الفصل العاشر

120 17 9
                                    

الفصل العاشر

"المعدن الأصلي يلمع "

إشبيلية...
أولئك الذي لا يؤمنون بشيء أكثر من القيم  الإنسانية طريقهم واضحة مهما تضخمت أمامهم العقبات ، إنهم يعرفون الصواب ، يعرفون أن البطولة ليست قوة بل تضحية ، يعرفون أن الأماكن لا تطيب إلا بأهلها ، والقلوب لا تنبض إلا بأحبتها، يعرفون القدرة على فعل الشيء طواعية بالرغم من عجزهم ، يعرفون أن السوء لا يمحى إلا بالإيثار أولئك هم أمل التراب في غيث السحب .
***
بعد أن جندّ المعتصم رجاله للبحث عن جحر الخبيث سلفادور  كان عليه أن يجد مخبأ آمن للطرد الذي لن يساوم أحد عليه  بحياة حبيبته أو ابنتيّه حتى وبعد أن فعل توجه بطائرته إلى قصره بمدينة الناظور المغربية ، سار بالحديقة وهو يتذكر كيف كانت نيجار تعانده وقت أحضرها هناك ويبتسم ويضغط على قبضتيّه ثم على قلبه وهو يطالع الساحل حيث وجدها نائمة ،توجه إلى غرفتها حيث كانت مبعثرة ، نظر إلى الأرض فوجد بعض الدماء الجافة  زاد غضبه وسخطه ثم على السرير حيث جلس وجد ثيابها المبقعة بالدماء كذلك ، حملهم بين يديه وتوجه إلى غرفة المراقبة ، شاهد كيف كانت ستُجن قلقا على أخيها ، شاهد كيف بعثرت الغرفة وجرحت ذراعها وقدميّها ، شاهد كيف اختارت ثيابا من خزانة أخته ، شاهد كيف كسر رجال سلفادور بابها وخدروها ثم حملوها إلى الخارج ، و لأن سلفادور كان متأكد من أن هناك كاميرات مراقبة وقف بينما رجاله يحملون نيجار إلى الخارج وقال :
- ستأتي حتما لترى كيف أخذت حبيبتك من بين جدران قلعتك ، من بلدك ، هيا كن فتى لطيف و أعد إليّ ما يخصني! نظام التوازن هذا أصبح مملا ، العالم لا يتسع للضعفاء فما فائدة بقائهم فيه ؟ ثم إن بقائك بكرسي الزعامة طال كثيرا، انتهى عهدك الآن.. الأمن لن يدعك وشأنك بعد الهجوم الذي أحدثته، آه هناك شيء آخر .. أعدت إحياء تجارة المتعة، شحنة جواهر عربية نادرة في طريقها للتوزيع و خمن ماذا ! إنها تحمل توقيعك ،أيّ ورطة أخرى ألصقتها بك أيضا ؟

بسخط غامر تناول المعتصم تحفة كانت فوق مكتبه وألقاها بعنف على شاشة لتتطاير أجزاءها ثم تتناثر على الأرض بينما يصاحبها طنين مزعج.
  ليست المرة الأولى التي يشعر فيها بالندم لإتباعه هذا الطريق فلم ينل منه سوى الخسارة ابتداء من فقدان زوجته و حادثة أخته التي كاد يفقدها للأبد مجددا وحبيبته التي لا ذنب لها حتى أنها لا تعرف حقيقته ، كأنها لعنة تلازمه لا يستطيع التخلص منها ، تخلى عنه بعض حُلفاؤه حين أعلن الحرب على سلفادور ، تباً لهكذا حياة يعيش فيها على المحك طوال الوقت! ينتظر رصاصة تضربه في ظهره أو طعنة ترديه قتيلاً، يتساءل إن كان بداخله يبحث عن هكذا ميتة ، هل ستكون فيها راحته أم عذابه وقد ترك خلفه أحبة يهددهم الموت في كل لحظة وكل ذلك بسببه؟ أصابه اليأس وهو يشعر أنه يخسر كل شيء ،وجد ذكرى تطل في رأسه عنها، في ذلك اليوم بإيطاليا حين كانا يحضران إحدى مباريات كرة القدم لنادي شهير ، كان الفريق متعادلاً مع منافسه ليفقد  الأمل في فوزه ،قرر الرحيل فوجدها تمسك يده تمنعه قائلة بابتسامتها التي يشرق بها يومه:
- و إن يكن ؟ لنخسر ، المهم أننا استمتعنا ، كل شيء يزعجك وتحاول تجاهله ستظن أنك تخطيته و الواقع أنه يضع طوبة أخرى من جدار القسوة بداخلك ، استمتع فقط حتى لا تفقد شغفك بالأشياء!
- لا أحب الخسارة.
- ليس عليك سوى تقبلها ، ربما هي مرآة تظهر لك أخطاؤك.
بينما هي تتحدث سجل الفريق هدفاً في الثواني الأخيرة لتقفز فرحاً تعانقه بسعادة .
انقبض قلبه وقد شعر بدفيء يغمره من مجرد ذكرى راودته، حدث نفسه " وحدك استطعتِ إعادة إنسانيتي، سأحافظ على هذا الجزء مني أعدك "
لكن قبل أن يحافظ عليها سيطلق العنان لشراسته مجددا ليتمكن من استعادتها .
****
جبال البرانس...
أفاقت يقين ونظرت حولها فرأت بعض الفتيات قد أفقن و الأخريات لازلن فاقدات الوعي  و الغريب في الأمر أنهم فكوا الأصفاد من أيديهن ، راحت بسرعة تقوم بعدِّهن خوفا من خاطر قد راودها لكنها اطمأنت بعدما وجدت عددهن كامل ، همست لهن بسؤالها إن ما كنّ بخير فأجبنها أنهن كذلك و مع ذلك استغربت لم استفقن والأخريات لا حركة تصدر منهن ، رجحت ذلك لعدم حصولهن على نفس الجرعة من المخدر ، تخلّى الحارس عن مكانه ، ترددت قليلاً قبل أن تنهض وتستكشف المكان ،نهضت تسير بخطوات حذرة تجاه المدخل، استرقت النظر لتجد نفق مظلم أمامها في نهايته بقعة ضوء صادرة عن شعلة نار معلقة إلى جداره ، عادت إلى فتياتها وقالت :
- المدخل آمن ، لكن كيف سنوقظ البقية ؟ لا يمكننا تركهن!
نهضت الفتيات الواعيات دفعة واحدة وتوجهن إلى حيث سارت دون حذر مندفعات رغم أنها حاولت ردعهن لكن رغبتهن في الهروب كانت أقوى من التفكير في العواقب ، خرج الحارس فجأة فاندفعت نحوه قبل أن يطلق النار ركلت سلاحه بسرعة ثم عاجلته بضربة في فكه ثم ركلة في بطنه انحني على إثرها بألم، كادت أن تضربه بكوعها ولكنه تراجع بسرعة قبل أن يستقيم و يوجه لها لكمة، أمسك ذراعها وطواه خلفها ليصبح ظهرها مواجهاً لصدره فضربته بقبضتها على بطنه ليقول بألم:
- شرسة ، سنتسلى إذًا، قلما نحظى بمنازعة ند قوي .
مدها على طول ذراعه ثم لطمها فجرح فمها و نزّت الدماء منه ، جذبها من شعرها و نادى على أحدهم وقال له :
- أسرع اللعينات انفلتن! 
استيقظت أليريا و كم تصبح سيئة حين تستيقظ على أصوات عالية ، اقتربت من يقين وأخذت تضربها بدون رحمة على وجهها وتركلها على بطنها وتلكمها حتى خارت قواها وكاد يغمى عليها فانحنت إليها ورفعتها من شعرها وقالت :
- الفتيات اللواتي خرجن سنمسكهن ونقتلهن ، هذا بسببك ، كل تصرف أحمق منك سنقتل واحدة ، جربي ذلك ! حذرتك سابقاً، أخبرتك أنك حمولة زائدة لا تضطريني للتخلص منك، يبدو أنكن فتيات العرب لا تمتلكن عقول قادرة على الاستيعاب،  متهورات ومندفعات ،غبيات كفاية لتكن سبايا للرجال .
كان الدم يتدفق من أنفها وجبينها وحتى فمها ، تطلعت فيها بغل وبصقت في وجهها فلوثته بالدماء وقالت بوهن :
- هل تظنين أن الموت يخيفنا ؟  هذه الدماء العربية التي تغطي وجهك حارة تغلي إن اندفعت المقاومة بداخلنا لن تسعك أرضٌ للاختباء .
ضربت رأسها بالأرض وقالت :
- لن يخيفك الموت لكن الحقيقة ستقتلك حتما ، ألم تتساءلي كيف وصلتن إلى هنا ؟
فقدت وعيها قبل أن تنهي أليريا كلامها ،مسحت الدم من على وجهها وهي تقول لرجُلها :
- خذها للخارج وتخلص منها، و تجهزوا من أجل الانطلاق حالا!
ما أن قالت كلماتها حتى سمعت إطلاق النار بالخارج فأردفت بغضب وهي تركل يقين الفاقدة وعيها :
- كلفتني خسارة ثروة لكنني سأحرص على تعويضها منكِ ، دعها مكانها! هيا انقلوهن إلى الشاحنات أما اللواتي قتلتم دعوهن للذئاب الجائعة!
تجاهلوا إطلاق النار وهم يحملون الفتيات النائمات إلى الخارج و لكن الأمر بدا غريب حين انفجرت بضع قنابل يدوية جعلت الكهف يهتز فخرجت أليريا تحمل رشاشها وهي تقول بحزم :
- هناك زوار لنستقبلهم يا سادة ! ليحرس بعض منكم الشاحنة و البعض أولائي اللواتي لم تنقلوهن بعد ، أما أنا سأستمتع بلعبتي في الخارج!
انفجار تلاه آخر وهي تشق طريقها إلى مخرج الكهف بحماس ..
أليريا ذات الدم البارد شخص ساديّ يستمتع بالتعذيب والقتل ، جميلة ورشيقة تتقن استخدام معظم الأسلحة كما تتقن بمهارة الاشتباك عن قرب ، زعيمة مافيا " الفانتوم" وإحدى أعضاء منظمة الديـــب الإجرامية .
عاصفة من الغبار ملأت الجو لم تساعدها على الرؤية حتى نظارتها الليلية الحرارية لم تظهر أمامها خصمها الذي يهاجم بإصرار كما كانت تتوقع  .
حملت لاسلكي وقالت بحزم :
- واصلوا نقل الفتيات بسرعة وأخبروني حالما تنتهون !
كانت تطلق برشاشها في كل الاتجاهات بدون توقف للحظات أتاها الرد بأن النقل قد تم ، عادت إلى الداخل مسرعة والكهف يتزلزل ، تخطت يقين وهي تتجه إلى الداخل تتحسس بيدها الجدار ثم غاصت بداخله وهي تحاول التحدث مجددا باللاسلكي لكن لا مجيب فأدركت أنهم أطاحوا برجالها ، عاد الجدار  إلى حاله واختفت هي .
لو علمت أن الزوار الذين قهروا رجالها هم مجرد ثلاثة رجال بؤساء لأصبحت مسخرة أمام نفسها ناهيك عن زعمائها..

نيجار(الشعلة التي أنارت درب الصواب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن