«كل شخص تُقابله يُقاتل في معركة أنت لا تعرف عنها، كُن لطيف دائمًا»
_____________
في زاوية بعيدة من «ملعب مختار التتش»، بعد أن إنتهى التدريب اليومي وأخذ الجميع يتأهب للرحيل، وقف «طاهر» وحيدًا، ينظر إلى الأفق البعيد وكأن شيئًا يثقل كاهله، كان المكان يخلو من الضجيج المعتاد، وقد إنفضّت الجموع تاركة خلفها هدوءًا لا يقطعه سوى صوت الرياح الخفيفة وهي تحرك أوراق الأشجار المحيطة..
كان غارقًا في أفكاره، مستغرقًا في ذكريات وتفاصيل صغيرة، يسترجع كل لحظة مرت بينه وبين «تالين»، كان يراها أمامه، في مخيلته، ضحكتها، نظراتها، تلك اللحظات التي بدت فيها الحياة أكثر إشراقًا، شعور بالحسرة والرغبة العميقة لرؤيتها يملأ قلبه، حتى أنه تمنى لو يراها ولو للحظة، كأن وجودها فقط سيبدد السكون العالق بداخله..
بقى في مكانه لوهلة، لا يدري إن كان عليه التوجه إلى سيارته والعودة لحياته المعتادة، أو البقاء في هذا الفراغ، حيث يستطيع أن يكون صادقًا مع مشاعره دون أن يحاول إخفاءها، أحس بثقل يسيطر على قلبه، كأن الشوق الذي يحمله لها قد نما وتفرع داخله ليصبح جزءًا منه، لا يهدأ ولا يتلاشى..
كانت الأفكار تتلاحق، تحاصره من كل جانب، لتذكّره بتلك اللحظات التي جمعتهما، بكل ما فيها من مشاعر غامرة وأحلام لم تكتمل، كان يدرك جيدًا أنه مهما حاول التظاهر بالقوة، فإن غيابها قد ترك فراغًا عميقًا، يستحيل أن يُملأ بسهولة، تمنى لو يستطيع الإفلات من هذا الشعور، لكنه في الوقت ذاته كان يخشى أن يفقد أثرها، تلك الذكريات التي كانت بمثابة جسر يربطه بها، ويمنحه شيئًا من السكينة وسط عاصفة الشوق..
وقف هناك للحظات أخرى، مأخوذًا بين رغبة في المضي قدمًا وخوف من فقدان كل ما تبقى له من أمل لرؤيتها مرة أخرى، كانت الذكريات تتدفق بداخله، كشريط متواصل من لحظات جمعت بين الفرح والألم، كأنها ترفض أن تتركه يمضي دون أن تطبع آثارها في أعماقه، شعر بالزمن وكأنه توقف عند تلك اللحظات، يجره إلى الماضي، يعيده إلى تفاصيل صغيرة باتت الآن أثمن ما يملك..
كانت صورتها في ذاكرته لا تتلاشى، برغم محاولاته اليائسة لتجاهلها، كلما حاول التقدم خطوة إلى الأمام، عادت إليه صورتها بوضوح أكبر، تُذكّره بإبتسامتها، بصوتها، بتلك النظرات التي كانت تقول له أكثر مما تستطيع الكلمات، أحس بنبض قلبه يتسارع، وكأن حضوره هناك، في تلك اللحظة، كان إستجابةً لرغبة خفية لرؤيتها ولو في خياله، لعل هذا يمنحه بعض السلام..
أفاق من تفكيره عندما شعر بيد «محمود كهربا» على كتفه، قال مبتسمًا:
«تعالى يا واد إنت وهو، عايز أقول لكم حاجة»
أنت تقرأ
«نِصْفِي الآَخَرْ»
Romanceلقد عانت كثيرًا في طفولتها، وواجهت أمورًا تفوق سنها وأشياء لا يستوعبها عقلها الصغير، تُركت وحدها لتعيش في خوف وألم الفقدان، كبُرت وكبر معها ذلك الخوف، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن تتغلب عليه، ونجحت، لكن نجاحها لم يكن كاملاً، إلى أن جاء هو، فأمسك بيديها...