"بتول يا حبيبتي اصحي يلا بقينا الضهر"
استيقظت على صوت والدتها وهي تشعر بصداع غريب ينهش رأسها.ما إن نظرت السيدة لوجه ابنتها حتى شهقت بفزع. عينان حمراوتان ووجه شاحب كأنا الحياة سُحِبت منه.
اقتربت منها السيدة بفزع و قالت "ايه اللي حصل يا بنتي وشك عامل كده ليه؟"
ما إن جلست أمها بجانبها ألقت بتول بنفسها بين ذراعيها وبدأت البكاء مجددًا. بكت بحرقة، تلوم نفسها ولا أحد غير نفسها. لا تعلم ماذا سيحدث الآن.
هل سيخبر آدم أهلهم؟ هل ستُفضح أمام والدتها، جدها وأخيها الصغير؟ أحمد لا يطيقها الآن. شقيقها يكرهها وهي لا تستطيع لومه.
"اوعي تكوني بتعيطي علشان آدم رجع يا بتول". قالتها أمها بنبرة حنونة وهي تربت على ظهر صغيرتها "اديله فرصة يا حبيبتي. ملك قالتلي إنهم واصلين متأخر امبارح مع ذلك هو نزل تحت من صباحسة ربنا قعد مع جدك ونبه إن محدش يصحيكي علشان انت نايمة متأخر. زمانهم راحوا يصلوا الجمعة دلوقتي وتلاقيه هيرجع ينام أنا نضفتله الأوضة بتاعت الأطفال علشان كان نايم ع الكنبة الصبح علشان ميضايقكيش. قومي كده خديلك دش وامسحي دموعك ديه واديله فرصة يا قلب أمك الواد بيحبك وهيموت عليكي بقاله سنين".
مع كل كلمة تقولها والدتها كانت تشعر بوخز في قلبها. مرة أخرى آدم أفضل منها، مرة أخرى أخطأت وهو سيصلح خطأها. لماذا لم يخبرهم؟ لماذا لم يفعلها ليجرب إحساس النصر، ليثبت لها مجددًا أنه الأفضل. لماذا قد يتستر عليها؟
أومأت لوالدتها على كل حال وهي تحاول إيقاف دموعها.
"هنزل اسبقك على تحت بقا متتأخريش".
___________________________________
"البيت نور برجوعك يا بشمهندس آدم". قال الجد وهو يربت على ظهر حفيده بفخر.
ابتسم آدم وهو يرد "منور بأهله يا جدي، وبعدين انتوا مش محتاجيني في حاجة عندكم آدم تاني اهو". قال آخر كلماته بمزاح وهو يبتسم مشيرًا لابن شقيقته ذو الأربع سنوات والذي أطلقوا عليه اسمه.
استمرت المحادثات بين الجالسين من أهل المنزل وآدم يبتسم ابتسامات مجاملة ويرد فقط إذا وجه سؤال له، أما أحمد فقد جلس بجانب زوجته بلا ملامح على وجهه ويبدو أنه شارد في شيء ما.
بعد بضع دقائق استأذن آدم ليصعد إلى شقته لأنه يشعر بإرهاق، فسمح له جده.
صعد آدم درجات السلم بشرود وعقله يتآكل من التفكير. ما الخطأ الشنيع الذي ارتكبه؟ بماذا أجرم لكي يلقى هذا الفعل منها؟ بعد رحيله ببضعة أسابيع طلب من أحمد أن يفتح لها حسابًا بنكيًا ليضع لها مصروفها شهريًا كان يتكفل بكل ما تحتاجه طوال ال٥ سنوات. تابع أخبارها بواسطة شقيقته الكبرى. كان يعلم أنها تستغل اسمه ولكنه تغاضى عن الأمر وثق بها وبأخلاقها.
ليته لم يثق.
فتح باب الشقة ليتفاجأ بحماته أمامه.
"أهلا يابني اتفضل أنا نضفتلك أوضة الأطفال علشان تريح زمانك منمتش كويس" قالت السيدة بلطف وهي تفسح له مجالًا للدخول.
ابتسم وشكرها بهدوء. لو تعلم فقط أنا لم يغمض له جفن لمدة يومين لدرجة أنه يكاد يسقط من الإرهاق.
"بتول لسة صاحية دلوقتي لو عايزها، أنا هنزل بقا علشان اسيبك تنام".
شكرها مجددًا وأغلق الباب ثم توجه لغرفة الأطفال ليجدها -على عكس الأمس- نظيفة تمامًا.
استلقى آدم على السرير بإرهاق وأغمض عينيه محاولًا الحصول على بضع ساعات من النوم ولكن المهمة لم تكن سهلة.
___________________________________
في الغرفة المجاورة كانت دموع تلك الصهباء تتسارع على وجنتيها، عيناها تلونتا بلون خصلاتها، ووجهها قد فقد رونقه واستحال للون الأصفر وكأن الدماء قد هجرته للأبد.
لا تستطيع السيطرة على يديها المرتعشتان. تشعر وكأنها كانت في حلم طويل وفجأة سكب أحدهم دلو ماء فوق رأسها.
ماذا حدث؟ بل وكيف حدث هذا؟ ماذا فعلت؟ لقد أهدرت كل ما كانت تملك. أخطأت في حق ذاتها وأهلها جميعًا.
شيطانها يحثها لتلقي باللوم على أي أحد سواها.
على أمها التي أعطتها الحرية الكاملة وهي تعلم بطيشها.
على شقيقها الذي كان منشغلًا بزوجته منذ الأذل ولم يهتم لها أبدًا.
على أهلها الذين صدقوا بكل سذاجة أنها تأخذ الإذن من زوجها أو أنها تتحدث معه حتى.
أم تلقي باللوم على زوجها، زوجها الذي تزوجها ليساعدها على تحقيق هدفها في الحصول على تعليم مميز.
زوجها الذي أحرجته وأخطأت في حقه مرارًا وتكرارًا ولم تهتم بصورته أمام أحد.
دفعته للرحيل بعد أن أعربت عن رغبتها التامة في خروجه من حياتها.
نسيت، بل تناست أنه لم يجبرها.
زادت دموعها وارتفع صوت شهقاتها ونحيبها لا تستطيع منع نفسها.
وضعت يديها على فمها تحاول كتم الصوت ولكن بائت محاولاتها بالفشل.
كلمات أحمد شقيقها بالأمس تدور في عقلها حتى كادت أذنيها تدميان.
حديث أمها معها اليوم يذكرها بما ارتكبت من ذنب.
كيف لها أن تواجههم؟ كيف لها أن تواجه نفسها؟
التفتت بفزع عندما سمعت طرقات على الباب قبل أنا يفتح ببطء.
وجهها المنتفخ وعيناها الحمراء، خصلاتها المتناثرة في كل مكان تواجه الزوج الذي ظلمته.
"قومي اغسلي وشك وتعالي عايزك برة"
أنت تقرأ
بتول
Romance"شوف يا أحمد أنا جبتك علشان يبقا الكلام قدامك، أنا مش هطلق بتول..." "آدم". "مش هطلقها دلوقتي أنا وعدتها إنها هتكمل تعليمها وهي على ذمتي، أنا هسافر القاهرة علشان شغلي وهحولها في الجامعة هناك لغاية ما تخلص كليتها وبعدين كل واحد يشوف حاله". "آدم أنا مش...