الفصل الثالث والثلاثون (حقائق مُميتة)

25.9K 1.8K 830
                                    

متنسوش (الڤوت⭐) وكومنتاتكم يا قمرات♥

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال النَّبي -ﷺ-:
«النَّدم توبَة، والتّائبُ من الذَّنب كمَن لا ذَنب له».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

•(الفصل الثالث والثلاثون)
•(حقائق مُميتة)
•(أبناء هارون)

كنت أظن بأن الحياة تُعطي أكثر مما تأخذ، لكنها في كلِ مرة تُدهشني بأخذ كل ما أُحِب!

تلك المرة لم تكن المُصيبة هيَّنة عليه بتاتًا، لقد زفَّ إليه الطبيب خبر وفاة ابن عمه للتو! نظر "رائف" للوجوه بنظرة تائهة علَّه يستشف كَذِب ما استمع إليه، لكن ولبشاعة الأمر كل شيء حوله يوحي بحقيقة ما يُعايشه، صُمَّت أُذناه عن صوت الصُراخ الذي صعد من "بثينة" وامتد صداه في أرجاء المشفى، وشاركتها "نور" الصراخ وبكت بقهرةٍ حُزنًا على فراق أخيها، بينما "صبري" ارتمى على أقرب مقعد ودفن وجهه بين كفيه يكتم نشيجه، والجميع غافل عن التمتمات التي خرجت من فاهه وَسط تلك الفوضى.

نظر بشرود إلى اليد التي وُضِعت على كتفه لتُواسيه، فرفع عينه إليها ليجدها "نرجس" التي تُحاوطه بنظراتها الحزينة، وكأنه وجد ملازه ومأمنه وَسط كومة من الخراب المُحترق، فراحَ يشكو لها كصغيرٍ فقد كل شيءٍ في تلك الحياة ولم يبقَ سواها:
_بـ.. بيقول.. "رأفت"!! مات إزاي؟! دا.. دا كان معايا من شوية بس!

تسلل الدمع إلى عينيها حُزنًا على حالته تارةً، وتارةً أخرى على وفاة "رأفت"، ذلك الذي كان بمثابة شقيق لزوجها وأكبر داعم له منذ أن خطت قدماه منزل "آل مُحمدي"، لكن شاء القدر أن يقتطف منهم تلك الثمرة اليانعة ويترك مكانها فارغًا صلدًا ليُعاني أحباؤه ألم الفُراق المُبرح، ضمت كتفيه إليها وواسته بمؤازرة مُبكية:

_اللهُ يعطي والله يأخذ ما يُريد، إنَّا لله وإنَّ إليه راجعون.

سمح في تلك اللحظة لدموعه بالإنهمار، بضعة كلماتٍ فتت الزجاج المُحيط بفؤاده وجعلته ينهار في أحضانها باكيًا، كيف رحل صديق أيامه في مثل لمح البصر، منذ قليل فقط كان يُشاكسه كعادته، فيستقبل "رأفت" مزاحه بمزاحٍ أثقل حينما يلكمه، وينتهي الأمر بضحكاتهم التي تعلو بصخبٍ، كل مزحة، كلمة، حديث، مشاكسة، محفورة داخل فؤاد "رائف" الذي يسترجع شريط ذكرياته مع "رأفت" الآن، مهلًا! هل قال ذكريات! هل أصبح "رأفت" في حياته مُجرد ذكرىٰ سيعيش على صداها فقط بعد الآن!

_"رائــف"!

نادته بها "نرجس" بخفوت لتنتشله من زوبعة أحزانه، رأت عينه المُغرورقة بالدموع ووجنتاه المُبتلتان بعبراته الكثيفة، رفعت كفاها وجففت وجهه بحنوٍ وهو مُستسلم لها بضعفٍ جَم، لاحظ إشارتها بعينيها إلى أحد الأركان فانتقل ببصره حيث تُشير، فلفت انتباهه جده الذي استند على حائط المشفى الرخامي وتنفسه يعلو بشكلٍ مُريب، طالعه بتردد لعدة لحظات قبل أن يتذكر جُملة "رأفت" التي ترددت صداها في أذناه الآن:

أبناء هارونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن