وكنت وحيدًا أسير بين الطرقات أملًا أن أجد ما ينتشلني من ظلمتي، أبحث عما يشتت تفكيري، أشكو إلى البحر ولم أدري بأنه يماثل حالي، لا يأتيه أحدًا سوى للإستمتاع فقط.
لم أدري بأنني كالمنشآت التي جُهزت معداتها ولكن تنتظر البدء حتى تصبح مظهرًا جميلًا للوجهة، لم يرى بأنه سوف يأتي شخصٌ في أحد الأيام يطلي ذلك اللون الأسود إلى ألوانٍ مبهجة زاهية تشع الحماس.
شاردًا يراقب رفيقه صاحب الأمواج العنيفة التي تتصادم بالصخور، يتنهد متذكرًا جميع العبرات والتي تحمل معانٍ ومشاعر عديدة يرى تأثيره به سابقًا.
لا يدري أيبكي أم يفرح من تلك الكلمات التي كانت تطعنه بقسوةٍ من سوئها، ولكن يعلم إن صادفته الأيام بهؤلاء الأشخاص مرةً أخرى سيلقي عليهم عبارات الشكر والتقدير لحديثهم الذي جعله واعيًا لما يدور حوله.
أغمض "مراد" عينه يسترجع بعض العبارات التي كانت كاللاصق بذكرياته، ليأتي صوت جدته وحبيبته الأولى عندما حدثته بأملٍ ذات مرة:
_ إمتى أشوفك عريس بقى يا مراد، أنا متأكدة وقتها هتبقى أحلى عريس تشوفه عينيا بس فرّح قلبي أنتَ.يتبعه صوتُ أكثر الناس من تأذى منهم، تذكر حديثها التي قالته له في جلسةٍ بينهما مرددةً بغلٍ:
_ أنتَ عمرك ما هتلاقي حد يستحملك بطباعك وتفكيرك الرجعي، هتفضل تدور حوالين نفسك في دنيتك دي وترجع تندم في الآخر، وبكرة تقول نـيـرة قالت.مد يده يمسح وجهه بإرهاقٍ يبحث عن سببٍ يجعل الناس تمقته بتلك الطريقة، لا يدري هل يجدها من والده الذي لا يعترف به أم من الآخرين، لتأتي عبارات بعد تلك تربت على قلبه بطمأنينةٍ عندما تذكر أخيه "حمزة" والذي سانده في كل الأوقات حتى ولو أبتعد عنه مسافات طويلة، كان يقول له بحنانٍ ذات يوم:
_ بإذن الله ربنا هيفرجها من عنده يا مراد وبكرة تقول حمزة قالها وربنا هيعوضك على كل حاجة شوفتها وحسيتها، وهيرزقك بالشخص اللي يخرجك من دا.خرج من شروده لينتبه إلى زوجته "هنا" التي دلفت الشرفة حاملة الصينية المعدنية بين يديها وتضعها على الطاولة أمامهما ومن ثم جلست بجانبه، وكأن حديث أخوه يؤكد على ذلك وقد أبتسم لتنتهي ذكرياته بجملتين من أكثر الأشخاص قربًا إلى قلبه بعد جدته وأخيه.
فجاء حديث جده والذي كان دومًا مليئًا بالحكم واليقين:
_ مراد!، رزقك هيجيلك لحد عندك، وعمره ما يروح لغيرك. ربنا مقسم لكل واحد حقه في حاجات مختلفة كل الحكاية بس شوية وقت، وبجد وقت ما توصل للي تنوله هتفهم كلامي دا كويس أوي وقتها.وأخيرًا خُتمت بجملة حبيبته وزوجته التي تجاوره الآن على الأريكة تنظر إلى الشوارع وهي ترتشف من كوبها بإستمتاعٍ، فكانت في يومٍ يسبق موعد زفافهما أجتمعت معه يتحدثا بأمورٍ حتى هتفت بنهايتها بتلك الجملة وكأنها تبث اليقين والأمل داخله:
_ لو ربنا رزقنا نكمل مع بعض أوعدك إني هحاول أعوضك عن أي حاجة حصلتلك قبل ما أظهر، ونكمل الحكاية سوا، ونبقى رزق لبعض.