أخبرتني أنني إن احتجت إلى مساعدتك سأعلم كيف أجدك، وها أنا قد وجدتك.
اتسعت حدقتا عينيها بصدمة، لتعتدل بجلستها ثم أجابت:
-بهذه السرعة؟
لم تمض سوى بضعة ثوانٍ ووصلتها رسالة أخرى:
-اوه، هذا شئ ليس بالعسير.
ابتسمت بخفة ثم أرسلت:
-وبماذا تحتاج مساعدتي؟
-بالواقع، لقد قضيت معظم سنوات عمري بأمريكا، لذا...لا تسعفني ذاكرتي الضعيفة على تذكر الأماكن بكوريا، لذا...أظن أنني سأحتاج إلى جولة برفقتك؛ لتذكر بعض الأماكن.
ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتيها ثم أجابت:
-اوه، أظن أن من يمكنه مساعدتك بهذا هو الGPS.
-يااا، أنا لا أريد التجول بمفردي.
-همم، ماذا عن التجول برفقة جيمين؟
تأفأف بضجر قبل أن يجيب:
-هذا القصير يفلسني...
أضاف قبل أن ترسل أي شئ:
-سأنتظرك غداً بعد الجامعة ومن ثم نبدأ جولتنا، وارتدي شيئاً عملياً؛ فأخشى أننا سنتجول كثيراً، وداعاً!!!
-يااا!
تنهدت بعمق عندما تيقنت أنه أغلق بالفعل، لكنها كانت تشعر بإنشراح أسارير قلبها.
....
-Next day at 4 PM-
ودعت جيني بعد انتهاء اليوم الدراسي، و
شعرت وكأن قلبها على وشك الخروج من مكانه عندما أبصرته ينتظرها بسيارته أمام مدخل الجامعة.
تنهدت بعمق ثم خطت نحو الأمام.
.....
ترجل من السيارة حالما أبصرتها عينيه، ثم خطى للجهة الأخرى وفتح لها باب السيارة.نظرت له بأعين القطط، ثم كتفت يديها متمتمةً:
-أظن أنه من غير المنطقي أن أذهب مع شاب لم أعرفه سوى من يوم، ألا يمكن أن يكون هذا فخ؟
قهقه ثم أمال رأسه وهو ينظر لها بأعين الجراء ثم نبس بصوته الرخيم:
-أيعقل أن أكون قاتل متسلل؟
رفعت كتفيها علامةً على جهلها قائلةً:
-لا أستبعد هذا، فخلف الوجوه البريئة تكمن الكوارث.
ابتسم بجانبية ثم نبس:
-إذاً هيا بنا، هناك بائع آيس كريم رائع، عليكِ تجربته.
ابتسمت بلطف ثم دلفت إلى السيارة، ليغلق الباب خلفها بدوره ويعود إلى مقعده.
......
خُيم الوجوم عليهما طوال الطريق إلى أن قطعه بقوله في هدوء:
-لا أعلم لمَ لدي شعور أنني رأيتك من قبل.
نظرت له ثم انفرجت شفتيها متمتمةً:
-كيف يمكن أن تكون قد رأيتني من قبل وقد أمضيت حياتك بالخارج...
أضافت بإبتسامة رقيقة:
-أما أنا، فلم أخرج من سول منذ أن ولدت.
اقترب منها بلمح البصر، إلى أن كاد قلبها يخرج من قمعه، ليتمتم وهو ينظر بعينيها:
-ربما التقينا قبل ذهابي.
أبعدته بسبابتها برفق متمتمةً:
-ستفتعل حادثاً بهذا الشكل.
قهقه بلطف ثم اعتدل بجلسته، أما هي فكانت تحاول تنظيم نبضات قلبها المضطربة، فقد أوشك قلبها على الخروج من مكانه.
.......
-30 minutes later-
أخذا يتجولان وسط الشوارع والأحياء السكنية، وقد كانت تشعر براحة معه لم تشعر بها من قبل، وكأنها تعرفه منذ زمن، إلى أن توقفا عند عربة آيس كريم.
-أي نكهة تفضلين؟
نبست بعد برهة من التفكير:
-توت أزرق.
ابتسم بخفة ثم طلب لكليهما وعاد يقف بجوارها؛ بإنتظار أن ينتهي طلبهما.
تمتم بصوته الرخيم:
-أخشى أنكِ ستدمنين تناول الآيس كريم هنا.
ابتسمت بخفة:
-لا شك أنك تعشق الآيس كريم هنا.
اومأ بالإيجاب، ثم تقدم لأخذ طلبهما بعد انتهاءه.
....
-2 hours later-
كانا يسيران وسط الأحياء الشعبية وهو تارة ينبهر بالأجواء التي لم يعهدها منذ زمن، وتارة يعبس عندما يجد ما كان يعجبه بات رديئاً.
كان كل شئ يحدث حولها يخبرها أنه هو، لكن حقيقة أن والديه على قيد الحياة لا تزال تراودها، فتقنع نفسها أن كل هذا ليس سوى محط صدفة، ربما تشابه أسماء وتشابه شكل، ليس إلَّا، لكن كيف يمكن هذا؟، أربما أنها تتخيل أنه هو لكثرة اشتياقها له؟
أيقظها من شرودها نقر إصبعه على كتفها:
-هل تسمعيني؟
انتبهت له ثم اومأت، ليكمل وقد وصلا بالفعل أمام سيارته:
-لقد أرهقتك كثيراً معي، يكفي هذا لليوم، دعينا نذهب الآن.
اومأت بإبتسامة لطيفة ثم دلفت إلى السيارة وفعل هو المثل بعدما أغلق الباب خلفها.
.....
سكنت السيارة أمام منزلها، وكادت أن تذهب لكنه أوقفها بقوله:
-جوليا.
اندفعت الدماء إلى رأسها وتسارعت نبضات قلبها، قبل أن تنظر له متمتمةً:
-أ..أجل؟
ابتسم ابتسامته الأرنبية ثم نبس بصوته الرخيم:
-آمل أن نقضي وقتاً مثل هذا مجدداً، لقد استمتعت كثيراً بصحبتك.
ابتسمت بلطف قائلةً:
-بالطبع...
أضافت قبل أن تترجل من السيارة:
-عمت مساءً.
لوحت له بعد خروجها ثم دلفت إلى منزلها، أما هو فبقى لبضعة دقائق وعينيه لم تفارق منزلها، شعر بتشوش طفيف وقد شعر وكأنه رأى هذا المنزل من قبل، لكنه تغاضى عن الأمر وشغل المحرك ثم انطلق إلى وجهته.
........
جالت عينيها في المنزل بحثاً عن والدها، لكنها أدركت أنه بالخارج بعدما لم تجده، إلى أن وقعت عينيها على هذا الهيكل الذي يتوسط حجرة المعيشة.
تقدمت بضعة خطوات إلى أن وقفت أمامه، لكنها وجدته مغلق العينين ولا يتحرك.
-ي..ياا، هل تسمعني؟
هزته برفق لكنه كاد يسقط، لتسارع بإمساكه لكن هذا لم يتسبب سوى بسقوط كليهما؛ فهو كتلة من المعادن.
استقامت سريعاً ثم نظرت له وهي ترجع شعرها إلى الخلف بقلة حيلة:
-يا إلهي، ماذا انتابه هذا!
لم تجد سوى أن تدلف إلى معمل والدها؛ لعلها تبحث عن شئ يوقظه.
.....
-تباً، أين وُضعت الأشياء الخاصة به!
تأفأفت وهي تسارع بالبحث، إلى أن سقط على الأرض كتاب عنوانه "What do you need to make a robot"
تمتمت:
-ماذا تحتاج لصناعة إنسان آلي؟!...
تنهدت ثم سارعت بفتحه لعلها تجد شئ يخص ما حدث له.
كانت تقرأ العناوين بسرعة وعندما لا تجد ما يدل على حالته تنظر لما يليه.
ظلت على هذه الحالة لما يقرب العشر دقائق، إلى أن سكنت أناملها عن الحراك عند صفحة عنوانها
"Can a robot...be a human?"
جذب انتباهها العنوان، فهل يُعقل أن يصبح إنسان آلي...بشرياً؟
-آه!!، ما هذا الهراء!، علي البحث عن علاج لهذا الشئ، بالتأكيد هو بحاجة لشئ ما يمده بالطاقة، لكن ما هو!
أوشكت أن تنتقل لما يلي هذه الصفحة، لكنها لم تستطع، كان العنوان يجذبها بشدة؛ لذا شارعت بالقراءة.
..
اتسعت حدقتا عينيها بصدمة عندما علمت ثمن الشريحة التي تجعله يتصرف وكأنه بشري تماماً قبل أن يدلف والدها إلى المعمل بملامح تعتليها القلق.
-ماذا حدث له؟
تساءل بقلق، لتجيبه بهدوء بعد برهة:
-لا أعلم، لقد وجدته هكذا فور عودتي إلى المنزل.
تنهد ثم سارع إلى درج من أدراج خزانته وأخرج شريحة ما ثم سارع إليه وقد تبعته هي بدورها.
تمكن من جعله يستقيم ثم وضع به الشريحة، وهو يستعين بالحائط لمنعه من السقوط.
انتظر لعدة دقائق ثم تنهد بأريحية عندما بدأ يفتح عينيه ويستعيد طاقته.
-مرحباً، أُدعى جونغكوك.
تمتمت:
-ها قد عدنا من جديد.
-ها قد أصبح على ما يرام، يتوجب علي الذهاب الآن؛ لإنهاء شئ ما، لقد جئت كي آخذ شيئاً ما فقط.
نبس والدها متخذاً طريقه نحو الخارج، لكنها سبقته ووقفت أمامه قائلةً:
-أبي، أريد أن أسألك عن شئ.
-حسناً، لكن عندما أعود.
نبست بجدية:
-أبي، كيف جئت بتلك الشريحة الخاصة بالروبوت؟
صمت وقد انعقد لسانه عن الكلام، لتكمل بهدوء:
-من أين جئت بكل هذا المال أبي؟، أرجوك...أخبرني!
نظر لأسفل ثم عاد ينظر لها وتمتم:
-لا يهم معرفة هذا، ما يهم أنني تمكنت من جلبها.
عقدت حاجبيها بتعجب:
-لا يهم؟، كيف هذا!...إن مبلغ كهذا يكفي لشراء منزل أكبر مما نمكث به الآن!
تنهد وهو على يقين أنها لن تتركه إلا عندما يخبرها بما تريد معرفته كعادتها، لينظر لها ثم انفرجت شفتيه قائلاً:
-حسناً، لقد كنت أدخر هذا المال منذ وقت هذا الحادث، إلى أن تمكنت من شراء تلك الشريحة!، هذا كل شئ.
صمتت لبرهة ثم تنهدت وأردفت بهدوء:
-لم يكن يفترض بك فعل هذا.
-ماذا تعنين؟
-أعني أن هذا لم يزد سوى ألمي، أبي!، هذا أسوأ من تقبل حقيقة ذهابه!، إنه إنسان آلي، لم ولن يكون ذو مشاعر بشري مهما وضعت به!، وجوده يذكرني فقط طيلة الوقت به!...
أضافت بغصة:
-لقد أصبحت أتخيل أن أحدهم يكون هو!
-م..ماذا!، ماذا تعنين؟، ومن تقصدين؟
أرجعت شعرها للخلف ثم نظرت بعينيه قائلةً بنبرة تشوبها المرارة:
-لقد قابلت من يحمل نفس اسمه وذات ملامحه أبي، كل شئ عنه يخبرني أنه هو!، لكن حقيقة أن والديه على قيد الحياة تنفي كل شئ.
-مهلاً، ماذا!
نبس بعدم تصديق، لتومئ قائلةً بنبرة مهزوزة:
-أجل، لقد وجدته أبي، لكنني لست متأكدة، وجدته بعد يوم واحد من صناعة هذا الروبوت.
نظر لها في وجوم ثم أردف:
-وكيف ستتأكدين؟
-سأتأكد بطريقة ما أو بأخرى.
نبست ثم استدارت ودلفت إلى غرفتها.
.....
جلست على فراشها وظلت ساكنة بمكانها لعدة دقائق إلى أن شعرت بتسلل دموعها إلى وجنتيها دون إرادتها.
أخرجت هاتفها وعينيها لا تتوقف عن ذرف الدموع.
....
-مرحباً جوليا، كيف حالك؟
جاءها صوت جيني المرح، لتجيبها بنبرة يشوبها البكاء:
-جيني، أنا بحاجتك.
تبدلت نبرة جيني 360 درجة لأخرى قلقة:
-ماذا!، ماذا حدث جوليا؟، هل قام أحدهم بأذيتك؟
لم تجب، فقد أجهشت بالبكاء ولم يعد يُسمع سوى صوت أنينها.
-أنا قادمة إليكِ، لن أتأخر.
نبست جيني ثم أغلقت الخط وظلت جوليا تبكي وهي تحاول كتم شهقاتها، باتت تشعر بالإرهاق من كثرة التفكير بالأمر ومن أملها أن يكون هو، ربما لو كانت تأكدت حقيقة وفاته لكان هذا أهون عليها.
....
استقامت ثم خرجت من غرفتها عندما سمعت رنين جرس الباب.
....
جالت عينيها في المكان وعلمت أن والدها ليس بالمنزل، لتكفكف دموعها ثم فتحت لجيني التي احتضنتها فور أن فتحت لها.
أخذت تبكي بين ذراعي جيني التي شرعت تربت على ظهرها بحنان متمتمةً:
-ششش، لا بأس، أنا هنا، فقط اهدئي وأخبريني ماذا حدث.
فصلت جوليا العناق وانفرجت شفتيها متحدثةً بغصة:
-أنا...أشعر أنني أعيش بما هو أسوأ من الكابوس الذي يراودني، لقد بتُّ مشتتة، أنا....
أكملت وقد شرعت في البكاء بنشيج مسموع:
-أنا لا أعلم، هذا الألم يأبي الانتهاء.
أغلقت جيني باب المنزل ثم سحبتها من يدها بهدوء وجعلتها تجلس على الأريكة ثم جلست أمامها ونبست:
-حسناً، أخبريني، ماذا حدث وحتماً سنجد حلًا!
نفت جوليا برأسها وهي تبكي، لتتنهد جيني ثم عادت تعانقها وأخذت تمسد على رأسها وهي تتمتم:
-حسناً، فلنتحدث لاحقاً، فقط اهدئي أرجوكِ.
ظلَّت جيني تربت عليها وهي تتمتم بكلمات تحاول تهدأتها بها، إلى أن توقفت يد جيني عن التربيت وكأنها تجمدت.
ابتعدت جوليا قليلًا وكفكفت دموعها، لتجد جيني قد اعتلت ملامحها الصدمة وكأنها رأت شبح.
نظرت إلى ما تنظر، لتطلق تنهيدة عميقة عندما علمت سبب صدمتها.......
يتبع..........
YOU ARE READING
The Robot
Romance-لقد ظللت أبحث عنك لأعواماً! -مَن أنتِ؟ ...... -هذا أخر ما تبقى منه سيدي، صورته. نزل النبأ كالصاعقة على والدها الذي استلم صورة لصديق طفلته بملامح يعتصرها الحزن؛ خشيةً أن يفطر قلب صغيرته التي تجلس بحماس بإنتظار أن يأتي ليدعوها للعب ككل يوم، إلى أن ذل...