قبل أن تسألوني عن قوة شخصيتي ، اسألوني عن رحلتي مع الضعف ، اسألوني عن جراحاتي الأولى ، عن اضطرابات طفولتي ، و حجرات الكتمان التي فاضت بكل لم أكن أقوى على قوله أو فعله لحماية نفسي من التلف ...اسألوني كيف اصبحت سيول الكتمان عُقدا و تكدسات تظهر جليا على شخصيتي و كيف ارتديتُ قناعا من القوة و هربتُ من كل تلك الهشاشة بداخلي ، و كيف تمردتُ على الحياة و أردتُ أن أصبح سيئا عن عمد ، و أفكر في مصلحتي عن قصد ، و انتقم من خيبات الأمس بانتصارات الغد ...اسألوني عن أخطائي الجسيمة التي كلفتني الكثير ، عن تصرفاتي الطفولية المغرورة التي كانت تعكس اختلالي الخفي و تناقضاتي ، عن تظاهري بالسعادة و الكمال حينما كنتُ مشتتا ، و حاجتي الماسة إلى إبهار من حولي حتى استطيع الشعور بوجودي ...
اسألوني عن قيمتي التي لم أكن اشعر بها و كنتُ ابحث عنها في عيون الناس ، في كلماتهم ، في آرائهم ، في اهتمامهم ، في غيرتهم مني أو حتى كرههم لي . و كبريائي الذي اختزل كياني و كان وجوده قائما على نظرة المجتمع إلي...ذلك المجتمع الذي يدمرك من الداخل و يجبرك ان تلمع من الخارج حتى تتوافق معه ....
اسألوني عن استيقاظي من وهم الزيف ، و التوقف عن الهروب من ضعفي من نفسي ، من مخاوفي ، و التظاهر بأشياء لا أشعر بها و لا تمثلني ...
اسألوني عن عزلتي القاتلة ، حيث خرجت كل اطياف الكتمان تراقصني ،و هذه المرة لم اهرب الى سطحيات الحياة التافهة التي كانت تجعلني اتعلق بأي شيء و كل شيء حتى لا أواجه نفسي .
طفت إلى السطح كل تلك الأحاسيس المرعبة التي لم أكن اقوى على مواجهتها ...خوفي من التخلي ، شعوري بعدم القيمة ، حاجتي الى الحب و في نفس الوقت الخوف منه ، حاجتي إلى السند و الاهتمام ...هلعي من الوحدة ...وقفتُ صامدا امام كل احتياجاتي و مخاوفي ...و اكتشفت أني بعد أن تخليتُ عن الزيف و السطحيات لم يتبقى لي شيء أو أحد ، ...اخترت طريق العزلة لأنها كانت الطريق الوحيدة المؤذية الى ما هو حقيقي بداخلي ...
اسألوني عن دموعي ، عن امتزاجي بالضعف حد انصهاري و رغم ذلك بقائي مصرا على عدم الرجوع الى الزيف ، عن وحدتي القاتلة و رغم ذلك اصراري ألا أُعاشر من لا أشعر بهم مهما كانت المصالح أو المغريات ، عن حاجتي الى الحب و رغم ذلك اصراري على عدم قبول أي حب مبني على احتياجات جسدية او مادية أو عاطفية لا ترقى الى رابطتي الروحية التي ابنيها مع نفسي في قلب عزلتي ، عن مغريات الحياة الزائفة التي لا تنفك تطاردني و رغم ذلك أصر ألاَّ اقبل إلا ما هو حقيقي.....
اسألوني كيف وجدتُ في جوف العزلة الموحشة ، نفسي و قيمتي و حقيقتي ، و كيف اختفت تلقائيا كل فجوات التعلق بداخلي و صار من المستحيل أن أتعلق بأي شيء أو أي كان ، و كيف سامحتُ نفسي على كل اخطائها و سامحتُ من أخطأوا في حقها حتى أثبت قيمتي ، و اصبحتُ انا السند الأول و الأخير لِي ...
قبل أن تسألوني عن قوة شخصيتي ، دعوني أخبركم أن القوة لا وجود لها دون الامتزاج بالضعف ، و تفادي الضعف لا يخلق منا سوى كائنات نرجسية معقدة هاربة من ذواتها تبحث عن سر وجودها في التعلقات و لمعان القشور و العلاقات السامة.
اليوم ما عدتُ بالحاجة الى قناع ...كم جميل أن أستطيع الخروج الى العالم بحقيقتي دون خوف ، لأني أعرف أني الآن وراء طيبتي و عفويتي أخفي قوة عظيمة لا يستطيع أي زيف اختراقها.
أنت تقرأ
أعماق الذات
Acakكثيرة هي الطرق التي نسلكها في حياتنا ، أحيانا نصيب وكثيرا مانخطئ تأخذنا الأيام الى عوالم لم يكن يخطر ع بالنا أننا سنغوص في تفاصيلها ، غريبة هي الذات وتفاصيلها الإنسان كتله من المشاعر تتصارع فيما بينها الذات والروح والنفس العقل والقلب دائما مايكون ا...