9

200 11 2
                                    

كان أحمد يقف بجانب أرضهم الزراعية. ملامحه يبدو عليها التعب. يشعر بالضيق من نفسه. لا يعلم أين أخطأ ولا يعلم كيف يمكنه أن يصلح الأمر. هل تجاهل شقيقته لدرجة ألا يلاحظ ما يحدث تحت أنفه لسنوات؟ هل شعر بالراحة عندما زوجها لابن عمه وأخلى مسؤوليته منها؟

شعر بيد توضع على كتفه قبل أن يشعر بوقوق أحدهم بجانبه.

"مقولتليش ليه إن جايلك شغل في القاهرة؟"

زفر أحمد بضيق حين تذكر غضبه على زوجته المسكينة بلا سبب "اهو اللي حصل يا آدم. اعتبرني مش جايلي حاجة كده كده هرفض. زي ما احنا اتفقنا اتكل على الله انت ومراتك وأنا هظبط الدنيا هنا".

"هو ايه اللي اعتبرك مش جايلك حاجة. انت اتجننت يا أحمد؟ انت هتوقف حياتك علشان شوية كلام ممكن يطلعوا من واحد ولا يسوى. وبعدين ياخي أنا لو مش هسيبك تعمل الهبل اللي في دماغك علشانك انت فأنا هخاف على أختي وحياتها اللي سيادتك عايز توقفها". كاد أحمد يعترض ولكن آدم أوقفه وأكمل بتحذير "اسمع يا أحمد أنا يوم ما جوزتك أختي كنت عارف إني بسلمها لراجل هيحبها ويصونها بس صدقني لو حسيت للحظة إنك بتيجي عليها علشان أي حاجة تانية أنا مش هتردد إني اخليك تسيبها. أنا أهم حاجة عندي راحة نيرة".

نظر له أحمد بحزن. "أنا مقدرش اعيش من غير نيرة يا آدم".

ربت آدم على كتفه وقال "ما أنا عارف. وهي متقدرش تعيش من غيرك. حافظ عليها بقا".

أومأ أحمد ليكمل آدم "روح صالحها علشان أنا سايبها بتعيط هناك. وقولها إنك هتوافق على العرض اللي جايلك يلا".

_________________________________

كانت تجلس على السرير وتنظر لسجادة الصلاة الموضوعة على المكتب بقلة حيلة. كانت مقصرة في صلواتها وهي تعلم ذلك. لكن لا تدري هل سيعفوا الله عنها بعد كل ما فعلته.

سمعت طرق خفيف على الباب قبل أن يفتح ويدخل شقيقها الأصغر تيم "بتول، جدو بيقولك البسي وانزلي معانا تحت".

شعرت بالتوتر يتسلل لأطرافها، كيف ستواجههم الآن "تيم، قوله إني نايمة مش عايزة انزل".

نظر لها بملل "هو أصلا قالي لو نايمة اصحيكي فخلصي نفسك يعني".

تركها تتخبط بين أفكارها وخرج من الشقة. وقفت هي بلا روح لتخرج من خزانتها عباءة باللون النبيذي وترتديها مع حجابها وتتوجه للخارج. كانت تشعر ببرد غريب يتسلل لأطرافها مع كل خطوة حتى وصلت أصوات التجمع العائلي لأذنها.

دخلت بهدوء وألقت السلام على الموجودين ثم ناداها جدها لتجلس بجانب زوجها.

نظرت لآدم الذي يجلس بجانب جده وعلى قدميه آدم الصغير. تقدمت منه بهدوء وجلست تاركة مسافة معقولة بينهما.

جلسوا لفترة حيث أعلمهم آدم باستقراره في مصر وأخبرهم عن انتقاله هو وأحمد إلى القاهرة. استأذن بعدها الجد لينام تاركًا ابنه وأحفاده معًا.

"اسمع بقا يا سي آدم. انت من النهاردة كده تاخد أختك وبنتها عندك سنتين تلاتة يعني". قالها شاب يبدو في منتصف الثلاثينات بمرح. كانت ملامحه مريحة للعين ويبدو الرضا على وجهه.

ضحك آدم وقال "وماله يا سي فريد اخدهم عندي العمر كله كمان يا عم هو أنا اطول القمرات دول يبقوا قاعدين معايا".

"تبقى عملت في أخوك جميلة والله. الواحد مش عارف ياخد راحته كده في العيشة".

نظرت لهم ملك التي كانت تجلس بجانب زوجها واعترضت بحزن مصطنع "يا سلام! وايه كمان يا أستاذ فريد".

نظر لها آدم باببتسامة "ولا تزعلي نفسك يا ملك. هو يتكل على الله وأنا هفتحلك شقة ماما تقعدي فيها انت وديدة، وخليه بقا يلف حوالين نفسه علشان يطول شعرة منك ولا ايه رأيك انت يا بابا؟".

ابتسم محمد "عين العقل والله. أنا أصلا وحشني الشقة بتاعت المرحومة أمك هطلع اقعد مع ملك فيها ونطلقها بقا كفاية عليه كده احنا عايزين بنتنا".

بدأت ملامح الذعر تظهر على فريد "أنا بهزر يا جماعة والله. انتوا ما صدقتوا ولا ايه؟ ما تقول حاجة يا أحمد".

نظر له أحمد بخوف مصطنع "يا ابني أنا لو نطقت هطلق معاك أصلا دول عيلة هبلة".

"قصدك ايه بقا بالكلام ده يا أستاذ أحمد إن شاء الله؟" قالت نيرة ثم وقفت من مكانها بجانب أحمد وجلست بجانب والدها "وأنا هقعد معاكم في شقة ماما يا بابا".

اكملوا ضحكهم معًا وقد اتخذوا من فريد وأحمد مادة للتنمر. بين كل هذا الكلام كانت بتول تشرد تارة وتراقبهم تارة في صمت. رأت نظرة آدم لأخواته. كان ينظر لهم بحنان بالغ وأسلوبه معهم لا يتم وصفه إلا بالطيبة والاحتواء. فرغم مزاحه مع أزواج أختيه إلا أنهم لا يجرأوا أن يأذوهم بكلمة أو لفظ.

لم تستطع إلا أن تتسائل. إذا كانت لتخذت قرارات أفضل هل كان من الممكن أن تكون حياتها مع آدم مختلفة؟

أفاقت من أفكارها على صوت آدم يناديها. نظرت له لتجده واقفًا أمامها.

"يلا؟"

أومأت ووقفت معه وتوجها إلى شقتهما في الأعلى.

دخلا الشقة بصمت قطعه قائلًا "هنسافر يوم التلات إن شاء الله. ابدأي جهزي حاجتك".

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 30 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

بتولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن