الفصل الأول

1.2K 54 23
                                    

الفصل الأول

لم تعد ضوضاء القاهرة و ازدحامها يشغلان شيء في نفسها ، دعنا لا نقول أنها اعتادت بقدر حقيقة أنها لم تعد تبالي لشيء ، هذا اليوم و كبقية أيام أغسطس الملتهبة الثقيلة تزاول عملها مرغمة ، جلست في أحد زوايا المطعم تتناول وجبة الغداء لتعود سريعا إلى المدرسة العالمية للغات الأجنبية حيث تشغل فيها منصب أستاذة اللغة الإسبانية ، تحدث نفسها
" تبا ، لِمَ يقع الإنسان فريسة لاحتياجاته ليصبح مُجبرا على الخروج من بيته الآمن ؟

لم تكن تنتظر الإجابة ذاكرتها وضعت أمامها صور الفواتير الملتزمة بتسديدها ، ابتسمت بسخرية وأخذت تلوك شطيرتها بسرعة حتى تفرغ منها سريعا ..

لِم نشتاق ؟ سؤال أخر داهم خاطرها وهي تشق طريقها نحو مبنى المدرسة، أخذت نفسا عميقا.. الشوق أبسط شعور يتملك الإنسان حتى يضاعف  ألم الفراق أو الفقد أما في حالتها هي كان الشعور الذي يذكرها دائما بالحسرة التي تحاول إنكارها .

(نيجار ألبار) فتاة في السابعة والعشرون من عمرها إسبانية ذات جذور مصرية ، بعد أن عاندتها الحياة كثيرا قررت ترك مالقة والهجرة إلى مكان جديد لا تعرف فيه أحد و لا يعرفها فيه أحد فتذكرت مصر البلد الذي لطالما تحدثت عنه والدتها و كان لها نصيب في عمل وجدته هناك فتركت كل شيء وراءها و ألقت بنفسها بين أحضان القاهرة ، لم تكن تجيد اللغة العربية كثيرا بضع كلمات فحسب لكن لا بأس مادامت تتحدث الإنجليزية .

مرت سنتان على تواجدها هنا، هل أحبت المكان ؟ مازالت غريبة فيه لا تنتمي، هل تحب عملها ؟ طبعا لا ، هل نسيت ما أصابها في غربتها  ؟ لم تنسى.
إذن ، ما الذي يجعلها تبقى هنا ؟ لا شيء!لا شيء سوى الراحة ، لا تدري كيف ولكن في بيتها هنا حين تضع رأسها لتنام لا تراودها أحلام مزعجة أو بالأحرى لم تعد تحلم ولم تعد ترى كوابيس كذلك ... راحة هذا ما يربطها بهذا المكان .

كان لرسائل أخيها قوة في جعلها تقاوم حياتها التعيسة كيف لا وهو ما تبقى لها من عائلتها و ما يربطها بالحياة (أندرو ألبار) يكبرها بأربع سنوات لكنه أب بالمعنى الحقيقي ، لم يسمح بمغادرتها إلا لأنه كان يعلم أن بقائها برفقته لن يجعلها تتعافى وتمارس حياتها بصورة طبيعية .. شعلته ، صغيرته الحمراء هكذا كان يلقبها بسبب شعرها الأحمر ووجهها الأبيض الذي يغزوه النمش البني ، حركتها نشيطة و طاقتها جميلة تبعث البهجة بابتسامتها الرقيقة ..
أما هو لضخامته وطول قامته كانت تناديه مصارع الثيران فكان يخبرها أنه يتمنى أن يمارس هذه الرياضة ولو لمرة واحدة لكنه يخشى عليها إن أصابه مكروه..
الأخ ينبض له القلب بشكل آخر ، وجيف خفيف يحدث بلمسة حانية من يده على الكتف ، سكينة لا مثيل لها بين ذراعيه و هو يشاركك الهموم ، الهدية التي لا تقدر بثمن ، لو سأل أحدهم نيجار ماذا يمثل لك أندرو لقالت الدنيا بدون تردد.

نيجار(الشعلة التي أنارت درب الصواب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن