في الماضي..
= إيطاليا 1705=
أيّ الغرفتين أزور أولاً؟ أيّ قلبٍ أتركه يئن وحيداً؟
***
قروح يديها لم تخبت بعد، تترنح عيناها كوقفتها المتهتكة، ودلو المياه البارد يلون أناملها بالأحمر الأرجواني؛ ما عاد للكمادات الغارقة فيه أي معنى، فشطرا قلبها يموتان معا..
عن اليمين غرفة صغيرها، يائسٌ طبّ البشر من حاله، أما عن اليسار فتنتظرها غرفة زوجها، شقيق روحها، وهو الان يقارع أيامه الأخيرة بالسعال.
أوجز الطبيب فيما يرى؛ الطفل و الرجل كلاهما ظاعن الى الموت عما قريب.. كلاهما يترك الدنيا على مهل مؤلم، ولا يمكن لسيدة مهزولة تحمل دلو مياه باردة فعل أي شيء.
يغلي دمهما في الأوردة و يطهى لحمهما بالحمى، والواقع أن الأمر بسيط صريح لا اعوجاج فيه..
الموت له صوته و حسيسه، وهي تكاد تراه يقف على عتبة البابين معاً.لكنها ببساطة لا تصدق، تقف ناظرة في الدلو بينما الكمادات يطفو بعضها فوق بعض؛ ستدخل على طفلها أولاً و تقبل جبينه المستعر فيبتسم، ثم تمسح بالكمادات الباردة باطن قدميه الصغيرتين؛ لم تكن تدري أن جسدها المنهك حتى النخاع قد خلص منه الوعي فلبث عقلها يطفو في حلم جميل يتلوه حلم جميل آخر.
لم يرجع إليها حسّها إلا وهي واقفة على أعتاب المقابر..
أمامها وجوه تسقيها دموع و ترهقها شفقة؛ تربت الأيدي على الأيدي، و تقال بين الشفاه كلمات، لكن أي من هذا، ما معناه؟استعار وعيها من الزمن أياماً و لياليَ مديدة، لتدرك لماذا هي ترتدي الأسود، و لماذا ليس المنزل حافلاً بأصوات من تحب بعد الآن.
لقد فقدت زوجها وابنها، الأمر كان أبسط بكثير من أن يأخذ منها كل ذلك الوقت لفهمه.. أليس كذلك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"كل ما اريده هو أن أفهم خيال البشر.. هلّا ساعدتِني؟ علميني كيف أجعل للدمى أرواحاً"
وبينما هي منكمشة على الكرسي تلفظ عيناها المجعدتانمزعاً حارقة، احتارت في أمره غاية الحيرة
"لماذا؟ لماذا تظنني سأوافق على مساعدتك أيها السيد مصاص الدماء؟ أم أنك تسعى لشرب دمائي بخديعة رخيصة كهذه؟!"فتفرّس أوزوالد تعابير وجه مهموم متعرق، وهو منصت الى قشعريرة تنبت في أرجاء الجسد الضعيف أمامه
"إن أردت شرب دمكِ لما كنتِ جالسة هنا تتنفسين، سيدتي الغالية"
ثم أضاف وهو يعتدل واقفاً، و عيناه تمتلئان استصغاراً
"وعدتكِ ألا أستخدم الذهان، و أعدكِ الان أنني لن أقرب دم أطفالكم"
ثم صمت كأنما فكّر قليلاً
"ولا دماءكم"
أنت تقرأ
مسرح أوزوالد
Terror'أوزوالد' مصاص دماء حالم، يصبو لأن تنال مسرحياته الجوالة إعجاب البشر يوماً ما.