الفصل الأول [مطرود]

130 18 55
                                    

الفصل الأول
" لَا قِيمَة لِعَطائك إِن لَم يَكُن جُزءًا مِن ذَاتِك "
جبران خليل جبران
-----------------------
في محافظة القاهرة وتحديدًا في إحدى المناطق الشعبيه ، عند إحدى العمارات بالدور الرابع ، في تمام الساعه الثامنة صباحًا ،كانت «إيثار» تجهز حقيبتها للذهاب إلى عملها ، دلف عليها أخيها « ولاء » ثم أردف بمرح بعدما غمز لها:
"ما شاء الله اختى جورجينا في نفسها يا ناس ، اي كل الحلاوة دي "

ردت عليه بحنق وهي ترتدي حجابها بسرعة :
" اخلص عايز كام؟ انا ورايا شغل  "

نظر لها من أعلى إلى أسفل بغيظ ثم جلس على الفِراش وأردف بتفكير :
" يعني كنت بفكر انزل اشتغل أو اعمل حاجه مفيدة بدل ما انا زي قلتي معاكي كده وانتِ بس اللي بتشتغلي و"

لم يستطع إكمال حديثه حيث قاطعته هي بغيظ :
"  اي بلاعة و اتفتحت ، ما قولنا أن مفيش شغل والكلام الهبل ده ، وأنتَ في ثانوية عامه يعني مذاكره علشان تشرفنا كلنا لكن شغل و اشيل من عليكي حمل شكرًا لجميل اهلك ذاكر بس "

عقّب عليها بضيق وهو يعتدل في جلسته :
" يا ايثار اسمعي ، ماما علاجها كتير وتعبانه بكذا حاجه وانتِ مرتبك بيكفينا بالعافيه وانا ضاغط عليكي بالثانوية و صفاء بردو هتضغط عليكي السنه الجاية ، انا لقيت شغل هنا في محل هشتغل وهذاكر في الوقت اللي فاضي واحنا لسه ناقلين ومحدش عارفنا"

كادت أن تعارضه بينما هو وقف امامها ثم نظر إلى عينيها و أردف بحب :
" سيبيني اساعدك في رزقنا يا إيثار ، علشان ربنا يكرمنا ونعيش مرتاحين ، عارف انك تعبانه معانا كتير ف خلينا نساعد بعض ، مش قابل اي اعتراض انا عايز اسمع اعمل يا ولاء وربنا يرزقنا ، سامعه؟"

كان يتحدث بهدوء على عكس عادته بينما هي تنهدت بضيق ، تتصارع مع قلبها لا تستطيع أن تجعل أخيها يرى ما يحمله العمل من قسوة ، كان ينظر لها بترجي بينما هي حمحمت بهدوء ثم أردفت بقوة :
" لو عايز تعمل كده اعرف اني مش هآخد ولا جنيه منك ،انزل اشتغل براحتك بس ملكش دعوه بيا نهائي"

نظر لها بضيق بينما هي كانت تبتعد عنه ، أمسكها من يديها ثم أردف بترجي وطلب :
" ارجوكي يا ايثار وافقي علشان خاطري انا ، مش انا بس اللي ظروفي صعبه ولا انا بس اللي عايز يشتغل ، الناس كلها بتعاني، يمكن ده يكون رزق ليا وليكي وربنا يوسعها علينا ، وافقي بقى"

هتف آخر كلماته بطلب وهو يوجه بصره إلى عينيها وكأنه طفل صغير يطلب من والدته إعطاء الحلوى له، تنهدت بعمق ثم قالت بهدوء: 
" خلاص يا ولاء ، انزل اشتغل بس خليك عارف اي خناقه انا براها ،المدير طردك ،قتلك، رماك في الشارع مليش فيه سامع؟ ، انا مش حِمل خناقات والله وخناقات الشغل مبتخلصش "

هز رأسه بإيجاب بينما هي ابتسمت له برضا ولكنه باغتها باحتضانه لها وهو يهمس بحنان :
" هتفضلي احلى اخت والله، ربنا ما يحرمنا منك"

لأنكَ القدر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن