الفصل الخامس

144 18 6
                                    

الفصل الخامس

الناظور....

تمر بعض اللحظات على الإنسان لا يستطيع فيها التعرف على ذاته ،لا يستطيع التحكم في تصرفاته ولا السير على القواعد التي تحدد شخصيته وتبرز هيبته ، يصمت فيه كل شيء ليتيح له التفكير بعمق أكبر ، شيء يشبه الطفو على سطح الماء فيشعر بنوع من الثقل والخوف والحرية معا أفضل ما يمكنه فعله وقتها أن يبقى هادئا حتى لا يفوته شيء لن تسمح له الفرصة مجددا في عيشه .

استيقظت نيجار فوجدت نفسها بغرفة واسعة مؤثثة التفتت يمينها فرأت رائف يجلس بجانبها يسند جبينه بقبضتيه ، بقيّت ساكنة مكانها تتجول بعينيّها فحسب راودها خاطر
" غريبة هذه الحياة  !كنت أتوق لرؤيته مجددا لمرة واحدة حتى أتأكد أن الحب الذي كسر قلبي كان لشخص حقيقيّ والآن ها هو أمامي لا أستطيع حتى الوثوق أنه حقيقيّ ، ماذا لو تحدثنا فأتى بشيء يجعلني أنسى أذيته و أرتمي بين ذراعيّه ؟ ماذا لو كانت ذريعته قاسية تُسبب لي ندبة أخرى لن أتحمل ألمها ؟ ماذا لو لم يبقَ شيء له بقلبي أو لا أجد مني شيء بقلبه ؟ ماذا يعني هذا اللقاء الآن ؟ مرهما للجروح أم مشرطا لفتحها بعمق ؟هل تستطيع الكلمات أن تصلح ما أتلفه بداخلي ؟ ماذا لو لم تفعل ؟ "

تنهد رائف في إرهاق وهو لا يزال يدفن وجهه تحت يديّه وقد أخذت خواطره هو الآخر تعصف به يمينا وشمالا ينتظر استفاقتها لكنه بماذا سيتحدث وهو يعلم أن عليه شرح سبب غدره بها، هل تكفي حجته لإطفاء نار غضبها ؟ لكنها لا تبدو غاضبة هناك لمعان بعينيّها يدل على فرحتها بلقائه، تبا ! كيف لها ألّا تغضب وقد فعل بها شيء لا يمكن لأيٍّ كانت أن تسامحه مهما بلغت درجة حبها له !

زفر مجددا وهو يرفع رأسه فتعانقت نظراتهما ،انفرجت ابتسامة عن ثغره سرعان ما اختفت وقد قرأ حزنا كبيرا بعينيّها لزما الصمت فأخذت الأعيّن تتحدث:
ـ لم الآن ؟ لم عدت ؟

ـ هل آذيتكِ لدرجة أن طلب الصفح لن يكون له معنى ؟

ـ لست أنتَ من وثقت به أنا ، ماذا حدث لذاك ؟ هل مات و كان حزني و ألمي حدادا عليه ؟

ـ لم أرحل عنكِ بل عن ذاتي أيضا ، كان ما جمعنا يعبر عن آخر شيء بإنسانيتي !

ـ من أنتَ حقا ؟

ـ لمَ أنجذب إليكِ هكذا ؟ لمَ أشعر أنني لو أشحت بنظري عنكِ سأتوه مجددا ؟

حاول قطع الصمت الذي بينهما فلم يجد شيء مناسب لقوله أحسن من السؤال عن حالها فأجابته بإيماءة من رأسها ، خاب أمله في سماع صوتها، كان يشتاق إليه كثيرا و من الواضح أنها ستحرمه منه لكنها خيبت ظنه وقالت وهي تعتدل في جلستها :
ـ أشكرك حقا على مساعدتي ، لكن الأمر ضروري عليّ أن أعود إلى مالقة في أسرع وقت .

جمع يديه على صدره وعقد حاجبيّه وهو يقول :
ـ لمَ ؟ هل هناك من ينتظركِ ؟

ـ أجل .

نيجار(الشعلة التي أنارت درب الصواب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن