.. حَمْزَةُ

2.2K 128 15
                                    

#الاقتباس_الثاني

قضية مبتدئين لم يكن ليقبلها لولا أنها تثير الشكوك، جاذبة انتباه الرأي العام، ومحور حديث الصحافة، مجرد فتاة مراهقة تعرضت للاغتصاب والمُتهم أبن رجل سياسي مرموق، استعد لدفع مئات الجُنيهات من أجل براءة ابنه المحتومة، لو أدارها خليفة أبيه، وبالفعل بعد فترة موجزة نال الحكم بالبراءة، فرشوة الطب الشرعي لم تكن معضلة أمام وسطته هو بالحسب والمال المغدق على من يساعده بغير حساب، لكن وغزة الضمير تؤرقهُ، وتحيي مشاعر دفنت بعد ممات الأحبة، وهو يراها متجسدة بطيفها الناعم تعاتبه بمُقلتين مغرورقتين بالدموع.

نفث دخان سيجارته يدوية الصنع، بعقل شاغر بكلمات الفتاة التي صرخت بعد إعلان حكم البراءة للمُتهم:

-حسبي الله ونعم الوكيل فيك، يا ظالم يا كافر
ربنا يدوقك نفس الكأس في أقرب الناس ليك،
أنا خصيمتك ليوم الدين يا حمزة المنشاوي، سامع!

كلماتها كانت مقهورة نفس القهر الذي كان يجلجل في صوت أمهُ قديمًا، لكن الفارق هو !
بات من ما يدافعون عن الظلم مقابل مال ليس بحاجته، صيت ولد به بعدما وجد نفسه من أمراء المنشاوية، كل ما في الأمر أنه يحتاج للتنفيث عن غضبهُ المكبوت على من هم أقل منه سلطة، غضب لا يعلم لِمَ أو مِن من خاصةً بعدما ركض ركض الوحوش في البراري بغير هدى.

وأثناء غرقه في ذكرياته، كأن التفكر هبة لا يستحقها أمثاله، تحرك بتلكؤ مستجيبًا لطرقات الباب بعدما رمق المشاركة فراشهُ:

-أخلصي بقى يا هانيا ألبسي هدومك وإمشي، ممكن عُمر يجي ومش هنخلص من محاضرته لو شافك.

لوحت بكفها بخمول وقتما تأفف هو بنفاذ صبر، متوجه ناحية الباب اعتقادًا منه أنه البواب الذي أرسلهُ ليأتِ ببضع أعراض للبيت، لكنه تفاجئ ولم ينكر حينما علَّق:

-لين !

وكما توقع عصفت بدخولها العنيف عكس عادتها، تنهرهُ كما توقع إن علمت:

-ليه يا حمزة؟!

وصرخت فيه بقهرٍ، ودموع عيناها تنجرف في وديان وجنتيها:

-عشان إيه كل ده؟

جأر فيها بكامل طاقتهُ المتبقية بعد جلد يلاحقه منذ أن خرج من المحكمة:

-بقولك إيه أنا مش فايقلك، واطلعي برا عشان أنا فيا اللي مكفيني.

همَّت بالرد على تبجحه الذي يفوق الوصف بذكر الجميع وليس هي فقط، لولا الفتاة التي انسحبت من غرفته متوجهة لمصدر الصوت
بعدما ارتدت روبًا يماثل قصر قامة قميص نومها، مغمغمة بصوت ناعس:

-فيه إيه يا حمزة؟ بتزعق ليه؟

جحظت مقلتيها، واستدارت تناظره لعلها ترى تفسيرًا غير الخترافات التي لطالما سمعت عنها من الصحف، والآن تتجسد في ذنبٍ آثم، لكنها فشلت، ورغم أنه تمنى لو تأخرت دقائق، تمنى لو أنها ظلت تناظره بنفس الهُيام المكلل بصدقٍ محبتها، تقبل بُعدها الذي سـ يخصها بالطمأنينة
بعيدًا عنه، كبح قهرتهُ فيها وطالبها بصلفٍ:

-أطلعي برا.

سمع صوت انكسار قلبها، الذي لم يفنيه سوى قهـر قربهُ:

-هطلع، بس بعدما ما أعمل كده!

لحقت كلماتها صفعة قوية، أدارت رأسهُ للجهة المقابلة، كان صداها أعلى من شهقة الفتاة التي رفعت كفها على وجهها بغير تصديق، وقتما صرخت لين بعنفٍ:

-من النهاردة مش عايزة أعرف واحد (...) زيك، ولا يربطني بيك أي علاقة كأنك في يوم مكنتش تعرف واحدة اسمها لين، ماشي يا

-متـر!

ختمت قرارها بضحكة مستهزأة، أبلغته كم هو وضيع بعدما لمح نظرتها المغطاة بعار أوحل نفسه فيه بكامل إرادته.

معادنا بعد نهاية الجزء الأخير من سلسلة بحـر، أي قريبًا جدًّا ..

أَسِيرَة مَاضَّيِه   -قريبًا-   -حصريًا- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن