تأخذنا الحياة بأمواجها العالية ..
نظل نغوص بها دون الإهتمام بعواقبها ..
حتى تصدمنا أول موجة ..
أما أن نواجها و نتخطاها أو نستقبلها بصدر رحب نتغرق فيها ..
نحاول الصمود مع كل موجه تلاطم جسدنا ..
لكن مع كل مرة تزداد الخطورة ..
والنجاة منها يصعب الحصول عليها ..
_ زينب خالدبعد يومان..
-تفتكري ميرا ممكن تعمل أي بعد اللي حصل معاها
هتفت بها مريم وهي جالسة أمام صبا تتناقش معها حول ما حدث منذ يومين .. تحدثت صبا بعدم إهتمام:
مش فارق معايا، اللي في ايديها تعمله، كدة كدة حقي وجبته .. ودة عشان تفكر وتتعدى الخطوط الحمرة مع صبا البنداري.
لا تتطمئن نهائيًا خاصة بأن الأمر لم يكن هين على الإطلاق وهي قلقة مما يمكن أن يحدث معهن، فأجابتها ببعض القلق وعقلها مشغول بالأمر:
مش مطمنة وحاسة أن هتحصل حاجة مش كويسة لينا
لم تهتم صبا حقًا، ترى بأن الأمر لا يستدعى لكل الخوف، واحدة بواحدة وهكذا انتهى الحساب، أردفت بغير إهتمام:
مش فارق معايا .. حركة قصاد التانية.. بعدين هيحصل أي أسوء من اللي حصل
قاطع حديثهما وقوف شابة ذات ملامح مليحة، مريحة للعين بجانبها شاب يفوق عن طولها بملامح رجولية جذابة .. تحدثت صبا بداخلها عند رؤيتهما ( لايقين على بعض أوي )، استفاقت على حديث الفتاة بحيوية وحماس قائلة:
حضرتك صبا البنداري
اومأت برأسها مع إبتسامة على ثغرها مجيبة:
ايوة
نهضت مريم لتقف بجانب صبا فجلس الإثنان أمامهما، رمقتهما صبا فقالت بنبرة عملية:
طلباتكم .. قراية فاتحة، خطوبة، فرح
نظر لحبيبته بفرحة وقال مبتسمًا:
فرح إن شاء الله
أخدت صبا دفتر موضوع أمامها وبدأت بتدوين بعض من الكلمات فتحدثت بنبرة متسائلة ناظرة لهم بعملية:
أول حاجة حابة أعرف المكان فين .. هل عندكم تخيل معين للفرح؟ ولا حابين تشوفوا حاجات عندي أو لو سايبين الموضوع مفتوح هقدر إن شاء الله أعملكم حاجة تبهركم وطبعا أنا بتكفل بكل شيء من الألف للياء .. معايا طقم كامل من العمال بجانب مطعم من أفضل المطاعم تحت إيدي استڤ كامل من الشيفات يقدروا يعملوا اللي تحبوه .. ف أنتم جايين لأي بالظبط!!
تحدثت الفتاة بحماس ظهر على لمعة عيناها البراقة:
أنا جاية في حاجة مختلفة تمامًا .. أحنا قررنا أن كل حاجة هتبقى مصممة بشكل مختلف بمعنى، الحنة عايزة يتعملها ديكور وكمان المكان الخاص بالسيشن مش هيبقى مكان من الأماكن الجاهزة لا هنختار مكان وأنت هتصمميه بحيث يكون مكان للتصوير، والفرح طبعًا .. عارفة أن حاجات كتيرة أوي ولكن حابة يبقى فرحي ليه طلة مختلفة، طلة فعلا تليق ليا، ولكن فيه إضافة أن الشغل هيبقى مشترك مع شخص تاني
كانت منصته بإهتمام لكن بداخلها تكاد تجن مما سمعته لكن عند أخر جملة وقفت عندها بتفاجئ فعقدت حاجبيها بقوة بينما مريم نظرت لصبا وهي متفاجئة مما سمعته، حاولت أن ترتب حديثها حتى لا تطفئ حماسها فأجابتها بنفي:
بس أنا مبتدخلش شراكة مع حد .. والحمدلله أقدر أقوم بكل حاجة مش محتاجة أن حد يبقى معايا، ف لو الموضوع متوقف على وجود شخص تاني، معلش مش هقدر
نظر الإثنان لبعضهم، انطفأت ملامح الفتاة وتحول البريق لقلق وحزن، فرق قلبه لها ولا يريد إحزانها فجاهد للإقناعها بشتى الطرق حتى مرت ساعة بين الشد والجذب بينهم حتى اقتنعت صبا بصعوبة ولكنها لم تكن راضية بالمرة عن هذه المشاركة .. أنهت صبا النقاش بعملية موضحة:
أنا حاطة لنفسي رولز معينة بمشي عليها وفكرة أن أدخل حد معايا في شغلي منهي تمامًا بس أنا عشان مبحبش امشي عروسة من عندي زعلانة لكن أعرفي أن اللي عملته ليكي استثناء ولولا عيونك المتحمسة لشغلي مكنتش وافقت أبدًا .. فمحتاج أعرف مين اللي هيبقى معايا وكمان لازم أشوف الأماكن اللي هتتعمل
سعدت الفتاة للغاية وبرقت عينيها بقوة فرحة لما حققته فقالت بسعادة:
شكرًا لزوقك وإنك مروحتنيش مكسورة الخاطر .. ربنا يكرمك أضعاف ما تتمنيه بمقابل فرحتي إنهاردة .. بالنسبة للأماكن لسه فيه كذا حاجة في دماغنا هنختار الأول بعدين هنحدد معاد وهكلمك إن شاء الله .. ومتقلقيش اللي هيكون معاكي شخص كويس وهترتاحي في التعامل معاه
لم تعير إهتمام بالأمر لأن موافقتها كانت على مضض لكن لا تقدر على أن تكسر سعادة الفتاة وفرحتها بزفافها، خاصة بأنها حريصة دائمًا مهما كثرت الطلبات والتعب لكن ستجاهد دائمًا لرسم الإبتسامة على ثغر جميع الفتيات وهذا ما كان يميز عملها دائمًا .. مجرد مغادرتهما زفرت بإرهاق ثم سندت رأسها على ذراعها المتواجد على المنضدة، مغمضة العينين تستنجد للراحة لتأتي لها محاولة شحن طاقتها لإستكمال عملها.
******
بعد عشرة أيام ..
صرخت صبا بحدة:
يلااااا كل دة ولسه مخلصتوش، الخطوبة قربت .. ننجز
تكاد تنفجر بالجميع فأعادت خصلة من شعرها ثائرة خلف أذنها بينما عيناها الزيتونية غاضبة للحد الذي لا يجعلك تود النظر لها، اليوم لا يسير بشكله الطبيعي، كأن أحد يقصد أن يجعلها منفعلة، غاضبة طوال الوقت .. كل شيء لا يسير وكأنها أول مرة تعمل ليس لأعوام.
جاء العامل المختص بالإضاءة متحدثًا بعملية:
الإضاءة كلها جهزت وهنعمل عليها تست دلوقتي
وقفت صبا بالمنتصف بجانبها مريم ليراقبوا الاضاءة، أشار العامل لأحد المساعدين لينير المكان، أنزل العامل السكين وفجأة حصل إنفجار بالإضاءة جميعها وأصدرت صوت عالي للغاية، عادت السكينة لمكانها مرة أخرى بينما العامل يحاول إعادتها مجددًا .. عاد الجميع للخلف وكل منهم احتمى بيديه ولكن لحسن الحظ بأن الزجاج لم ينفجر بل أحدث قفله بالمكان كله .. عند هذا الحد لم تعد تتحكم بنفسها فثارت في الجميع واحتنقت عيناها كغابة مشتعلة لا تجد من يطفئها، صرخت بأعلى صوت لديها توبخ الجميع قائلة بغضب:
أي اللي حصل دة .. ياريت حد يفهمني إزاي دة يحصل
لم يستوعب أحد ما حدث، فطأطأ الجميع رؤسهم أمام توبيخها بينما رئيس العمال ظل يبحث عن سبب هذا ولكن لم يجد شيء .. تحدثت صبا بنبرة حادة:
اللي حصل دة يتصلح فورًا يا أما دة أخر شغل معايا للستڤ كله
عاد كل عامل لعمله سريعًا في محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه بينما مريم حاولت تهدأتها قائلة بهدوء:
اهدي يا صبا، مينفعش كدة
صرخت بها الأخرى قائلة بحدة:
اهدى أي والشغل لسه مخلصش وخلاص فاضل كام ساعة والناس تيجي .. اسمي وسمعتي هيضيعوا بسبب شوية أغبية
لا تجد ما يمكن قوله، فأجابت قائلة:
متقلقيش هتتصلح كل حاجة .. اهدي عشان جسمك كله متشنج
زفرت بغضب لعدة مرات وهي تراقب الجميع يدور كخلية نحل خوفًا من بطشها، أتى رجل من الخارج وعلى وجهه علامات قلقة قليلًا فوقف أمامها وتحدث:
يا أستاذة في حد خبط العربية بتاعتك برة وبيحاول يهرب والناس ماسكة فيه
لا تجد إجابة للتحدث بها، فزفرت بإنفعال مجيبة:
كملت كدة .. هو يوم باين من أوله استغفر الله العظيم
ربتت مريم على ذراعها بإشفاق وهتفت بحزن:
معلش .. تعالي نطلع نشوف إي اللي حصل
تشعر بإنقباضة بقلبها لا تعلم مصدرها، حقًا غاضبة، مرهقة، تود لو تعود لبيتها الآن وتخلد على الفراش وتنسى كل ما عايشته اليوم .. خرجا الإثنتان ليروا هذه الكارثة التي حلت عليهما من حيث لا يدرى بينما كان عاملان يعملان بجانب بعضهما، فالتفت كل منهم للآخر بنظرة دليل على إشارة ما وفجأة اشتعل الشجار بينهم فتحدث أحدهما قائلا:
أنت كل شوية تزق فيا وتيجي جمبي، دة أنت ناقص توقعني من السلم كمان
أجابه الآخر ببجاحة:
وهو أنا جيت جمبك .. هو أي هري وخلاص
نزل الرجل من على السلم وتحدث بغضب شديد:
أنا شوفتك وأنت بتبوظ النور أكيد عايز تبوظ شغل الأستاذة مين دفعلك تعمل كدة
لم يتحمل هذا الإتهام فدفعه للخلف بغضب فنظر له الأول ولموضع يده التي أعادته للخلف قليلا، اشتعلت عيناه واحمر وجهه فتحدث بنبرة مكتومة:
أنت أد الحركة اللي عملتها دي
نظر له الآخر بإستهزاق وقال:
اه .. ولو عندك حاجة اعملها
ومن هنا كانت الإشارة لخروج الثور من مكمنه والإطاحة بكل ما يراه، فأعطاه لكمة قوية بفكه أرجعته للخلف حتى أسقطته أرضًا .. مسح الدماء التي تناثرت على ثغره ونظر له بإشتعال ومن بعدها هجم عليه، ظل الإثنان يطيحان ببعضهما البعض وكأنهم بحلبة مصارعة وحان وقت الفوز ..
حدثت الفضوى بطريقة عارمة، حاول الجميع الفصل بينهما ولكن كانت قوتهم تفوق الجميع وكأن هناك وقود يزيد إشتعال الشجار حتى عندما يفرقوهم عن بعضهما يعودان مرة أخرى، اجتمع الجميع وجاء أصحاب الخطبة و ذهلوا من هول الصدمة خصوصًا مع ازدياد الأمر تعقيدًا وتوصل بهم الحال بكسر كل شيء حولهما .. وفي خلسة كان أحد يراقب الأجواء المشتعلة واستغل انشغال الجميع وجلب المقص وظل يقص كل ما تطوله يداه من قماش المقاعد وغيره الكثير بينما هتف والد العروس بنبرة غاضبة مشتعلة وهو لا يعلم كيف يهدأ الوضع فتحدث للعامل بجانبه:
تروح تندهلي الأستاذة اللي برة وتطردهم برة كلهم .. وأنت تكلم أي منظمة تانية عشان تيجي تصلح المهزلة دي مش بنتي اللي خطوبتها تبوظ
هتف بها لأبنه الواقف بجانبه يشاهد الوضع بأعين غير مصدقة لما يحدث .. فذهب كل منهما لتنفيذ ما امره به.
بالخارج..
_أنت متخبطش العربية وتقولي أصل الركنة غلط
تحدثت بها بغضب أمام تعنت هذا الكائن الذي يعترض كونه بأن الخطأ خطائها .. قال الرجل ببرود:
والله تصليح ومش هصلح وأوعي من قدامي كدة عشان امشي مش فاضيلك أنا
ضربت عدة مرات على السيارة بقوة وكأنها تخرج طاقتها المكبوتة بداخلها خصوصا مع إستفزاز هذا الرجل لها، هدأت فجأة وفكرت لثواني وابتسمت بهدوء قائلة مشيرة له:
تمام اتفضل عشان تمشي
رمقها الرجل بشك لتحولها المفاجئ ولكن لم يضع الأمر أهمية، فتح سيارته وركبها بينما هي أخذت الحجارة التي كانت تضع عينيها عليها من البداية وعندما بدأ يتحرك بها بكل إحترافية قذفت الحجارة على الزجاج من الخلف فتدمر كله وقبل أن يستوعب الرجل ما حدث بسيارته كانت تدخل للداخل بكل ثقة بجانبها مريم التي لم تستوعب ما فعلته، فزفرت بإرهاق لما يحدث فدلفت خلفها وتمنت أن ينتهي اليوم بأقصى سرعة.
رأت رجل الامن يركض تجاهما وملامح وجهه حملت الزعر .. تحدث لهما مضطربًا:
الحقي يا أستاذة العمال جوة مسكوا في بعض ودشدشوا المكان كله
ركضت الإثنتان بخوف، وقفت صبا تراقب ما يحدث وهي لا تصدق حقًا، المنظر مريع العاملان يمسكان بعضهما البعض والمكان كله أصبح أشلاء حتى المقاعد لم تسلم .. المكان أصبح مريع، لم تصدق ما تراه، حياتها ومسيرتها المهنية ذهبت هباء .. وقفت صبا أمامهم وبكل غضب بداخلها تحدثت بنبرة عالية تكاد تصم الأذن خرجت من أعماق صدرها:
باااااااااااااس ... اسكتووووووا
وعند رؤيتها وقف الجميع فجأة وهدأت الأجواء، فابتعد العاملان عن بعضهما البعض بعدما أشار كل منهما للآخر بعلامة دليل وصولهما للهدف.. تحدثت صبا منفعلة:
أي مشغلة صيع معايا .. سبتوا أي لبتوع الشوارع يعملوه
هتف العامل قائلا ووجه مليئ بالخدوش والكدمات بينما حالته رية للغاية قائلا:
يا أستاا…
قاطعته صبا بإنفعال وملامح وجهها محمرة للغاية:
مش عايزة اسمع صوت
نظرت حولها بنظرات متحسرة على عملها ولا تعلم كيف ستداوي ما يحدث، عقلها يكاد يجن وتوشك على الإنفجار مما يحدث طوال اليوم كله، وفي خضم ما تعيشه من قهر بداخلها .. سمعت صوت مألوف على أذنها، صوت لا تتمنى هذه اللحظة أن تسمعه إطلاقًا أغمضت عينيها وهي تشعر بشيء داخلها يؤد لو يثور على الجميع ولكن ملامح وجهها كانت جامدة قاسية للغاية.
وقفت ميرا أمامها وهي ترمق المكان ببسمة ساخرة وتحدثت بمكر:
يا خبر ازاي حصل كدة .. باين أنهم تقلوا العيار حبتين
جاء صاحب الحفلة قائلا بغضب شديد وحدة:
جيتلك وأنا فاكرك أنك أحسن ولكن طلعتي واخدة اسم على الفاضي وشغلك باين أنه يعلى عليه فعلًا .. ياريت تتفضلي كفاية الوقت اللي ضاع .. سبيها تشوف شغلها طلما معرفتيش تشوفيه
كانت نظرات ميرا كلها شامتة فرحة لما تشاهده بالنجاح على غريمتها وأخذ حقها كاملة بعد ما فعلته بعملها بينما صبا رمقتها بقسوة و انسحبت بهدوء عجيب دون أن تجيب عليها بكلمة واحدة، غادرت بروح ضائعة وأعين لا ترى من إحمرارها .. فشاهدتها الاخرى بسعادة وقالت حدثت بإنتصار لنفسها:
تعيشي وتاخدي غيرها يا صبا
********
تشعر بتعب يغزو جسدها منذ ما حدث من حوالي أسبوع وهي متعبة للغاية ولا تتحدث إلا للقليل، لكنها اضطرت لأن تأتي اليوم حتى ترى بعض من الأماكن المطلوب تصميمها وتتعرف على شريكها الجديد، ابتسمت إبتسامة بسيطة مصطنعة للعروسين وهي تراقب المكان بتفحص، تسألت صبا بعملية:
فين اللي هيبقى معايا
أجابها الشاب ببسمة:
على وصول .. اهو وصل
شاور لمحمود من بعيد ليتقدم بينما الآخر على وجهه إبتسامة كبيرة على ثغره .. تفاجأت من وجوده وشعرت وكأن أحد ينظر لحياتها قاصدًا أن يعكر صفوها، حاولت أن تهدأ حتى لا يلاحظ عليها أحد بشيء وظلت ملامحها هادئة عادية لا تحمل شيء، وخطر على عقلها ماذا سيفعل هادي عندما يعلم بأنه الشريك بعدما حدثته بما حدث مع العروسين؟ لا تطمئن نهائيا لردة فعله، استفاقت على حديث محمود الذي يصاحبه إبتسامة قائلًا:
مساء الخير .. بعتذر لو اتأخرت
أجابت الفتاة موضحة:
مفيش مشكلة.. لسه يدوب جايين من شوية
مد محمود إحدى يديه ليسلم عليها قائلا بترحيب:
ازيك يا صبا
سلمت عليه بإقتضاب وعملية مجيبة:
الحمدلله
أردفت الفتاة متحمسة:
بصوا بقى .. أنا عايزة شغل متعملش قبل كدة، حاجة مختلفة، كل ركن يبقى فيه روح وشغله بينطق من غير حاجة من الآخر شيء جديد وأنا أول واحدة تعمله
تحدث محمود بلباقة المعهودة:
متقلقيش هنعملك حاجة تليق بيكي والبنات كلها تتمنى تبقى مكانك، حاجة كدة مش بتتعمل غير للأمراء و بس
طوال جولتهما كانت تتعامل بتحفظ ورسمية رغم محاولة كسر الآخر لها، عقلها مشغول بهادي وبذات الوقت بدأ التعب يتملك من جسدها نتيجة الإجهاد الذي يلازمها .. تدون بعض الاشياء على النوتة الخاصة بها والبعض الآخر تقوم بتصويره بهاتفها، لا تنكر بأن آرائه الفنية بها ذوق مختلف وأشياء يتحدث بها ستضيف الكثير لعملهما.
انتهت الجولة وغادر أربعتهم لكن محمود أوقف صبا متحدثًا لها:
حابب أن أعزمك على العشاء انهاردة عشان حابب اتكلم معاكي في شوية حاجات للفترة الجاية
أجابته صبا مقتضبة:
أي حاجة حابب نتكلم فيها اتفضل دلوقتي
قال مبتسما إصرار:
أنا مش بتناقش معاكي .. أنا بقولك بس أن محتاجين نتكلم شوية، هبعتلك اللوكيشن بالليل .. يلا سلام
لم يمهلها وقت للإجابة بل أدلى بحديثه وذهب من أمامها وغادر بسيارته دون الإستماع لردها بينما هي نفخت بضجر مجيبة:
ما هو دة اللي كان ناقص
********
بالمساء..
تجلس بسيارتها تنظر للموقع بتوتر، تود لو تمسك رأسه وتهشمها لأجزاء.. اللعين سيجعلها تجلس بمطعم هادي و الأسوء بأنه لم يختار إلا الرئيسي الذي يجلس به دائمًا، تشعر بأنها على حافة الجنون كل ما يحدث معها غير عادل بالمرة .. أخذت عدة أنفاس حتى تسترخي قليلًا ثم أدارت المقود وذهبت وهي تدعو داخلها أن يمر الأمر على خير.
ينتظر قدومها وهو يعلم بأنها ستأتي مرغمة، أراد اليوم أن يتأكد بشيء ولو تحقق ما بعقله سيزيد الأمر اشتعالا و حرارة للفوز بما يريد .. دلفت للمطعم بخطوات واثقة، رغم الخوف بداخلها لكنها تحدت نفسها لتمر بهذه العقبة كما مرت التي قبلها، يشاهد دخولها المهيب، جمال عيناها كانت تحكي وتروي قصص كثيرة، غاباتها مستكينة رغم وجود بعض الخوف بداخلهما، خصلات شعرها حرة التي تليق بها وبأناقتها التي لا تتخلى عنها، ذهبت له عندما رأته يجلس مراقبًا لها، مضطربة خوفًا من أن ترى هادي بأي لحظة دون حساب .. وقف محمود بعدما وقفت أمامه، أعطاها بسمة خفيفة وعينيه متفحصة جريئة لكل تفصيلة منها فتحدث بنبرة أجشة بها غزل:
أنت دايما بتخطفي العقل كدة
رمقته بحدة ثم صمتت ولم تجب عليه تشعر بعدم راحة، سحب لها المقعد كـ حركة لبقة لتجلس عليه ثم اتجه وجلس أمامها .. كانت تلتفت حولها بنظرات تائهه، يراقبها محمود بأعين صقرية، إنجذابه لها بكل مرة يراها غير طبيعي على الإطلاق وكأنها اطلقت عليه سحر من نوعًا ما، لا ينكر بأن خططه تغير المسار بها لكن إرادته بإقتناصها كان يناقض القضاء عليها والتحكم بالسوق .. راقب نظراتها التائهه وتحدث متسائلا:
ينفع أعرف عقلك رايح مني على فين
رمقته بحدة من أسلوبه المتساهل معها و هذا لم يعجبها لذلك أجابته بجدية:
ياريت نخلي الرسمية بينا، لأن مبحبش الطريقة والأسلوب دة في الكلام
ابتسم مجيبًا بدهاء:
ومين قال أن شلت الرسمية بينا، أنتِ ست شيك وجميلة طبيعي أن أعبر عن دة ولا أي .. وبعدين حاليا بقينا شركة فخلي التعامل بينا يبقى براحة أكتر
نظرت لعينيه نظرات قوية قائلة:
صراحة كدة أنا مبحبش شراكات الشغل ولولا إلحاح العروسة أنا مكنتش واقفت أبدًا
شبك محمود يديه ببعضهما وقال ببسمة عكسها:
وأنا اتبسطت جدًا لما عرفت منهم إنك اللي هتبقي معايا .. خصوصًا أني منبهر بشغلك جدًا وحبيت أن اتعرف عليكي وعلى شغلك أكتر .. وبعدين معتقدش أنها صفقة وحشة أوي كدة، كفاية إنك هتاخدي خبرة مني ومن شغلي اللي اشتغلته برة.
هتفت بنفاذ صبر قائلة:
طب ياريت نتكلم في الشغل أفضل
أجابها بإبتسامة قائلا:
مش لما نتعشى الأول ونشوف المنيو في أي .. أنا عمري ما كنت بخيل عشان متقوليش أن معزمتكيش على العشا .. سمعت أن هنا بيعملوا أفضل الأكلات وأكيد أنت مجربة يعني، صحيح يعني هادي مش متواجد في الإرجاء أنا عرفت أن دة المطعم اللي بيعقد فيه
عند الحديث عنه تشعر بالخوف تلقائيًا خصوصًا بعدم معرفته بوجودها هنا معه .. دعت بداخلها ألا يأتي الليلة ويمر اليوم على خير، أشار محمود للنادل ليأتي بالقائمة وفعلا أعطاهما القائمة وسلم النادل على صبا قائلا بفرحة:
أستاذة صبا نورتينا .. لو مستر هادي كان عارف أنك جاية مكنش خرج
تنفست الصعداء لمجرد سماع عدم وجوده، ف أخذ محمود باله من راحة وجهها، تحدث وكأنه لا يعير الأمر إهتمامًا:
تحبي تاخدي حاجة معينة
طلب الإثنان طعامهما وغادر النادل متجه للداخل بينما محمود ظل يتجاذب معها أطراف الحديث بين عملهما وحديثه على عمله بالخارج، و لا تنكر بأنها أعجبت بتصاميمه التي كان يريها على هاتفه وعلى ذوقه المختلف، اتى الطعام وتناولا بينما يتناقشا بما سيفعلوه للعروس ومطالبها، كان مستغل هذا الحوار والحرية للنظر بعينيه خاصة مع بسمتها الهادئة ونظرة عيناها الزيتونية الساحرة.
دلف هادي للمطعم بعدما انهى جولته بالخارج، نظر للجميع يتأكد من استمتاعهم بالطعام، وقعت عيناه على وجود محمود وهو يتحدث مع إمرأة ما، لم يعير أي إهتمام ولكن شعر هذه المرأة يعرفه جيدًا .. بحث بعقله يمكن أن تكون هي ولكن لا يمكن وما سيجمعهما الإثنان سويًا، رأى محمود وجود هادي فأشار له لكي يأتي وعندما لمح إشارته اقترب لهما لينهي الشك بداخله ويعلم من هي .. وقف أمامهم لم يصدق بأنها صبا، فنظر الإثنان لبعضهما وكل منهما بداخله مشاعر مختلفة للآخر بين الترقب، الخوف، والتوتر تخلف حولهما والآخر يراقبهما ليتأكد من شيء ما .. تحدث محمود قائلا بترحيب:
هادي عامل أي .. حقيقي المطعم بتاعك هايل
هربت بعينيها عنه بتوتر بينما محمود يراقب الوضع باستمتاع وكأنه مشاهد يرى مباراة شيقة، فـ تأكد مما أتى له وأن هادي يكمن لها مشاعر لكن ربما صبا لا تعلم عنه شيء أم ماذا؟، رغم ملامحه الجامدة لكن عينيه حملت شرارة حارقة تكاد تحرقها وهي تهرب بعيدًا عنه بخوف لأقصى درجة .. فعلم بأن معركته معها لن تكون سهلة لكن سيكون الأمر بغاية المتعة والإثارة .. لم ينظر لها بل اكتفى بنبرته الرخيمة يقول:
اتمنى أنكم تكونوا استمتعتم بالمكان
أشار محمود على صبا وقال:
الأدق أن الواحد استمتع بصحبة صبا الصراحة
رمادية عيناه إزدادت اشتعالا، قاطعت الأجواء المتوترة متحدثة بنبرة مهزوزة مرتبكة وهي تنهض:
عن إذنك لازم أمشي حالًا
نظر لها محمود بعيون بريئة قائلا:
احنا لسه مكملناش كلامنا
أجابته صبا متوترة:
المرة الجاية
نهض محمود فقال:
طب هاجي اوصلك
أوقفته بيديها قائلة:
لا شكرا
أنهى هادي حديثهما قائلا بنبرة حملت التشدد مردفًا:
خليكي عشان عايزك
قرر محمود المغادرة بعدما انهى مهمته على أكمل وجه تركًا الأجواء مشتعله، أردف متحدثا باسمًا:
تمام همشي أنا .. وعلى تليفون بقى
لعنته بداخلها على تركه لها بمفردها، ف ابعدت ناظرها عنه خائفة بينما أشار لمكتبه ساخرًا:
اتفضلي يا استاذة ولا أحب اعرفك على المكان
******
بالمكتب ..
تجلس أمامه خائفة، مضطربة لا تنظر لعينيه خوفًا من أن تجد عاصفة تهب عليها، يراقب لغة جسدها بدقة، نمت بسمة قاسية ساخرة على ثغره على خوفها منه لكنها تستحق .. تحدث هادي بسخرية مبطنة وعينيه تجوب ملامح وجهها:
عجبك الأكل بتاع المطعم .. أتمنى أنه يكون نال اعجابك
لم تجبه واكتفت بالصمت .. سند على ذراعيه وحك بطرف إبهامه على ذقنه متسائلًا:
ها بتعملي أي مع البيه اللي قولتلك من ساعة الحفلة بتاعته متجتمعيش معاه تاني
الخوف تلبسها ف لا يسعفها لسانها للنطق بكلمة فـ ارتفع صوت هادي بحدة:
لا منا مش هسمع سكاتك ومعاه كنت بتتكلمي زي البغبان
لا يوجد أمامها غير قول كل ما بداخلها حتى لو أطاح بها وهنا ارتعبت حقًا.. تحدثت بقلق:
فاكر لما كلمتك عن الشراكة اللي كنت مضايقة منها، إنهاردة عرفت أن محمود هو الشريك معايا وعزمني على العشاء عشان نتكلم في الشغل .. بس والله والله ما كنت عايزة لكن حطني قدام الأمر الواقع ومعرفتش أهرب منه
حرك ثغرة بسخرية ورفع حاجبيه بتعجب فـ ازدرت ريقها بخوف، أجابها بتمهل:
اممممم.. حطك قدام امر الواقع، أي جابك من بيتك ولبسك ولا أي
هزت رأسها بعنف نافية وأجابت بتسرع:
لا مش كدة .. بس معرفتش أهرب منه
أجابها بهدوئه غريب لم يعجبها بتاتًا:
ودة الشغل لمدة أد أي
أرجعت شعرها للخلف بتوتر وأردفت:
من شهر ونص لشهرين
قال هادي موضحًا:
وطبعا هتتعاملوا يوميًا .. تمام، طب اتفضلي روحي
أجابت صبا محاولة إصلاح الوضع:
والله كنت هقولك ولكني اتفاجئت ومعرفتش أعمل حاجة وكل جه وراء بعضه ملحقتش
هتف بحدة وملامحه منقبضة:
قولتلك روحي يا صبا
هتفت الأخرى بعناد:
لا منا مش هروح من غير ما نتكلم
ضرب بقوة على المكتب وكأنه يخرج طاقتها المكبوتة وتحدث بغضب اطاح بها وبغابتها:
نتكلم في أي .. نتكلم إنك استغفلتيني ومقولتليش رغم أن عندك اليوم بطوله ولا إنك جاية هنا من غير ما اعرف، نتكلم في أي ولا في أي يا هانم .. أنت لو مقومتيش من مكانك دلوقتي ردة فعلي هتزعلك أوي
أخذت حقيبتها بعنف واتجهت للخارج غاضبة وعينيها تلمع بالدموع، تود لو تبكي لما يحدث معها كل هذا، تعبت حقًا من كل شيء ويكفيها ما يصيبها من الوقت للآخر ليكمل عليها هادي .. بينما يشعر بداخله شيء يغلي بقوة كلما يتذكر نظرات محمود وحديثه لها، غاضبًا منها ويريد الفتك بها لعدم إفصاحها، هي مخطأ ولديه كامل الحق فيما فعله، ولو ما في باله أصبح صحيحًا لن يهدأ له بال حتى يدمره ويذيقه العذاب وسيجعله يعود مجددًا لبلده.
أنت تقرأ
لمحة عن الغرام
Romanceالمقدمة .. كل شيء مباح دائمًا في الحرب والحب.. وكانت حربه عليها بغرض الحماية.. بيوم كل شيء تغير فجأة، وقلبه أصبح متلهف عليها.. فحارب بكل ما يملك من أسلحة ليفوز بها.. لكن الحرب كانت شرسة للغاية ولم تهدأ أبدًا.. هل يستطيع الفوز بقلبها أم أن الحياة ل...