الفصل الثامن

140 19 9
                                    

الفصل الثامن

أبيط (مدينة أستورياس)...
كم من ظلام تستطيع الروح أن تتحمل قبل أن تتداعى ؟ لقد جربت كل شيء , ظلام الوحشة ، ظلام الغربة ، ظلام الغدر، ظلام الخوف من كل شيء ، هكذا هي شجاعتي .. أن أتظاهر وأنكر كل السوء الذي يحاول سحب روحي .

في بيت ريفي حجريّ يقع فوق جرف صخري ذو مساحة واسعة  توزع به رجال سود امتزجوا مع ظلام المكان حتى لم يكد يُرى منهم غير بياض عيونهم و أسنانهم إذما تحدثوا ، يتحركون بشكل منتظم داخل البيت وخارجه أما زعيمهم فكان يقف على الشرفة المطلة مباشرة على ممر لنهر ديفا المشهور بمستنقع التماسيح ، كان يدخن سيجاره وينفث دخانه باستمتاع وهو يطالع أول خيوط النهار تنبعث ، حمل هاتفه الموصول بالقمر الصناعي وقام باتصال كان يتحرق شوقا له:
ـ صديقي القديم كيف حالك ؟
-  لا تظن أن ما فعلته سيمر بطيب
- آه ، دعك من الماضي ، هناك شيء يخصني بحوزتك وشيء يخصك بحوزتي ، هل نتبادل أم لك رأي آخر ؟
- لانا ؟ هل اختطفت لانا ؟

ضحك سلفادور بسخرية وقال :
- هذا يؤذيك أيضا لكن لا لست من فعل ستجدها على أكبر تقدير مرمية في أحد القمامات ميتة بجرعة مضاعفة ، لا تقل أنك لا تعلم بأمر إدمانها .

قهقه سلفادور وهو يطلق سبة على المعتصم بينما الآخر تلبسته شياطين الغضب فقال مزمجرا :
- لن يكفيني فصل رأسك اللعين عن جسدك ، انتظرني لن يطول أمرك أقسم لك .

- لا تنسى إحضار ما يخصني و إلا وجدت جوهرتك ... أتساءل ماذا يمكنني فعله بها ، يبدو لي حرقها مُرْضٍ للغاية ،على كل حال كانت ستحترق في حادثة الطائرة لولا تدخلك ، اللعنة عليك تتدخل دائما في شؤوني أيها اللعين.

أقفل الخط دون أن يستمع لرد المعتصم ، جمع شعره المشعث الذي يصل إلى كتفيه على هيئة ذيل حصان واقترب من نيجار التي كانت خلفه مباشرة مقيدة بحبل يتدلى من السقف يشد يديها إلى الأعلى و يحوّط  خصرها فيرفع جسدها عن الأرض ويجعلها تتدلى ، دفعها سلفادور بقوة فتأرجحت حتى اندفعت خارج الشرفة ثم عادت ترتطم بيديه ، فعل ذلك لمرات متواصلة وهو يضحك ورجاله ثم قال :
ـ لمَ لمْ تستفق بعد، هل العقار قويّ ؟
ـ لا ، لكنه كذلك بالنسبة لها .

تركها وتوجها إلى برميل كبير غرف منه دلوا واقترب منها ثم رشقها به بقوة ولكنها لم تستفق فرماه وهو يأمر أحد رجاله أن يملأه ويكرر ما فعله من جديد،
فعلوا ذلك لخمس مرات متتالية وبالسادسة شهقت بصوت عال تردد صداه بالمكان
أخذت تصرخ عاليا وكلما تحركت بعنف تأرجحت بعنف أكثر ، جذبها سلفادور إليها وقال بصرامة :
ـ اخرسي

خرست وحدقت فيه بعينين جاحظتين مرعوبتين ، فأردف:
ـ جيد ، هكذا يمكننا التفاهم
ـ م ... من أنت ؟ مم.. مماذا..ماذا تريد منّي؟
ـ أنت جميلة جدا من لا يريدك ، سأفكر بالأمر لاحقا هذا ليس موضوعنا سنستضيفك لبعض الوقت أو الكثير من الوقت ، هذا سيقرره المعتصم .

نيجار(الشعلة التي أنارت درب الصواب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن