الفصل الثالث

208 17 2
                                    

الفصل الثالث

اعتدلت الشمس في السماء يبدّد حرّها بعض الهواء الساخن الذي تحدثه المروحية وهي تشق طريقها إلى وجهتها ، كان هو من يقود وهي تجلس وراءه ساكنة بعكس ما ينتابها من خوف ، الفعل الوحيد الذي يمكنه التخفيف عنها هو التفكير ، أغمضت عيناها واسترخت استرخاء النائم ..

قبل ثلاث سنوات ..

على رصيف ميناء كوستا ديل سول البحري كانت تقف يقين بضجر قبل أن تقترب منها نيجار ترتدي فستانا أبيض وخفا برجليها ، اقتربت منها يقين بعينيّن لامعتيّن ثم اندفعتا نحو بعضهما تتعانقان بحنان  وشوق ثم تبادلتا السؤال عن الأحوال ثم قالت يقين بحماس :
ـ أنتِ أجمل بكثير من الصور يا نيجار حتى صوتك أحلى بالواقع !

شعرت نيجار بلطافة الإطراء فقالت :
ـ أما أنا فأشعر أنني أعرفكِ منذ الأبد ، أنتِ كذلك جميلة و حلوة كما تخيلتك تماما .

تعارفت الفتاتين على الفيسبوك وجدتا في بعضهما الصداقة التي لم تحظيا بها مع قريب ، ربما رغبة نيجار في التعرف على الثقافة المصرية أو ربما حاجتها للحديث مع غريب يفهمها دون أن يتأثر بحالها لكنها وجدت في يقين الحب والإيثار وكانت هي لها كذلك صدرا يتسع لهمومها .
جميلة، أليس كذلك ؟ تلك العاطفة التي لا تقيدها مسافات و لا ينقص منها بعد ، تلك التي تقويها الكلمة الطيبة و تنميها النوايا الصادقة ، التي إن لم يكتب فيها لقاء تظل قائمة على تآلف الأرواح .. جميلة ، أليس كذلك ؟

أصدرت الباخرة صوتا عالِ يدل على استعدادها للإقلاع فأمسكت يقين ذراع نيجار وتوجهتا إلى سلم الصعود ثم قالت :
ـ أشكركِ يا نيجار لأنكِ وافقت على أخذ مكاني بهذه الرحلة كي أستطيع تمضية بعض الوقت مع أمي ، لا تقلقي لن تطول أكثر من أسبوعين ثم تعودين إلى أخيكِ العزيز  ..

قالت نيجار بامتنان :
ـ الشكر لكِ حلوتي ، ربما أنا بحاجة إلى الابتعاد حتى أجدد نفسي ، لكن هذا اللقاء لا يحتسب أريد قضاء وقت طويل معكِ ، اهتمي بنفسك ..من أجلي !

تعانقتا مجددا عناق الوداع ثم بدأت نيجار في صعود السلم لكن يقين سحبتها من حقيبة ظهرها و هي تقول :
ـ حقيبة كهذه تأخذينها للتسوق و ليس لرحلة بحرية إنها لا تنفعك هنا صغيرتي .

وضعت بين يديها حقيبتها الكبيرة وأردفت :
ـ استمتعي بوقتك .. من أجلي!

لوحت لها بيدها وغادرت مهرولة دون أن تمنحها فرصة للاعتراض ، ابتسمت نيجار وهي تتمتم .. مجنونة .

صارت على السطح وبعد لحظات انطلقت  الباخرة تمخر عباب المياه الرائقة ، توجهت نيجار إلى غرفتها وجلست تتأمل البحر المتوسط من النافذة ، ضيق كبير يجثم على صدرها فهي لم تخبر أخيها بمغامرتها هذه ليقينها التام أنه ما كان ليسمح لها مهما حاولت استعطافه ،كانت تحتاج أن تتحرر من خوفه عليها الذي أصبح يحيطها به منذ فقدان والديهما ، كانت الموسيقى المنطلقة من السطح حماسية و مبهجة شعرت برغبة في العودة إلى الأعلى للاستمتاع ، فتحت حقيبة يقين وحدثت نفسها بدهشة  "كل هذه ملابس يا يقين !"

نيجار(الشعلة التي أنارت درب الصواب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن