تأخذنا الحياة لمسار أخر ..
نسير فيه بدون إرادة ..
كأنه القدر الذي كتب لنا ..
نسير بلا هوادة، نحاول البحث عن الأمان ..
الأمان الذي نفقده مع مرور الأعوام ..
لكن رغم ذلك نبحث عنه، كالبحث عن سراب لا هيئه له ..
نغوص فى الحياة وننشغل بها، حينها نفقد البحث عن الأمان ..
_زينب خالدبالمساء بمنزل صبا..
للمرة العاشر تهاتفه ولم يجيب عليها، نظرت مرة أخرى للشات الخاص بهما، آملة أن يرى رسائلها ولكنه لم يرد، فأرسلت رسالة للمرة التي لا تعلم عددها ولكن أيضًا لم يستجب لمحاولاتها الحثيثة ..
هل لهذه الدرجة غاضب منها؟ ، هل لن يحدثها ثانية ويهتم لأمرها؟، مجرد تسرب هذه الفكرة لعقلها شعرت بغصة مُرة تقف بحلقها فلا تجعلها تشعر بالراحة .. تأففت بضجر ولكنها تعلم بأنه على حق وأن ما فعلته ليس لائق على الإطلاق، هي هكذا عندما يحدث معها شيء سيء تبتعد عن الجميع ولا تطيق النظر لأحد إلا عندما تريد ذلك، حاولت التغيير قليلًا ولكنها اعتادت على ذلك خاصة وأنها وحيدة منذ الصغر لم تجد دائمًا أحد يهتم بأمرها أو يبحث خلفها ..
فجأة شعرت بالحنين وابتسمت عندما تذكرت الماضي، اليوم عندما كانت تراقب الترميم من جديد شعرت وكأنها تعيد ترميم حياتها هي وليس مكانها، عندما بدأت كل شيء وفعلت الكثير لتصل لوضعها الحالي، تذكرت سعادتها بأول مرة وضعت قدمها على أرض الواقع وافتتحت مكتبها، كانت تزينه بكل حب وسعادة لما ستفعله وتجنيه .. أخرجت تنهيدة قوية من جوفها لكن بسمتها للماضي دليل بأنها حقا اشتاقت له رغم ما مرت به من محن، فتذكرت تباعًا كل شيء، كم سنة مرت؟
وكم مرة وقعت ونهضت من جديد؟، أشياء كثيرة مرت بها وبكل مرة تسقط بها كانت تنهض من جديد مشجعة ذاتها بأنها الأفضل وأن غدًا سيحمل مفاجآت ستسعدها بكل تأكيد ..
متذكرة دائمًا بأن لكل مجتهد نصيب وهي حقًا كانت تفعل كل ما بوسعها حتى تصل لما وصلت عليه الآن ..
الحنين للماضي نعمة أو نقمة وذلك يندرج حسب الظروف التي تعايشنا بها وما مررنا من حلو ومر، وهي رغم وحدتها لأعوام طويلة منذ وفاة والديها مبكرًا وأكملت حياتها بمفردها دون سند أو أخ تتكئ عليه ولكن استطاعت أن تصنع الكثير وأن لا تقف أبدًا بل تحاول أن تفعل ما بمقدرتها وأكثر بكثير.
******
فلاش باك..
عينيها الزيتونية تلمع بشدة، السعادة والفرحة هي كل ما تشعر به ينقصها فقط أن تملك جناحين وتطير مثل الطيور فتنشر البهجة للجميع .. تقف أمام مكتبها الجديد، الحلم أصبح حقيقة وبعد ثلاث سنوات استطاعت أن تحقق ما لم يستطع أحد تحقيقه، تراقب الإسم بكل سعادة، من هنا ستبدأ على أرض الواقع ومن هنا ستحقق كل ما تريده وأكثر .. لا تصدق بأن الفكرة التي بدأت بها كبرت وأصبحت بمكانها الصحيح، تذكرت وهي صغيرة عندما كانت تحب تنظيم الأشياء وتركيب الألوان ببعضها البعض، كيف مع مرور الوقت بدأ الأمر يأخذ منحنى آخر بداخلها وأنه المنفس الذي تهرب به من الحياة خاصة من بعد وفاة والديها، ومن بعدها قررت أن تستغل هذا الشغف لشيء فعلي تجني منه الأموال، ومنذ أن أنار عقلها بالفكرة، بدأت وبحثت كثيرًا حتى قامت بأول عيد ميلاد ومن هنا كانت البداية لكل شيء وها بعد ثلاثة سنوات من التعب استطاعت أن تحقق اسم صغير لنفسها بعالم تصميم الحفلات .. التفت لصديقتها مريم والتي أصبحت مساعدتها، صديقة أهدتها لها الحياة تتذكر عندما تعرفت عليها بالجامعة وهي أول من ساعدتها على تحقيق ما تريده .. تحدثت مريم بملامح حملت البهجة والسرور لقلبيهما:
وأخيرا الحلم اتحقق .. فاكرة أول مرة حكتيلي على اللي بتعمليه وأن ازاي بتفكري تكبري الحاجة اللي بتحبيها.
ابعدت خصلات شعرها الثائرة عن عيناها التي ترتكز مع اليافطة وتحدثت ببسمة لتذكر لما مضى:
يااااه مكنتش اتخيل أن في يوم هيبقى ليا براند كدة ومكان لوحدي، كنت عارفة أن هتعب لسنين طويلة عشان أقدر بس أتعرف لكن ربنا كرمه واسع ليا، بعدين دة كفاية أن اتعرفت عليكي من الجامعة.
ضحكت الأخرى بإستمتاع مجيبة:
اه فاكرة لما كنتي بتبقي حذرة مني، وتبقي عارفة امتى تقولي أي وليه ومش أي حاجة تتقال وخلاص .. تقريبًا تعبت عقبال ما وصلت ليڤل الوحش بعدين متنسيش أن كنت بعمل ملخصات وأنت تذاكري أنت مكنتيش هتنجحي لولايا.
التفت لها ثم ضربتها صبا على كتفها بمزاح قائلة بغرور:
أنا شاطرة من زمان يا حبيبتي بس حلمي هو اللي كان شاغل تفكيري حبتين .. والصراحة كدة كنت زهقت من المذاكرة ف مكنش ليا نفس اذاكر كنت عايزة اللي ينجحني وخلاص.
هزت مريم رأسها بسخرية وتكلمت رافعة إحدى حاجبيها متعجبة:
ايوة بأمارة التقديرات العالية اللي كنتي بتجبيها، يخربيت شغل اليهود دة.
رفعت صبا رأسها بكبرياء وازاحت تراب وهمي من على كتفيها قائلة:
قولتلك من زمان وأنا شاطرة يعني دي أقل حاجة عندي.
ضحكت مريم عليها ثم رمقتها باهتمام مردفة:
طب وأي البلان اللي هتعمليها، أنت عارفة أن الأونلاين مختلف على أرض الواقع.
التفت مرة أخرى للمكتب، لا تنكر بأن الخوف والتوتر مترقب لها كوحش سينقض على فريسته لكنها تحاول أن تتلذذ بحلاوة هذا الشعور الذي لن يتكرر كثيرًا .. ستحاول وستعمل كل ما بمقدرتها حتى تستطيع الوقوف على قدميها بشكل ثابت .. تحدثت وعقلها يسرح بمكان أخر تتخيل مكانتها بعد أعوام :
عايزة أعمل حاجة مختلفة تخليني مميزة وسط مية واحد
نظرت لها مريم بعدم فهم مجيبة:
بمعنى
نظرت لها صبا بملامح مشرقة قائلة موضحة لحديثها:
يعني عايزة أعرف أي اللي موجود في السوق، المصممين بيعملوا أي، وأي الحاجات اللي أي حد بيدور عليها وبعد ما الاقي كل دة أعمل عكسه .. أشوف متطلبات الناس محتاجة أي وأي التفاصيل الصغيرة اللي تخلي واحد يجيلي وميروحش لحد تاني.
أعجبها تفكيرها لذلك تحدثت مريم بتفكير:
كدة محتاجة تدرسي بشكل كويس وبحث مكثف .. تشوفي أنت أي المميز اللي تقدري تضفيه، التفاصيل الصغيرة هتفرق كتير أوي
تحدثت صبا موضحة:
ودة اللي هنشتغل عليه الفترة الجاية وبعدين أفكر في العروض وكل اللي محتاجه
أهدتها مريم إبتسامة محمسة وأردفت:
وأنا معاكي في أي حاجة.
تمتن لوجودها وتشكر الله كثيرًا على نعمه، تحدثت صبا بحماس:
والله أنت تجيبي حضن وبوسة
أحتضن الإثنتان بعضهما البعض، بداخل كل منهما أحلام مختلفة لكن التقيا من طرق مختلفة، ف الإختلاف دائمًا طريق التميز وإختلافهما كان له النكهه التي ستضيف الكثير في حياتهما ورغم ذلك لم تتركهم المحن وأصعب الظروف لكن مجرد إتكاء كل منهما للآخر كان يعطي نتائج غير متوقعة.
*******
بمنزل هادي..
جلس على الفراش واتكئ بجسده للخلف، هبط بجسده واخرج تأوهات متألمة نتيجة التعب الذي يغزوه .. اليوم كبر حلمه بإفتتاح فرع جديد ينضم لسلسلة مطاعمه الشهيرة، تذكر الأيام الماضية والجهد الذي بذله ليخرج المطعم بهذا الشكل، بزائد جولاته التي يقوم بها دائمًا على فروعه حتى يتأكد من سير كل شيء .. لو أتى أحد منذ أن كان عمره الثامنة عشر سنة وتحدث بأنه سيحدث ضجة مستقبلًا سيعتقده مخبول قد فقد عقله وجاء إليه للمزاح ولكن المشروع الصغير كبر وأصبح من أهم المطاعم المشهورة وأصبح هو شخصيًا من الشخصيات الفارقة بعالم الطبخ، يتذكر حنينه للأيام عندما كانت أخته، حبيبته وقطعة من قلبه التي ساعدته بحياتها كلها ولم تتركه بيوم .. توفى والدهما عندما كان يلتحق بأحد الكليات وكانت حينها أخته تصغره بثلاث سنوات، تركاهما بوقت صعب للغاية، لا عائلة ولا ميراث يمكن التصرف به، الأعباء زادت عليه والمعاش يكاد يجيب طلبات المنزل، حاول العمل بجانب دراسته ولكن العمل أيضًا لم يكن يكفي الإحتياج وبيوم ما قرر أن يفتح مشروع لهما صغير، ظل لأيام يفكر حتى اهتدى فكرة مشروع طعام صغير .. وفعليًا بدأ بالمشاهدة على جميع قنوات الطبخ هو وريم حتى الكتب كان يبتاعها ليجرب كل ما هو جديد وبدأ يشيع بالمكان حوله بأنهم يقومان بمشروع طعام، أحيانًا كان يجد شخص يحتاج وأحيانًا لا ولكن هذا كان يزيده تعلم ويعلم صغيرته كل ما هو به تفاني صغيرة للطعام، كبرا الإثنان سويًا وبدأت المنطقة تأخذ منهما حسب الطلب والرغبة وكان يحاول دائمًا هو وأخته تعلم كل الجديد حتى لا يطلب أحد شيء ولا يجده .. مرت الأيام وكانت ريم تساعده بجانب دراستها ويوم بعد يوم المشروع يكبر حتى أنه بدأ يذهب للنوادي الكبيرة ويعرض عمله هناك على الرواد حتى إنه في مرة قابل المدير وكان بشوش للغاية، فساعده عندما رأى فيه حماس الشباب وبعد خمس سنوات من العمل بدأ بأول محل يعمل به بمفرده مع أخته، ومن بعدها أرزقه الله من حيث لا يعلم ورغم الصعوبات التي كانت تواجه هادي وريم ولكن ظل مساندتهما لبعضهما هي الطريقة المثالية لإكمال الطريق وها هو يفتتح مطعم جديد بعبئ جديد وأكرم ريم بزوج صالح عطوف عليها، كان يدعي ربه دائمًا أن يكرم صغيرته ريم وأن يساندها لأنها تعبت كثيرًا معه في الطريق، زفر بتعب رغم زيادة الأعباء من كل جانب ولكنه يشعر بالراحة لما استطاع أن يحققه وأنه لم يكتفي بشهادته فقط بل اجتهد وافتتح مطعم خاص به فأحدث طفرة كبيرة .. حقًا هو سعيد لما وصل إليه ولما يفعله إلى الآن.
******
بعد مرور أعوام ..
قبل ثلاث سنوات بداية صداقتهما..
مكتب صبا..
غاضبة، حانقة، منفعلة، كل هذه الصفات كانت بادية على ملامحها منذ أن أتت والتي لم يسلم منها الجميع حتى مريم، فقررت أن تجازف وتذهب لها لتعلم ما حدث .. اقتربت منها بتوجس تراقبها عن قرب وقالت متسائلة:
مالك من الصبح ..مش طايقة حد يتنفس جمبك ليه
رمقتها صبا بغضب يموج بعيناها فتحدثت منفعلة:
أنا يعمل معايا كدة والله لفضحه في كل مكان ويبقى يوريني الناس هتروح للمطعم بتاعه إزاي.
نظرت لها مريم بتخبط وهي لا تدري عما تتحدث .. أردفت مستفسرة بإهتمام:
كدة مش فاهمة حاجة ينفع توضحي
زفرت الأخرى بغضب وأردفت بإنفعال:
الشيف بيضحك عليا في الفلوس والأكل بتاعه جودته مبقتش أد كدة .. وأخر خطوبة الناس اشتكت من الحلويات ويقولي يا تزودي الفلوس يا مش هكمل تاني.
مأزق كبير حقًا فقالت مريم مستفسرة:
وعملتي أي معاه
أعادت خصلات شعرها للخلف وقالت:
اتخانقت معاه وقولته أخر فلوس مش هتاخدها واللي عندك اعمله ويبقى يوريني هيعمل أي.
فكرت مريم تحاول إيجاد حل لهذه المشكلة، فتحدثت بتوهان:
طب وهنعمل أي .. دة موال عقبال ما نشوف حد تاني
ارتخت ملامحها قليلًا وأجابت صبا موضحة:
امبارح منمتش غير ما لقيت مطعم تاني وهروح أكلم الشيف بتاعه وأشوف بقى.
أجابتها مريم قائلة:
طب أنت لازم تلحقي تروحي عشان الحفلات الجاية.
نهضت صبا وأجابتها بتعجل:
هروح بالليل اتعشى في المطعم الأول وأجربه بعدين هتكلم مع الشيف، أنا هروح دلوقتي عشان مش طايقة حد ومحتاجة ابقى لوحدي وأنت خليكي في المحل بقى.
أجابت الأخرى متهكمة:
اه ما الست الهانم تتعصب وأنا اشيل الدنيا
قبلتها صبا بحب وأردفت :
وأنا ليا مين غير مريومة
تركت صبا مكتبها واتجهت لمنزلها حتى تأخذ راحتها التي انتشلها منها هذا الشيف بينما تحدثت مريم ناظرة لرحيلها بضيق:
دة اللي فالحة فيه بوستين وأجري.
******
بالمساء، مطعم البكري ..
وضع أخر طبق أمامها من الطعام ثم أهداها النادل بسمة فشكرته صبا ومن بعدها أنصرف، نظرت للأطباق لبعض من الوقت تتفحصهم بدقة، لا تنكر بأن الشكل خطف عينيها فهتفت لذاتها بتساؤل:
الأكل شكله حلو، يارب الطعم يبقى زي شكله
وضعت الشوكة باللحمة ثم وضعتها بفمها، تأوهت بإستمتاع وظلت تتذوق من الأطباق جميعها وملامح وجهها مستمتعة لأبعد حد، شعرت بأنه المختار وتمنت أن تأخذ هذا الشيف معها .. سمعت كثيرًا عنه وعن سلسلة البكري الشهيرة وحقيقة منذ أن أتت وهي منبهره بكل شيء تراه حتى تعامل العاملين مع الناس به بعض من اللطافة والراحة، حقًا لن تخرج من هنا قبل أن تتعامل معه .
كان النادل يسير حاملًا على يديه بعض من أكواب العصير وعندما اقترب من الطاولة فجأة انزلقت قدمه على الرخام وبينما يحاول الحفاظ على نفسه وعلى الأكواب لكن فشل .. انسكب الأكواب على ملابس الرجل أمامه، نهض الرجل بغضب بعدما وقع عليه العصير فتحولت عينيه لكتلتين من النار تكاد تحرق النادل فتحدث بصوته عاليًا غاضبًا:
أي اللي أنت هببته دة
اضطرب النادل للغاية والقلق اعترى وجهه فتحدث أسفا بنبرة خافتة:
أنا أسف غصب عني، هجيب لحضرتك مناديل ثواني
صاح الرجل بغضب شديد وأردف:
مناديل أي وزفت أي، همشي أنا ازاي بالمنظر دة .. أي أعمى مبتشوفش طلما مش عارف تمشي يبقى تعقد في بيتكم
لم يقدر على النظر لعينيه شاعرًا بالخجل لما فعله ولكن حقًا لا يعلم كيف انزلق وأختل توازنه يشعر بالخوف لو توصل هذا للمدير ولن يعمل مجددًا وسيتعب كثيرًا حتى يجد مكان أخر يتقبله، حاول أن يعتذر عن فعلته محاولة لتدارك الأمر قبل أن يتفاقم، قال بنبره خافته قلقة:
أنا اسف حضرتك وحقيقي خطأ غير مقصود
نظر لملابسه بغضب وللنادل مرة أخرى وتحدث بنبرة عالية حادة:
فين المدير، المدير فين، دة لازم يمشي فورًا
الجميع كان يشاهد بإهتمام ومن بينهم هي، التي كانت تعلم بأن النادل لن يكمل ثانية وعلى أثر النداء أتى هادي بخطوات هادئة يسير بها، ملامح وجهه هادئة تكاد تكون جامدة لا تحمل أي مشاعر، وقف أمام الإثنان يقيم ما يحدث بعينيه من بعدها تحدث بنبرة رخيمة وهو يرى الرجل وقميصه الذي تلطخ بالعصير:
حصل أي يا فندم
تحدث الرجل بنبرة حادة عالية:
البيه أعمى مش عارف يمشي ووقع عليا العصير كله، مش عارف ازاي تشغلوا ناس زي كدة، دة لازم يترفد فورًا
رمقه هادي بنظرات هادئة لم ترقى كثيرًا للآخر والتف بجسده للنادل الذي يقف مطأطأ الرأس مضطربًا، خائفًا لما يعلم بأنه سيحدث لا محال، تحدث هادي مستفسرًا:
أي اللي حصل
خبط الرجل على المنضدة بقوة قائلا:
أنت لسه هتسأله دة يترفد فورًا
رمقه هادي بأعين قوية حادة وملامح وجهه قاسية قائلًا بنبرة مقتضبة:
أولا لما تتكلم صوتك يبقى واطي، أنا جمبك مش بتنده عليا من بعيد، ثانيًا متعودش أرفد حد من غير ما أسمع عمل كدة ليه .. التف بناظره للنادل وقال ها حصل أي
بنبرة خافتة أجاب عليه النادل والخوف بادئ على ملامح وجهه:
مفيش يا شيف أنا كنت ماشي عادي ولقيت رجلي اتزحلقت فجأة أو الجزمة كانت نعمة ف خلتني اتزحلق حاولت اتفادى الوقوع ف العصير اتدلق عليه
الأجواء كانت مضطربة والأعصاب مشدودة للغاية .. صمت لدقيقة واحدة وأجاب بنبرته الرخيمة:
طيب روح أنت جوة وبعد كدة تخلي بالك .. وتجيب جزمة متتزحقلش
صدمة، ثواني مرت والجميع من حوله واجمين من بينهم كانت هي التي تابعت بشغف مما سيحدث، فانتظر الجميع ما سيحدث وكأن هذه هي نهاية الفيلم الشيق.. الراحة غزت وجهه والقلق تبدل بفرحة داخلية لما فعله معه لم يكن يصدق لكن نظره لعيني هادي كانت صادقة لغاية لذلك أردف وعينيه تكاد تبكي فرحًا فهتف قائلا بفرحة:
شكرًا لحضرتك شكرًا بجد
دخل النادل سريعًا بينما التف هادي وهو يرى الغضب الشديد والامتعاض على وجهه لذلك تحدث بهدوء:
النادل مغلطش في حاجة وأنا بتأسف للي حصل وممكن حاجة زي دي تحصل في أي وقت
رأى الجميع من حوله منتظرين ردة فعله لكن البعض كان مستمتع وفرح بما فعله هادي، أجابه الآخر غاضبًا ممتعضًا:
الولد ده لو مترفدش يبقى تقول على مطعمك ده الله يرحمه
ملامح وجهه قست ورماديه عيناه عصفت بالكثير ينتظر فقط الإشارة لتهب فورًا، أشار له هادي قائلا بهدوء:
تقدر تتفضل برة ومتجيش تاني عشان ساعتها معملش تصرف غير لائق
لم يجد شيء يمكن أن يقوم به، فظل يكيل بالسباب ويهدد بأن مطعمه سينغلق وينتهي اسمه، أخذ الرجل أشياؤه وذهب مع زوجته .. التف هادي بجسده ليعود لمكتبه مجددًا، فوجد فتاة تملك ملامح مليحة مريحة للنفس، لم تكن إلا صبا التي كانت تنظر بعينيها الزيتونية تلمع من الإعجاب، فتقابل رمادية عيناه بغاباتها الخضراء .. قررت أن تتحدث معرفة بنفسها:
صبا البنداري مصممة حفلات وكنت محتاجة أن اتكلم مع حضرتك .. ممكن
أشار بيديه لمكتبه وتحدث قائلًا:
اتفضلي
جلست أمامه وجلس هو الآخر ثم تحدثت صبا موضحة:
أنا مصممة حفلات جميع الحفلات أعياد ميلاد، خطوبة، حفلات زفاف، تقدر تقول كل حاجة ليها علاقة بالتنظيم وكنت متعاقدة مع شيف بتعامل معاه في شغلي بس اختلفنا وسبته وحاليا بدور على مطعم أتعاون معاه
رمقها هادي قليلا ثم تحدث بنبرته الرخيمة:
تمام مفيش مشكلة، نقدر نتكلم ونشوف هنوصل للإتفاق فين.
وتم الإتفاق على أكمل وجه، لا تنكر صبا بأن هادي أعجبها كثيرًا أخلاقيًا وخارجيًا خصوصًا مع بدلته الأنيقة التي برزت معالم جسده الرياضية، بزائد معاملته الهادئة مع الحادث الذي وقع، تشعر بالراحة للنظر لوجهه وتشعر بأن هذا التعاون سيكون جيد على الإطلاق.
*********
بعد مرور عدة أشهر..
كانت تقف مع العمال تنظم معهم بعض الأشياء وحينما انتهت من تعليقاتها على بعض الأشياء وقفت بجانب هادي، تحدث هادي بنبرة رخيمة:
القماش دة محتاج يبقى أسود عشان يمشي مع الديكورات
نظرت لها بإستغراب وأردفت:
وده ليه
رمق المكان من حوله وأجاب:
هيبقى شكله أشيك أكتر ويدي شكل أفضل للي يبص من برة.
ابتسمت صبا ولم تجيبه وحقًا لا تنكر بأن لديه ذوق مختلف لكنه رائع، منذ أن تعاونت معه وهو معها دائمًا للإشراف على الشيفات للطعام المتواجد، وحقيقة بعد كل حفلة تقوم بها كان الجميع يشيد بجهوده في جميع الأطعمة وهي شخصيًا سعدت بالتعاون معه .. أتى أحد الشيفات من الداخل والقلق يغزو وجهه بكثرة وتحدث مضطربًا:
يا شيف كنت بستأذنك لازم امشي دلوقتي مراتي بتولد ومحتجاني جمبها ولو على الشغل فخليت حد يكمل مكاني
هز رأسه موافقا وأجاب:
روح وخليك معاها .. ابنك جاي ولازم تبقى أول من يشيله وأجازة لمدة عشرة أيام عقبال ما ابنك يشد حيله وإذا كان على الشغل هكمل مكانك
شعور الإمتنان بداخله كبير لما سمعه خاصة بأنه مرتعب أن يسمع الرفض خاصة بوسط عمله ولكن حقًا سعد للغاية وبينما الرجل يشكره أخرج بعض من الأموال من جيب بنطاله وأعطاه له، اعترض الرجل بشدة وصمم على رأيه بعدم أخذ المال ولكن هادي أعطاه المال قائلا بحدة:
الفلوس دي لابنك مش ليك هدية وجوده على الدنيا، مبروك للمدام وربنا يقومها بالسلامة
شكره كثيرًا وركض سريعًا للخارج متجها لزوجته بينما صبا رمقته بتعجب وانبهار داخلها فتحدثت مستفسرة:
كنت معتقدة أنك هترفض
نظر لها بصمت ثم ولى إهتمام للعمال وتحدث بعدها موضحًا:
مينفعش مراته تبقى محتجاه وميبقاش جمبها وبعدين ابنه محتاجه
حقيقة بكل مرة تتعجب من هذا الرجل وما يفعله .. بكل مرة يبهرها حقًا بأفعاله حتى عمله متفاني به للغاية .. هي شخصيا أعجبت بأخلاقه وإنسانيته، حقًا تشعر بالراحة داخلها بتعاملها معه عكس الآخر الذي ينافي أسلوبه معه، أنها وثقت به رغم بأنها دائمًا حريصة بالتعامل مع الناس هكذا علمها السوق ألا تثق بأحد إطلاقًا ولكن يبدو بأنه مختلف عن الجميع وأن الأيام القادمة تحمل الكثير بجعبتها وستأخذ بمنحى آخر بينهم.
أنت تقرأ
لمحة عن الغرام
Romanceالمقدمة .. كل شيء مباح دائمًا في الحرب والحب.. وكانت حربه عليها بغرض الحماية.. بيوم كل شيء تغير فجأة، وقلبه أصبح متلهف عليها.. فحارب بكل ما يملك من أسلحة ليفوز بها.. لكن الحرب كانت شرسة للغاية ولم تهدأ أبدًا.. هل يستطيع الفوز بقلبها أم أن الحياة ل...