وجهت أنظارها نحو والدها وقد انعقد لسانها عن الكلام.
خطت بضعة خطوات نحو الأمام إلى أن استقرت قدماها أمام هذا الهيكل الذي يقبع أمامها وعينيها تجيل بين وجه والدها وبين هذا الهيكل.
رفعت يدها برفق إلى أن استقرت على وجنته، وسرعان ما سرت رجفة مباغتة في جسدها.
همست بصوت مبحوح:
-إ...إنه يشبهه.
أبعدت يدها في توجس ثم نظرت إلى أبيها متمتمةً:
-ك...كيف!
نبس والدها وهو ينظر بعينيها:
-لقد أمضيت ثمانية أعوام لصناعة هذا الإنسان الآلي.
نظرت له وقد اغرورقت عينيها بالدموع:
-لكن....
ابتسم بدفء قبل أن يقهقه بسعادة عندما عانقته.
تمتمت في رثاء:
-لا بد أنك عانيت كثيراً لتصنعه، أنا آسفة، لقد أرهقتك بالتفكير بي والسعي لإزالة مقدار الحزن الذي يثقل كاهلي.
ربت على شعرها بحنان وهو يردف:
-أنتِ لا تدركين مقدار سعادتي الآن، صدقيني..لو كان بإستطاعتي أن أحمل عنكِ هذا الحزن لفعلت ولو كلفني الأمر حياتي.
فصلت العناق ثم ابتسمت ابتسامة واهنة، ليمسد على وجنتها بإبهامه قبل أن يقاطعه رنين هاتفه.
أشار لها بأن تنتظره ثم خرج من المعمل ليجيب على الهاتف.
.....
ظلت بمكانها ولم تحرك ساكناً وهي تراقب هذا الجسد الذي لا تستطيع تمييزه بين البشر.
جفلت فزعاً عندما فتح عينيه دون سابق إنذار، لتتراجع بضعة خطوات نحو الخلف متمتمةً بإرتباك:
-أ...أبي.
لم يجبها والدها لأنه بالفعل كان منشغل بحديثه بالهاتف.
...
تسارعت أنفاسها عندما وجدته قد بدأ بالتحرك نحوها وعينيه لا تفارق خاصتها.
ظلت تتراجع نحو الخلف إلى أن اصطدم ظهرها بالطاولة.
شعرت بتجمد حواسها عندما رفع يده لتستقر على وجنتها، وهو لم يرمش له جفن.
أخذ صدرها يعلو ويهبط في إضطراب ثم انفرجت شفتيها لتنادي والدها، لكنها تفاجئت عندما تمتم بإبتسامته الآلية:
-مرحباً.
اتسعت حدقتا عينيها بصدمة وحاولت الإبتعاد عنه لكنه أمسك بيدها كمن قيدها بأصفادٍ.
اقترب من وجهها بحيث لم يعد يفصل بينهما سوى بضعة إنشات صغيرة.
ازدردت ريقها بصعوبة وعينيه لا تفارق خاصتها، وكلما حاولت إزاحة عينيها عنه لا تستطيع، وكأن شيئاً ما يمنعها.
ابتعد فجأة وقد عاد إلى حالة السكون التي كان عليها، ولم تمض سوى بضعة لحظات وعاد والدها.
-لقد كانت مكالمة طارئة.
تمتم وقد رفع بصره لها، ليعقد حاجبيه بتعجب عندما وجدها متصنمة بمكانها بوجهها المتجهم.
-جوليا؟
انتبهت لوجوده، لتتمتم بإرتباك:
-ها؟، أجل.
تساءل بإنعقاد حاجب:
-ماذا بكِ؟، ألم يعجبك؟
نفت سريعاً:
-كلا، إنه...إنه رائع.
ابتسم برضا ثم تمتم وهو يتجه نحو خزانته:
-حسناً، دعيني أضع به الشريحة الآن؛ ليبدأ بالتصرف وكأنه بشري.
-م..ماذا؟، ألم تضعها بعد؟
نفى:
-كلا،علي وضعها ليتمكن من التحرك على الأقل.
-ألا يمكنه التحرك دونها؟
-بالطبع لا، إنها كالجهاز العصبي بالنسبة له.
ازدردت ريقها بصعوبة وتسارعت نبضات قلبها متمتمةً:
-أهذا يعني أنه لم يكن ليتمكن من الحراك قبل أن تضعها؟
-بالطبع!
همهمت بشرود، ليبتعد بدوره بعد وضع الشريحة ثم نبس بتلهف:
-والآن...ترقبي ما سيحدث.
...
خُيم الوجوم عليهما لبضعة دقائق قبل أن يشرع بفتح عينيه، ليهتف والدها بحماس:
-أجل!
أخذت تراقبه في توجس على عكس والدها الذي كاد ينفجر من السرور.
ظهر الانشراح على أسارير قلبه عندما حرَّك الروبوت أنامله قبل أن تجفل فزعاً عندما نبس بصوت جهوري:
-مرحباً، أُدعى جونغكوك.
نظر إليها والدها بأعين تنبعث منها شرارة الحماسة:
-هل أعجبك؟
اومأت بإبتسامة وديعة:
-كثيراً...
أضافت بإمتنان:
-لقد استغرق الأمر منك وقتاً طويلاً، أنا آسفة.
تبدلت ملامحه لأخرى متعجبة:
-آسفة؟، لماذا تعتذرين!
تنهدت ثم نظرت بعينيه متمتمةً:
-لقد أرهقتك بمحاولة التخفيف عن آلامي وحزني على فقدانه، لدرجة أنك أفنيت قرابة العقد لصناعة هذا.
اكتنف وجهها بين يديه قائلاً بجدية:
-وأنا على استعداد أن أفني عمري كله إن كان هذا سيهدف لإسعادك.
ابتسمت بحب قبل أن يضمها إلى صدره متنهداً بأريحية:
-لا تعلمين كم انتظرت هذه اللحظة، اللحظة التي أرى بعينيك ولو جزء بسيط من السرور.
ابتسمت بخفة متمتمةً:
-شكراً لك، أبي.
......
جلست مقابلةً لهذا الروبوت وهي تراقبه بأعين القطط، تشعر وكأن ثما خطب ما به.
ابتسم ابتسامته الأرنبية لها، لتتسارع نبضات قلبها حتى كاد قلبها يخرج من مكانه.
.....
F.B
أخذت تبكي بنشيج مسموع بعدما تعثرت بصخرة وسقطت على وجهها، ولم تلبث لحظات حتى ساعدها صديقها على النهوض وقد كست ملامحه القلق.
..
نبس بغضب طفولي بعدما وضع قطنة بفمها وجعلها تضغط عليها بأسنانها لتوقف النزيف:
-هل أنتِ رضيعة حتى تسقطي بهذا الشكل وتحطمي أسنانك الأمامية!!
عبست بطفولية متمتمةً وقد فشلت القطنة بمساعدتها على إخراج الحروف بوضوح:
-لم أرَ تلك الصخرة!
ضربها بعقلة إصبعه على جبينها برفق:
-حمقاء.
قهقهت بطفولية ثم أزالت القطنة لتظهر أسنانها الأمامية التي كُسر جزء منها.
ابتسمت مظهرةً أسنانها:
-أصبحت لدي أسنان مثل خاصتك!
ابتسم بغرور مصطنع:
-لا يوجد مثيل لأسناني.
-بلى!، الأرنب لديه مثل أسنانك!
-ماذا!!!، يااا!، أسناني ليست كالأرنب!
-إنها كذلك!
-كلا!
-بلى!
-كلا!
-بلى!
تأفأف بغضب ثم شرع بدغدغدها، لتملأ أصوات قهقهاتها الأرجاء وهو يتوعد بعدم تركها إلَّا عندما تنفي قولها.
......
استفاقت من شرودها على صوت ضجيج بالمطبخ.
-تباً!
..
اتسعت حدقتا عينيها بدهشة عندما وجدته يعد الطعام.
حاولت عدم تصديق ما ترى، لكنه واقع!
اقتربت منه بحذر قبل أن تجفل فزعاً عندما استدار لها متمتماً بإبتسامته الأرنبية:
-لقد كُلفت بإعداد الطعام في هذا الوقت.
نظرت إلى الساعة وبالفعل وجدت أنه وقت إعداد العشاء التي غفلت عنه.
همهمت بهدوء ثم جلست وأخذت تراقب ما يفعل في ذهول من قدرته على حمل الأشياء الساخنة دون قفازات أو أي شئ يحميه من الحرارة.
...
وقعت مقلتيها على الطبق الذي وُضع أمامها، ثم نظرت له لبرهة قبل أن تلتقط عصيان الطعام بأناملها.
نظرت له بدهشة حالما تذوقت الطعام:
-واه!، إنه رائع!
-أعلم، فأنا أجيد صنعه.
قهقهت بخفة:
-روبوت مغرور.
..
تحمحمت عندما وجدته لا يزال يقف أمامها ونظراته تكاد تخترقها أثناء تناولها للطعام، ثم نبست:
-لمَ لا تأكل؟
-أنا لست بحاجة للطعام.
همهمت بتفهم قبل أن تنتبه إلى رنين هاتفها.
..
أجابت بهدوء:
-مرحباً جيني.
-لماذا ذهبتِ دون قول شئ؟
-همم، وجدتكما منسجمين بالحديث معاً، فلم أرد إزعاجكما.
تمتمت جيني وقد ظهر الانشراح على أسارير قلبها:
-أتعلمين، لقد كان معكِ حق، لا بأس بإعطاءه فرصة.
ابتسمت جوليا قائلةً:
-اوه، أرى أن هناك إعجاب متبادل إذاً.
تلعثمت جيني:
-ل..ليس إعجاب، أنا فقط...وجدته لطيفاً بعض الشئ.
همهمت جوليا، ثم استطردت جيني:
-حسناً، أراكِ غداً بالجامعة!، وداعاً!
-إلى اللقاء.
.....
ألقت بجسدها على الفراش وأخذت تحملق بالسقف، مازالت تحاول استيعاب أنَّ هناك روبوت يعيش معها، بل ويتصرف كأنه بشري!، لا فارق بينه وبين البشر سوى بعدم حاجته للطعام.
عانقت وسادتها هامسةً:
-لا بد أنني أهلوس.
........
عكست الشمس إحمرارها على واجهات المباني وأخذت ترسم بقعها المضيئة على أرضية غرفتها، قبل أن تطرق أبواب جفونها لتحثها على الإستيقاظ،؛ لبدء يوم جديد.
..
فتحت عينيها بتثاقل وسرعان ما وقعت عينيها على ساعة الحائط، لتجد عقربها يقترب من الثامنة ونصف صباحاً.
استقامت بجزأها العلوي باسطةً ذراعيها في الهواء ثم زفرت بعمق قبل أن تستقر قدماها على أرضية الغرفة وتتجه نحو المرحاض.
.....
ألقت نظرة أخيرة على هندامها بالمرآة قبل أن تخرج من غرفتها.....
جالت عينيها في المكان عندما وجدت السكون قد حلَّ بأرجاء المنزل، وعلمت أن والدها نائم من صوت شخيره الذي أفزعها في بادئ الأمر.
تنهدت وكادت أن تخرج لكن منعها ذلك الصوت الذي جاء من خلفها:
-صباح الخير.
تصنمت بمكانها لبرهة قبل أن تستدير نحوه.
تمتمت بهدوء:
-صباح الخير.
ابتسم ابتسامته الأرنبية ثم تقدَّم منها بضعة خطوات إلى أن وقف أمامها على مقربة بضعة سنتيمترات.
ازدردت ريقها بصعوبة لكن سرعان ما دُهشت عندما مدَّ لها علبة طعام قائلاً:
-لقد أعددت الفطور.
نظرت إلى علبة الطعام ثم إليه متمتمةً:
-هذا..لي أنا؟
-أجل.
ابتسمت بخفة ثم أخذته منه ونظرت بعينيه قائلةً بهدوء:
-شكراً لك.
استدارت ثم تنهدت بعمق قبل أن تخطو إلى الخارج.
...
لوحت لجيني عندما أبصرتها، لتقابلها جيني بإبتسامتها اللثوية.
نبست جوليا في دهاء:
-اوه، أرى أنكِ تبدين سعيدة اليوم.
حكَّت جيني مؤخرة رأسها:
-امم، أظن أننا..أننا سنتأخر على الجامعة، هيا بنا قبل أن يزعجنا هذا البروفيسير بتوبيخاته.
قهقهت جوليا ثم ذهبتا إلى الجامعة.
....
لوح لهما جيمين فور أن أبصرهما، لتبتسم جوليا بخفة متمتمة بخفوت لجيني:
-انظري، تكاد عينيه تُخرج قلوباً.
أخفت جيني ارتباكها بإبتسامة سريعاً عندما بدأ بالاقتراب نحوهما.
....
جلسا بالكافيتيريا سوياً وقد بدى على جيمين الغضب الطفيف وعينيه تجيل بين شاشة هاتفه وبين مدخل الجامعة بين الفينة والأخرى.
تساءلت جيني:
-هل تنتظر أحدهم؟
تنهد قائلاً:
-أجل، هناك صديق لي كان من المفترض أن يأتي الآن، لكن لا أعلم لمَ تأخر.
أرجع جيمين شعره للخلف بنفاذ صبر قبل أن تتبدل ملامحه بفيمتو ثانية إلى أخرى مهللة.
-سأعود مجدداً.
نبس قبل أن يتجه إلى مدخل الجامعة.
تبعته جوليا بعينيها إلى أن وجدت شاب بمنتصف العشرينات...بدى مهندماً من ثيابه ويرتدي نظارة شمسية قد رحب به جيمين بحرارة، لكن لا تدري ما الذي جعل قلبها يخفق بقوة فور أن أبصرته.
أشار إليه جيمين على طاولتهما وها هما قد أخذا بالاقتراب منهما ومع كل خطوة يخطوها هذا الشاب يرتفع صوت دقات قلبها.
-أقدم لك أجمل فتاتين بهذه الجامعة، جيني وجوليا.
نزع الفتى نظارته مبتسماً، لتظهر أسنانه الأرنبية التي تعالت بها صرخات قلب بطلتنا.
صافح جيني ثم مدَّ يده لمصافحة جوليا التي لم تدرك أنه يمد يده لها إلا عندما وغزتها جيني بكوعها دون أن يلحظ أحد.
صافحته وعينيه لم تفارق عينيها، ليردف بصوته الرخيم:
-أُدعى جونغكوك........
يتبع.........
YOU ARE READING
The Robot
Romance-لقد ظللت أبحث عنك لأعواماً! -مَن أنتِ؟ ...... -هذا أخر ما تبقى منه سيدي، صورته. نزل النبأ كالصاعقة على والدها الذي استلم صورة لصديق طفلته بملامح يعتصرها الحزن؛ خشيةً أن يفطر قلب صغيرته التي تجلس بحماس بإنتظار أن يأتي ليدعوها للعب ككل يوم، إلى أن ذل...