الجزء الثاني

642 21 6
                                    

خرج هيبت من الحمام منتشيا ، بعد ان حلق ذقنه وإستحم بشكل جيد عن المرات السابقة. وزاد أنتشاؤه حين وجد ان بلسم قد أعدت له طاولة
طعام بما تشتهي نفسه.
إستنشق الروائح فقال وهو ينظر لكل تلك الأكلات :
_أمممم..ماهذا كله؟! لا اصدق إني سآكل أخيرا طعاما مثل باقي خلق الله !
نظرت إليه وأحست بالراحة لرؤيته سعيدا ومرتاحا
وقد حلق ذقنه وشاربه وبدى وسيما أكثر.
فقالت:
_ارجو أن يعجبك الطعام..فقد دبرت هذه الأصناف بصعوبة لقلة المواد المتوفرة.
_ أنتي مبدعة كعمتك نرجس.
وإقترب من الطاولة وبدأ بتناول الاطعمة وتذوقها
وهو يتحدث قائلا بتلذذ:
_ أممم..رهيب !..عاشت يداك .
_ ألف عافية.
_ إجلسي لتأكلي معي.
_ حسنا.
جلست وبدأت تأكل بتوتر. وكانت تنظر إليه بين الحين والآخر بحب وإعجاب.
فيما كان هو مندمجا بتناول طعامه.
رفع عينيه ليسألها عن نرجس، لكنه تفاجأ بنظرتها المليئة بالشوق..فتشتت قليلا ثم قال متجاهلا وضعها :
_كيف هي نرجس؟ لقد إشتقت لها حقا !
_ إنها بخير..كانت تتصل بك من حين لآخر وكان هاتفك  مغلقا.
_ نعم..لقد كان بحوزة الملعونة ميراي.
_ أنا حقا أسفة لأني لا املك هاتفا !
_ لابأس..سنجد طريقة أخرى.
_ستفتقدني عمتي بالتأكيد وستأتي للبحث عني هنا ..وعندها نخبرها بأمر أحتجازك وتبلغ الشرطة لمساعدتك.
_ هذا إن كان المنزل بلا حرس.. لا أظن أن امرا كهذا سيفوت الملعونة !
_ بإذن الله سينتهي هذا الامر على خير.
_ لننتظر ونرى.
واكمل تناول طعامه ، وجلس ببهو المنزل منتظرا
ان تحضر له كوب الشاي.
جاءت به وقدمته له.
فأبتسم وقال:
_ اتذكرين اول مرة تقابلنا فيها؟
_ نعم..عندما اعطيتك شراب الزنجبيل.
_ صحيح .
_ كان هذا اليوم هو اليوم الذي التقيت فيه ميراي !
تألم وهو يستذكر تلك الليلة التي اطلق فيها العنان لنفسه مع ميراي وبدأت بعدها بنصب شباكها له وانتهى به الأمر معنفعا ومحروما معها.
أخرج تنهيدة ندم ، فقالت بلسم:
_لقد كنت شخصا عابثا وغير مبالي !
_ لن اغضب لكلامك هذا..فأنت على حق..لقد كنت عابثا وطائشا  !
_ أتشعر إنك تغيرت بعد كل هذا؟
_ لا أدري.
_ لا تدري؟! الا ترغب بالتغيير وبدأ حياة سوية وهادئة؟!
_لا اكذب عليك..فأنا لازلت اتوق لتلك الاوقات التي كنت فيها ملك زماني.
_ أيشمل هذا رغبتك بالنساء؟
_ أكيد !
_ يالك من عابث وأحمق !
_ كيف تجرؤين؟!
_ لأنها الحقيقة ! أن الله يضع العقبات والابتلاءات لينقذنا من انفسنا ..لنتغير للأفضل..وانت بعد كل الذي حصل لك..لازلت تفكر بالنساء؟!
_ أنا معذور..فقد عشت هكذا ..وحرمت من كل هذا فجأة..لن أكون قادرا على التجاوز والتغيير بهذه السهولة..ربما سأحتاج وقتا أطول.
_ بل تحتاج لإرادة ولأيمان أكبر.
سرح بفكره قليلا ،ثم قال:
_ دعك من هذا الحديث الآن..لم يثر في إلا الحاجة للشعور بالرضا.
_ وكيف ستشعر بالرضا.
_ سأشعر بقليل من الرضا إن لبيت لي ما سأطلبه.
_ سيد هيبت..إياك والتفكير بأمور غبية معي !
_ أنت تتجاوزين حدودك كثيرا معي ! ألأني مقعد إستضعفتني؟!
_ كلا..لست أستضعفك..أنا أحذرك من الإقتراب مني!
ضحك وقال:
_ أتخافين مني وانا مقعد؟
_ ليست مسألة خوف..بل انزعاج وتقزز.
_ تتقززين مني؟
_ لاتفهمني خطأ..اتقزز مما تفكر به..فأنا لست بمومس.
_ لقد اخبرتني هذا ذات مرة !
_ والآن اذكرك..يازير النساء!
_ أنت سليطة اللسان يا... حقا ما أسمك؟!
_ بلسم.
_ بلسم..جميل..أرجو ان تكوني بلسما كأسمك.
_ سأكون بلسم لمن يستحق !
_ وأنا اكثر شخص يستحق..ألا ترين ماأعانيه؟
سكتت ولم تجبه. فراح ينظر إليها مليا. حتى أضطربت بسبب نظراته ، ثم قال هو :
_بلسم...أنا حقا بحاجتك !
_ مالذي بيدي فعله؟
_ بيدك ان تمنحيني بعض الوقت لأشعر فيه بكياني.. ورجولتي.
_ سيد هيبت..إن كنت تقصد...
_ كلا..لاتقلقي..صدقيني أنا بحاجة للقليل من ..لا ادري ما اسميه...اود أن أعيش بضع لحظات اتذكر فيها ماكنت عليه..وانسى إني محطم هكذا .
_ ومالذي علي فعله أنا؟
_ فقط حاولي الأستماع لي وافعلي ما اطلبه منك..
واعدك إنك ستكونين بمأمن مني.
ولأنها تحبه وتشعر بالشفقة على حاله..قررت ان ترى مالذي سيطلبه منها. فقالت:
_ حسنا..ماهو طلبك؟
نظر إليها مليا وبعيون ساحرة ، فذابت بذلك السحر وكأنه يلقي عليها تعويذة الإستسلام له.
وقال:
_ هلا جلبت التكاية*؟       *(التكاية: هي مسند يساعده على الوقوف وتسمى ايضا مشاية) .
إستغربت بلسم طلبه ،لكنها قررت تلبيته، وجلبت التكاية .
فقال:
_قربيها لي. 
فقربتها إليه .وكان لايزال على كرسيه المتحرك وأمامه التكاية. نظر إلى بلسم ومد يده نحوها قائلا:
_ تعالي.
لم تفهم مايريد منها وما المغزى من وجود التكايةامامه؟
خطر ببالها إنه ربما يريد مساعدتها له لمحاولة المشي بالتكايه والأستناد عليها .
إقترب وانتظرت ان يكمل طلبه. فقال:
_إقتربي أكثر..اريدك هنا أمامي..لا تخافي ..صدقيني
لن ازعجك.
إقتربت أكثر حتى وقفت قرب ساقيه ، امسك بيدها وعدل من وقفتها لتكون أمامه تماما، تحت إستغرابها وحيرتها .
ثم سحب التكاية لتكون خلفها ،او بالاحرى حولها،
حيث طوقها بها .ووضع يداه على حافتيها وبدأ بالضغط على ذراعيه ليتمكن من الإتكاء ويقف على رجليه.
تحت صدمة وخوف بلسم ، كان هيبت يقف ويحاصرها من الأمام..ومن حولها كانت القضبان.
ظلت تنظر إليه بتوتر وقلق وهو يجبر نفسه على الوقوف والثبات أمامها.فتسآلت:
_ ماذا تفعل سيد هيبت؟
فقال:
_مضى وقت طويل لم اقف فيه أمام أحد..منذ سنة وانا انظر للجميع من فوقي..إشتقت أن أشعر بهيبتي ورجولتي.
_ لست بحاجة لإجبار نفسك على الوقوف لتشعر بذلك..الهيبة والرجولة لادخل لها بوقوفك او جلوسك.
_لكني اشعر بفرق كبير الآن..خصوصا وأن طولك ضاع تحت طول قامتي.
_ أفكارك كلها منحرفة سيد هيبت..ليتك تفكر بجدية اكثر !
_ أنا جاد..وارغب بعيش لحظات افتقدها منذ سنة !
_ حسنا لابأس..لقد وقفت وقارنت بين طولي وطولك..اظن إن هذا منحك القليل من الشعور
بالزهو والارتياح.
_ ليس بعد..أحتاج ..لحضن منك..هيا أحضنيني.
_ سيد هيبت !  ارجوك عد لكرسيك..انت تتعب نفسك هكذا وتزعجني !
_ لن اعود قبل ان تحضنيني..إنه فقط حضن صغير.. طوقيني بذراعيك وينتهي كل شيء..لا تخافي.
_لا استطيع..ارجوك عد لكرسيك .
_ قلت لن أعود حتى تحضنيني !
ومرت لحظات وعيونهما تتحدثان لبعض بصمت.
كان بودها لو ضمته واغمضت للأبد..وكان بوده لو
ان يكون بكامل قوته ليجبرها على العناق.
نفذ صبره فمد يدا ليطوق خصرها ، ولم تسعفه يده الاخرى ليبقى ثابتا، وخانته قواه فسقط ، لكن بلسم تلقته بكلتا ذراعيها وحضنته دون قصد..فقط ارادت مساعدته ومنعه من السقوط ارضا. وتمسك هو بكرسيه المتحرك ورمى بنفسه عليه وبلسم تحضنه.
حدث كل شيء بسرعة . وكانت هي جالسة بحضنه وهو يطوقها بذراعيه ويبتسم ويقول:
_ لقد فعلتيها وحضنتيني والآن أنا احضنك.
_ لقد حاولت مساعدتك فقط !
_ شكرا لك يا بلسمي.
_ لست بلسمك وأبعد يديك عني ودعني .
وحاولت تخليص نفسها من بين ذراعيه ، وافلتها اخيرها وهو يضحك ويقول:
_ يالك من فتاة جبانة..ماذا يمكن ان افعل لك اكثر من العناق وانا بوضعي هذا؟
إبتعدت لتقف امامه وقالت :
_لا تبدو لي شخصا يستهان بقدراته !
_ كان بإمكاني فعل شيء آخر معك..لكني لم افعل أحتراما لمشاعرك.
_ وماهو هذا الشيء؟
_ كان بإمكاني تقبيلك وانت بين ذراعي !
_ حمدا لله إنك لم تفعل وإلا...
_ وإلا ماذا؟
_وإلا..وإلا لن اساعدك بشيء آخر ابد..وسأتجاهلك تماما..حتى يتم انقاذي من سجنك هذا !
_ انا لم اسجنك..ميراي فعلت .
_ اتمنى ان تفتقدني عمتي وتأتي لأخبرها وتطلب مساعدة الشرطة.
_ هذا إن كانت ميراي غبية ولم تحسب حساب مجيء احدهم للمنزل.
_ اتقصد إنها قد تمنع عمتي او اي شخص من المجيء لنا؟
_ اؤوكد لك ذلك..فميراي هذه شيطانة وماكرة وخبيثة.
_ وهل سأبقى حبيسة معك لحين عودتها؟ اظنها ستقتلني.
_ هذا وارد !
_ اتخيفني بدل ان تشجعني وتطمني؟!
_ أنا أحاول ان اكون واقعيا معك..ونصيحة مني
إليك  إستمتعي بيومك معي..فلا مهرب لك اليوم
او غدا.
_ وكيف تريدني استمتع ياترى؟!
_ لننسى إننا محتجزان...لنعش اجواء سعيدة ورومانسية وأعدك إنني لن امسك بسوء ابدا.
كانت تشعر بالإغراء وهي تتخيل ان تقضي معه
ليلة رومانسية حالمة ..لكن الامر لم يكن بهذه السهولة فحيائها وخوفها من ان يتمادى معها يجعلانها تتردد.
وأضاف هيبت يقول:
_ حسنا ..لا عليك..لا اريد شيء خاصا منك..دعينا فقط نترك القلق ..ونمارس يومنا بشكل طبيعي.
_ وماذا بإيدينا غير ان نستسلم؟!
_ هيه لحظة..قد لا اكون قادرا على فعل شيء..
لكن انت تقدرين !
_ اقدر  على ماذا؟!
_ إصعدي للأعلى وحاولي فتح غرفة ميراي..قد تجدين هاتفي هناك او اي شيء يفيدنا.
_ لست خبيرة بكسر الاقفال.
_ لا تحتاجين لخبرة ..خذي اي شيء حاد او مطرقة واكسري القفل او حتى الباب !
_ حسنا..سأحاول.
وصعدت بلسم للطابق الاعلى واخذت معها بعض الأدوات المعدنية وبدأت بمحاولتها لفتح قفل الباب او كسره حتى.

إنكسار مؤقتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن