في داهيـة هو كمان، إنما لما يكون كل واحد في مكان هيكون أفضل، وحاولي متظهريش ولا تلفي في الشوارع ولا تخلي حد يشوفك، هما زمانهم قالبين علينا الدنيا والبوليس بيدور علينا لازم نختفي في أسرع وقت.

بكت آسية أكثر عندما شعرت بحجم الكارثة التي وقعت بها:
-طب هعمل إيه ولا هتصرف إزاي؟ أنا مش هعرف أعيش من غيرك.

أخذتها شوق بين أحضانها وربتت على ظهرها حيث لا يفرق بين عمريهما سوى ثلاث سنوات:

-معلش يا حبيبتي أنا إن شاء الله مش هسيبك وهحاول أتصرف وهتصل بيك علطول، المهم قومي دلوقت هاتي الخطوط وحاولي تداري وشك وأنتِ بتشتريهم وبعد ما تيجي كل واحد يشوف طريقه.

قامت آسية وهي لا تستطيع التوقف عن البكاء ومشت عدة مترات حتى وصلت إلى محل خاص بالأجهزة المحمولة "سنترال" وقامت بشراء ما تريد ثم عادت لخالتها وقامتا بأخذ أرقام بعضهما.

أنا وزوجاتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن