الجزء الخامس

537 18 11
                                    

عزم أمره للذهاب لمحافظة السليمانية والبحث بين قُراها.
إتصل بصديقٍ له يسكن هناك. وجاؤه الرد :
--ألو..
--آرام؟
أجاب باللغة الكردية الدارجة هناك:
--بلي..من معي؟
--تكلم عربي يا وديع!
ضحك آرام و تحدث بالعربية :
--هيبت؟! يا للمفاجأة؟ ما هذه الغيبة يارجل؟!
--تذكر إني كنتُ ألقبك بوديع؟
--وهل هذا شيء يُنسی؟ أنت الوحيد الذي تدعوني بذلك.
-- ألازلت تسمع لوديع الصافي؟
--ليس كالسابق..لقد تغير المود خلال السنوات الأخيرة.. كيف حالك يارجل..وما أخبارك؟
--الحمد لله تمام..كيف حالك أنت ؟
--أنا الآن بأفضل حال لأنك تذكرتني واتصلت بي.
-- دومك بخير إن شاءلله..تسلم حبيبي.
--ألن نلتقي كالسابق؟ مشتاق جدا لجلساتنا ومغامراتنا.
--أنا بطريقي للسليمانية.
--أأنت جاد؟ أم تمزح معي؟
--لستُ أمزح ياصديقي..سنقوم بمغامرةٍ صغيرةٍ.
--نعم ! هذا هو الكلام الجميل !
--ألازلت بنفس العنوان؟
--نعم نفسه.. تعال لشقتي ..سأكون بأنتظارك.
--جيد ..بضع ساعات وسأكون عندك.
--يا كل الهلا ..ستنورني.
--تسلم..خذ راحتك الآن.
-- تمام..الله معاك صديقي.
أغلق هيبت الخط وقال يحدث نفسه : آه يابلسمي..
لا طاقة لي علی تحمل فكرة فقدانك !
وواصل قيادته للسيارة بإتجاه السليمانية.
...................................................................
كانت بلسم تضفي اللمسات الأخيرة لتنظيف المطبخ ، عندما جاءت نورا ودخلت دون أن تطرق الباب.
وقالت بمرح :
--كيف حال صديقتي اليوم؟
إلتفتت بلسم بفزعٍ وقالت وهي تضع كفها علی صدرها:
--تبا لكِ نورا..لقد أخفتِني حقا !
-- أفزعت؟! لماذا ؟هل صوتي غريب عليكِ؟
--لقد كان ظهورك ِمفاجأً وأرتبكت.
--آسفة حبيبتي..لكن هذه ليست أول مرة أفاجأك هكذا..
إنها لعبتي المفضلة كما تعلمين.
--صحيح..لكن كنت شاردة الذهن لذلك جفلت.
--وذهنك شاردٌ بماذا؟! هيا إعترفي .
ضحكت بلسم وقالت :
-- بلا شيء..تعالي نجلس ونتحدث في الصالة.
-- بل دعينا نذهب للمزرعة .
--أ..ليس اليوم.
--في العادة أنت تلحين أن نذهب هناك..مابك اليوم؟
كل شيء بك غريب !
--لا أبدا..أنا فقط متعبة..لقد نظفت المنزل والمطبخ بعمق.
-- لابأس.. إحتفظي بأسرارك لنفسك..وأنا أيضا
سأحتفظ بأسراري لنفسي..لن أشاركك شيئا بعد ألآن !
تنهدت بلسم وقالت :
--نورا !..حسنا سأخبرك بما حدث معي البارحة.
إبتسمت نورا وجلست بتلهف لتسمع منها.
جلست بلسم قربها وقالت :
--بصراحة..لقد تحدث إلي أخوك معتز.
--معتز؟! متی وأين وماذا أراد؟
--أراد أن يعتذر عن تصرفه عندما جاء ليخبرك إنهم ينادوك.
-- ومالذي يعتذر عنه؟
--يعتذر لعدم إلقائه السلام .
ضحكت نورا عاليا وقالت :
--تمزحين ! أأنت متأكدة إنه أخي معتز؟!
--ولماذا أنت مستغربة؟
-- مستغربة لأن معتز لايفعل ذلك..بحياته لم يعتذر
لأحد عن شيء.
--لاتجعليني أخافه أكثر.
--تخافينه أكثر؟ وهل تخافينه أنت؟ لماذا؟
--بصراحة أخوكِ هذا ينظر إلي بطريقة مخيفة وكأنه غاضب مني..والبارحة...
-- البارحة ماذا؟
--جاء لباب البيت وأفزعني ظهوره بشكل مفاجيء..
وقال إنه يود أن نتحدث هذا اليوم.
--ولهذا السبب أنت ترفضين الخروج اليوم.
--بصراحة نعم..أخشی مواجهته او الإنفرد معه.
--لاتقلقي..معتز ليس طائشا..لن يفعل شيئاً يزعجك..
هو فقط متعصب ومتسلط.
--كنت أظن أن إن رجال كردستان ودودين ومتفهمين !
--إنهم كذلك..أخي هو الوحيد المختلف .
--يالحظي وحظك !
وضحكتا عاليا. بعدها قالت بلسم:
ولكن قولي لي..ألا يعمل؟ أليس لديه وظيفة؟
--معتز لايزال طالب في المعهد.
--لايزال طالباً؟! لكن حسب علمي فعمره قارب الثلاثين.
-- هذا لأنه متلكأ بالدراسة ..لايحبها رغم إنه ذكي جدا.
--أهاا.
--والآن..دعي خوفك من معتز جانبا وهيا لنخرج للمزرعة.
--حسنا.
خرجتا من المنزل ، ففوجأتا بوجود معتز يتحدث للعمة نرجس خارج المنزل وهي تشذب بعض النباتات في الحديقة.
رمق بلسم بنظرة فاحصة أربكتها ،ثم قال:
--كيف حالك آنسة بلسم؟
--بخير..الحمد لله.
والتفتت لعمتها قایلة:
--عمتي..سأكون بالمزرعة أنا ونورا إن أحتجتني.
--تمام حبيبتي الله معكما.
وقال معتز:
-- ألا تطلبي الأذن مني أختي العزيزة؟
قالت نورا:
--لقد أخذت الأذن من والديّ.
رد عليها بالغة الكردية :
--ردك هذا ليس مناسباً ! إحذري عقابي !
أجابته بنفس اللغة:
--اعتذر أخي..هلا تسمح لي بالذهاب للمزرعة برفقة بلسم؟
--إغربي عن وجهي ولا تتأخرا هناك.
--حاضر !
وإبتعدت تجر بلسم التي قتلها الفضول لتعرف ماذا قالا لبعض بلغتهما.
وبعد إبتعادهما. إلتفتَ معتز لنرجس وقال:
--إذا عمتي..سأترك الأمر لكِ..سأذهب ألآن.
--بإذن الله خير ياولدي..الله معاك.
وغادر مبتعداً وراحت نرجس تبتسم بإرتياح.
........................................................،....
وصل هيبت لشقة صديقه آرام مساءا.
إستقبله الأخير بحفاوة وسعادة. و قال له وهما يدخلان :
--إنظر لنفسك..تبدو أكثر وسامةً يارجل..أهذا ماتفعله بكَ النساء؟
--أسكت آرام..ليس وراء النساء غير ألأذية !
--لماذا؟ ألست سعيدا بزواجك؟
--أرغب بالراحة يارجل..فقد قضيت نهاري بقيادة السيارة.
--آسف صديقي...أجلس وسأجلب لك شرابا باردا.
--ماء ..أريد ماء..وجهز لي لقمة أكلها أيضا.
-- اليوم ستأكل اطيب كباب في السليمانية كلها !
_أي والله ..اشتقت لكباب سليمانية .
.............................................................
كانت نرجس تشاهد التلفاز ، وجاءت بلسم وجلست بجانبها.
فسألتها :
--عزيزتي بلسم..ما رأيك بمعتز؟
--ولما هذا السؤال ياعمتي؟
--أجيبيني فقط.
--أنا لا أعرف عنه شيء..لكن أخته نورا تقول عنه إنه متعصب ومتسلط.
--نورا تبالغ صدقيني..فأنا أعرفه جيدا..هو فقط يضبط عليها لأنها أخته ويخاف عليها.
--دامك تعرفيه أكثر من أخته فلما تسأليني عنه؟
--حسناً سأصارحك بالأمر..معتز حدثني وقال إنه يريد الزواج بك.
--زواج؟ معتز؟..مستحيل.
-- ولما المستحيل؟ الشاب لاينقصه شيء..وسيم ومتعلم
وحالته المادية جيدة.
--أنا ..أنا أقصد إني..لا أريد الزواج أصلا.
-- ولما لا؟ لقد أصبحت بالغة بما فيه الكفاية..ومعتز مناسب لك جدا.
تحجرت بلسم ولمع عيناها . فقالت عمتها وهي تتنهد :
--لا تقولي إن السبب هيبت !
لم تجبها بلسم وضلت صامته وإختنقت بعبرتها.
فأضافت نرجس :
--ياحبيبتي..إنسي هيبت كما نسيكِ هو..وزواجكِ من معتز خير وسيلة لذلك.
--ليست عادتك أن تجعليني أفقد الأمل بالأشياء.
--إنه أمر واقع ..وأنا أريد لك السعادة والأبتعاد عن الوهم
والتمسك بالخيال.
--علی فكرة..فقد إقترح معتز أن تتقابلا وتتحدثا لبعض ..
لتتعرفي عليه أكثر..وبعدها يمكنك أن تقرري الرفض
أو القبول بالزواج منه.
--عمتي..هذا غير ممكن..لا أريد الأنفراد معه.
--لم يكن لديك مانع من الإنفراد مع هيبت رغم سوء أخلاقه.
--عمتي..أهذه إهانة لي؟
--كلا عزيزتي..أنا أقصد أن أذكرك إن لا داعي للخوف او الارتباك من التحدث مع معتز لوحدكما.
نزلت دمعاتها، فضمتها عمتها لصدرها وقالت:
--لا أريد الضغط عليك يا إبنتي..أنا فقط أريد أن أطمأن علی مستقبلك.
مسحت بلسم دمعاتها وقالت :
-- حسنا عمتي..سأتحدث لمعتز..وإن كنت واثقة جداً منه فلاداعي لذلك..يمكنه أن يتقدم لخطبتي..وسأوافق .
--كلا حبيبتي..أريدك أن تتحدثي إليه فقد تجدين فيه شيئاً يجعلك تنفرين منه..ومن يدري قد تجدين أيضاً شيئاً يجذبك إليه فتتعلقين به وتتزوجيه بقناعة .
--حسناً عمتي..كما تشائين..أقبل التحدث إليه.
قبلتها عمتها ،بعدها نهظت بلسم وقالت إنها ستجهز العشاء .
فحاولت عمتها النهوض ومساعدتها ، غير إن بلسم أجلستها وقالت إنها ستعده لوحدها لكونه عشاءا بسيطا وإن علیها أن تكمل مشاهدة مسلسها المفضل.
وسارت نحو المطبخ .وجلست علی الكرسي وغطت وجهها بكفيها وهي تقول :
--هيبت..يالك من أناني !
.................................................................
قال هيبت وهو يأكل من الطعام الذي طلبه له آرام :
-- كباب السليمانية يفوز !
-- عافيات علی قلبك حبيبي.
--الله يعافيك..الحمد لله شبعت.
--أكمل أكلك يا رجل فورائك حديث طويل.
--والله شبعت ..سفرة دائمة قلبي.
--يديمك صديقي.
--تسلم..والآن هذا الكباب بحاجة لشاي معتبر .
-- طبعا..قم وأغتسل وسأصب لنا شاياً لم تذق مثل طعمه بحياتك.
وبعد أن إغتسل هيبت وعد للجلوس، جاء آرام بكوبي شاي.
ووضعه أمامها وقال:
--والآن..الشاي المعتبر وإبدأ بالحديث.
-- تمام.
إرتشف القليل من الشاي وقال:
--سلمت يداك..شاي ولا غلطة.
--عيب..أنا آرام (شايشي) الشلة وقت السفرات والتخييم.
أطلق هيبة تنهيدة من صدره وقال:
--كانت أياما جميلة برفقة الشباب..لم نترك محافظة لم نزرها..كان مؤمل علی طول معنا..وسجاد ابو المقالب..أين أصبح ألآن؟ وأمجد الله يرحمه..يااااه كيف أفترقنا هكذا بعد كل تلك المغامرات؟
--كانت أياما لاتعوض بحق..بإذن ألله سنعيدها.
--مؤمل قادم للبلد بعد أيام.
--أحقا..هذا رائع..سأحاول الإتصال بسجاد ونعيد أمجاد الشلة.
--إن شاء لله.
--إن شاء لله..والآن ..أدخل بموضوعك .
--موضوعي ياصديقي..إنني أبحث عن شخص هنا بالسليمانية..لكن بإحدی القری..أي قريةً ..لا أعلم.
--القری كثيرة هنا..لكن من هو هذا الشخص؟ولماذا تبحث عنه؟
--بدايةً..سأحكي لكَ عن الأحداث التي حصلت معي خلال السنتين الماضيتين..أي منذ زواجي وللآن.
--كلي آذان صاغية.
وبدأ هيبت بسرد حكايته لآرام بكل تفاصيلها.
..................................................................
في اليوم التالي.
إستيقظت بلسم باكرا..ونزلت تبحث عن عمتها فوجدتها
تسقي الحديقة الخارجية .وقفت تقول :
--صباح الخير عمتي.
--صباح الخيرات ياروح عمتك.
--تهتمين بالحديقة أكثر من إهتمامك بصحتك عمتي العزيزة.
-- الإهتمام بالحديقة جزء من صحتي وطاقتي..لولاها لكنت أجلس وأشكو من الملل.
ثم أضافت تقول:
-- لكن مالذي جعلك تصحين مبكرة هكذا عزيزتي؟
-- بصراحة عمتي ..لم أنم أساسا.
--ولمَ ياحبيبتي؟ أأنتِ بخير؟
--أنا بخير..لقد قضيت الليل أفكر..ووجدت إني غير قادرة علی طرد هيبت من رأسي.
--أهذا يعني إنكِ غيرتِ رأيك بشأن معتز؟
--كلا..بل العكس..أريد أن أنسی هيبت بأي شكل ..لقد تعبت !
وراحت تبكي .فأسرعت عمتها لتضمها إليها وتمسح علی رأسها وتقول:
--عليك اللعنة هيبت لأنك فطرتَ قلب صغيرتي.
-- لا تلعنيه عمتي..لقد عانی مافيه الكفاية..ليس ذنبه إن تجاهلني..فهو لايعلم بحبي له.
وسارت بها عمتها نحو داخل المنزل .
وكانت هناك عينان تراقبهما من بعيد. حيث كان معتز متوجها لدوامه في المعهد، وشاهد ماحدث دون أن يسمع حديثهما.
......................................................................
إيقظ هيبت صديقه من النوم قائلا :
-- إنهض آرام..إنها الثامنة ..علينا بدأ البحث.
فرك آرام عينيه وقال وهو يتثائب :
-- لازال الوقت مبكرا يارجل..دعني أنام قليلا..لم أعتد ..الإسيقاظ مبكرا.
--آرام..لاقدرة لي علی التحمل ..أنا لم أنم ليلي ..كنت أعد الساعات عداً لحلول الصباح.
جلس آرام وقال وهو يمغط ذراعيه :
--كل هذا وتقول لا أدري إن كنت أحبها؟ أنت مجنون بحبها ياصاحبي.
--حسنا ..إنهض الآن ..سأجهز شيئاً نأكله بينما تنتهي من الإغتسال واللبس.
-- تمام.
##############################
إنتهت بلسم وعمتها من تناول فطارهما ،فحملت الأطباق لحوض الغسل، وهي تقول :
--عمتي..لدي ما أعترف لك به.
--أنا أسمع ..أحكي حبيبتي.
--الأمر لايخصني..إنه يخص نورا.
--نورا؟ وبماذا تعترفين بشأنها؟
--بصراحة نورا أعترفت لي بشيء وطلبت ألا أخبر أحدا..
لكن أشعر إنها بحاجة للمساعدة ولرأي شخص كبير..وأعتقد إنك أنسب شخص ياعمتي.
--تحدثي مباشرةً دون قلق يا أبنتي.
--بصراحة عمتي ..نورا تحب شخص ..تعرفت عليه بموقع تواصل..والشاب يريد التقدم لها..لكنها تخاف
من ردة فعل أخيها معتز.
--ولماذا تخاف ؟ دامه يريد التقدم لها بالحلال.فلا أظن معتز سيرفض ..هو من نوع الرجال الذين يفضلون تزويج البنت باكراً.
--لكنهما يرغبان بالألتقاء قبل التقدم لخطبتها..تعرفين إن من الضروري أن يلتقيان وجها لوجه لأن التواصل علی الأنترنت غير كاف ٍ
--إذا فأنتي تريدين حلاً لهما؟
أومأت برأسها بالإيجاب. فأكملت عمتها :
--مارأيك أن أتحدث لأمها وأشرح لها بطريقة تقنعها لتفهم الأمر؟
--لا أدري ..أظن نورا ستشعر بالإحراج من إهلها ولن توافق.
--والخيار الثاني..أن تطلب منه المجيء والألتقاء به بيننا.
--لا أدري إن كانت سترضی بأحد الحلين..سأخبرها بإقتراحك وإن شاء الله خير.
--إن شاءلله.
***************************************
وصل هيبت وآرام لأول قرية أقترحها عليه لبدأ البحث عن بلسم وعمتها.
وبدءا بسؤالِ كل من يقابلانه عنهما. لكن دون جدوی.
وإنقضت عدة ساعات وهما يدوران بين أرجاء القرية.
فأصاب هيبت الإحباط وجلس بسيارته مهموما ومنزعجا،
فقال آرام :
--لاتنزعج هكذا..لازلنا بأول البحث.
أخرج هيبت تنهيدة من صدره وقاد السيارة بإتجاه قرية أخری.
********************************
خرجت بلسم لتذهب مع نورا للمزرعة، كعادتهما كل يوم.
وإنتهز معتز فرصة ذهابهما فجاء لنرجس.
نادی عليها فخرجت من منزلها وإستقبلته ودعته للدخول.
فقال:
--كلا أشكرك عمة نرجس..أنا عائد لتوي من المعهد..وقلت أمر عليك لاأسألك عن رأي بلسم بالموضوع الذي إقترحته .
--أنت شخص عملي ومباشر.
--علينا أن نكون واقعيين ومباشرين..فالوقت ثمين .
--فعلا..لقد تحدثت لبلسم..وأبدت موافقتها بأن تتقدم لخطبتها.
--أحقا ماتقولين؟ هل وافقت عن قناعة أم أنت التي أقنعتها؟
--بل وافقت بكامل قناعتها.
--جيد..سأخبر والدايّ برغبتي إذا.
--إن شاء الله خيراً.
ثم ودعها وغادر بإتجاه منل عائلته والإبتسامة تملأ ثغريه.
دخل منزلهم وحيا والدته وقبل يدها، فأحست بسعادته وتسآلت :
--البشاشة تشع من وجهك اليوم..ألن تخبر أمك بما يفرحك؟
--طبعا أخبرك..فأنت أمي العزيزة وأود أن أبلغك بخبر لطالما تمنيتِ أن تسمعيه.
--قل ياولدي..شوقتني !
سأتزوج يا أمي.
صدمتها المفاجأة قليلا لكنها قالت بسعادة ولهفة :
--أحقا ماتقول؟! أرجوك لاتقل إنكَ تمزح.
--بل إنها الحقيقةيا أمي.
--لاتقل إنك أخترت العروس أيضا؟!
--أنا..أرغب بالزواج ببلسم.
--بلسم ؟ أمتأكد ياولدي؟
--نعم متأكد..ألا تعجبك ؟
--بل تعجبني..إنها فتاة لطيفة وخلوقة وجميلة..هل بينكما شيء ؟
--كلا أمي..تعرفين إنني لا أحب إقامة العلاقات بأشكالها..
لقد أعجبتني البنت وصارحت العمة نرجس..وتحدثت للبنت وتأكَدت ْ من موافقتها.
--لقد تدبرتَ أموركَ جيدا !
--أنا أتدبر أموري دوماً.
--أتريد أن أحدث والدك بالأمر؟
--أكيد..أريد أن تتم الخطوبة بأسرع وقت.
--بإذن الله تعالی .
************************************
واصل هيبت وآرام بحثهما بقرية أخری ومامن شيء.
قال آرام:
--أظن إن علينا العودة ..نحن نبحث منذ الصباح ..لنسترح ونعاود البحث غدا.
--لن أصبر حتی الغد..إن أردت فعد أنت وأنا سأواصل بحثي.
--ماهذا الكلام؟ لن أتركك ياصديقي ..أنا معك للنهاية..ثم إن لغتك الكردية ركيكة فكيف ستسأل
عنها؟
--سأتدبر الأمر.
--ياصاحبي أنا فقط قصدت إن لاداعي لنتعجل ونتعب.. لنبحث علی مهل.
--أنا بمخيلتي ألف فكرةٍ ..أخشی أن يداهمني الوقت أكثر وافقدها للأبد !
--إذاً..لنذهب ونتغدی بأحد المطاعم وبعدها نواصل عملنا.
--حسنا.
****************************************
جلست بلسم ورفيقتها نورا تحت ظل شجرتهما المفضلة.
أخبرتها بإقتراح عمتها فقالت:
--إفرضي إن عبد الرحيم جاء..وألتقيت به بمنزل العمة..
وبعدها ماذا ؟ كيف سيتقدم لي؟ سيسألونه من أين عرفتها؟
--عمتي قالت إن والديك متفهمان جدا ومعتز لايعارض زواجك لأنه يفضل الزواج المبكر للبنت.
--إذا أنت ترين أن أطلب من عبد الرحيم الحضور لرؤيتي؟
--طبعا..وعمتي ستتكفل بالباقي.
--سأتحدث إليه هذا المساء.
--إن شاء الله.
--والآن حديثني عنكِ..ما أخبار هيبت؟ ألم تعثري علی رقمه
أو أية معلومات عنه ؟
إنقلبت أحوال بلسم لسيرة هيبت وتبدلت ملامحها للحزن
وقالت :
--كلا..لاشيء ..سأحاول أن أنساه..سأتزوج بشخص آخر .
--تتزوجي؟! هل فقدتِ الأمل به لهذه الدرجة؟
--وأين هو ؟ لقد تجاهلني وسافر وربما عاد للبلد..ونسی فتاة إسمها بلسم..نساها تماماً !
ونزلت دموعها ، فضمتها نورا وقالت:
--لا أظنك قادرة علی نسيانه !
نظرت إليها بلسم ومسحت دموعها وقالت :
--بل سأنساه كما نسيني..سأتزوج معتز.
لم تستوعب نورا ماقالته فتسآلت بدهشة:
--تتزوجي من؟! أتقصدين معتز أخي؟
--نعم أخوك..لقد تحدث لعمتي وأنا قبلت.
--قبلتِ لتنسي هيبت به؟
--بل لأعيش حياتي بشكل طبيعي دون غباء !
--الحب ليس غباءاً..لكن لا ألومك..ربما الأفضل لك أن تري حياتك بعيدا عن طيف هيبت.
ساد الصمت بينهما ، ثم قالت بلسم:
--أتعتقدين إن معتز سيكون زوجا مناسبا لي؟
--لا أدري..أخي معتز ذكي ومسؤول وجاد..لذلك أظنه سيكون زوجا مناسبا..لكن ليس لك !
--ولمَ لا؟
--لأنه يحب التملك وغيور جداً..و أنت قلبك يسكنه هيبت.
--نورا..قلت إني سأنسی هيبت وسأُخلِص لمعتز وسأحبه بمرور الوقت.
-- أتمنی ذلك..فمن دواعي سعادتي أن تكوني فرداً من عائلتنا.
إبتسمت بلسم ..لكن قلبها يصرخ بألم وينادي هيبت !
*******************************************
حل المساء..وأنتهی هيبت وآرام من البحث بثلاث قری
حتی الآن. فقرر هيبت الإستماع لطلب صديقه آرام للعودة
لشقته في المدينة.
وكان مؤمل قد إتصل به وأخبره إنه نزل بمطار بغداد قبل قليل.
فطلب منه هيبت أن يستريح الليلة ويتوجه غدا إلی حيث
شقة آرام. وقرر إنتظار قدومه في الغد لبدأ البحث من جديد عن بلسم.
*************************************
كان معتز عجولاً بشأن خطبته لبلسم. فذهب مع والديه وأخته لمنزل نرجس وطلب منها يد بلسم.
وبعد تبادل الأحاديث وموضوع الخطبة ..أعلنت بلسم موافقتها ،وقلبها يتمزق ألماً وحسرة ً.
وتم الإتفاق بقية الأمور وتم تحديد موعد الخطبة بعد يومين.
إعترضت بلسم عن قرب موعد الخطبة. لكن عمتها أقنعتها بالموافقة لان الخطبة لا تستوجب التأخير والتحضيرات
الكبيرة..فهي ستقتصر علی العائلتين فقط.
كانت بلسم تدرك إن عمتها ترغب لها الإلتهاء بخطوبتها
وبمعتز لتنسی هيبت..فكانت توافقها علی كل إقتراح.
********************************************
في اليوم التالي ..وصل مؤمل لشقة آرام. وجلس الثلاثة
يستعيدون ذكرياتهم الماضية.. وبما أن مؤمل وصل بعد الظهيرة فقد داهمهم الوقت حتی حل المساء دون أن
يذهبوا للبحث بالقری.
إرتأی صديقاه أن يجعلوا اليوم إستراحة لهم..وليسهروا
هذه الليلة بأحد البارات، فواقهم الرأي.
كانت ألأجواء داخل البار صاخبة، واندمج كلاً من مؤمل وآرام بتلك الأجواء،فيما كان هيبت صامتا وشارداً وتجاهل الكثير من النساء اللاتي حاولن التقرب منه.
كان يستذكر كلمات بلسم التي قالتها له وهما محبوسان بمنزله ذلك اليوم، حينما كانت تتجرأ وتخبره إنه رجل عابث
وإنه غير جاد ويفكر بأمور مقززة. إبتسم لتلك الذكری.
وكان هذا الوضع غريبا علی صديقيه فهما لم يعتادا رؤيته
هادئاً هكذا من قبل حين يكون متواجدا ببارٍ.
فقال مؤمل:
--مابك هيبت؟ ألست مستمتعاً بالأجواء؟
--بل أنا مستمع.
--لاتبدو كذلك ياصديقي..ليست عادتك أن تتجاهل النساء.
وقال آرام:
--أتركه يا أخي..فهو حاليا لايری سوی تلك البنت التي.. تشغل باله.
--أظنه سيتوب علی يديها.
وضحكا فيما رمقهما هيبت بنظرة اللامبالاة.
وبعد ساعاتٍ ،إنتهوا وغادروا البار، وكان هيبت بنفسه غير مصدق إنه لم يشرب ولم يتقرب للنساء.
******************************************
في اليوم التالي..
إستيقضوا متأخرين فإقتصر بحثهم علی قرية واحدة خلال
النهار . فقرر هيبت أن يواصل البحث في المساء بمفرده،
فلم يشأ أن يعكر سهرتهما اليومية.
وصل لأطراف أحدی القری و إقترب من رجل كان يهم بالدخول لمنزله، فناداه:
--سلام عليكم كاكا.
إلتفت إليه الرجل ورد السلام ثم قال بلغته الكردية:
--أتحتاج لشيء؟
لم يكن هيبت يتقن الكردية جيدا فقال:
--تتكلم عربي؟
--قليلاً.
وحاول هيبت أن يشرح له إنه يبحث عن إمرأة تدعی نرجس و قادمة من بغداد برفقة شابة للسكن قرب أقربائهما.
فحاول الرجل التذكر لكن دون فائدة.وأخبره إن مامن
إمرأة قادمة من بغداد بهذه القرية.
وأوصاه بالبحث بالقرية المجاور.
شكره هيبت واعتذر له عن أخذ وقته وغادر بعيداً بسيارته.
عائداً لشقة صديقه.
**********************************************
في اليوم التالي قرر معتز أن يتم عقد القران، وكانت بلسم رافضة للعجلة التي يتصرف بها معتز، لكنها إستسلمت بالأخير.
وتم عقد قرانهما ، وتمت الخطبة بمراسيمها المتواضعة.
****************************************
ويكاد هيبت أن يفقد صبره بالبحث عنها. حتی إبلغه آرام إنه لم تتبقَ سوی قريتين لم يبحثا فيها. فعزم أمره علی البحث في اليوم التالي لحين إيجادها أو الكف عن البحث والإستسلام لقدره معها.
****************************************
قضت بلسم ليلتها بالبكاء بصمت ،حسرة علی قلبها الذي
عشق من لايعرف العشق، حسب إعتقادها.
بكت كثيرا..حتی غلبها النوم.
*************************
لم ينم هيبت ليلتها، هو الآخر، فقد أحس بوخزات داخل قلبه. وأنهكه التفكير ببلسم وقتله الندم لتجاهله إياها.
**************************
وجاء اليوم الحاسم، وتوجه هيبت ورفيقاه، للبحث بأخر قريتين ممكن أن يعثرا فيها علی أي أثر لبلسم.
سألوا العدبد من المتواجدين هناك.
حتی قال له رجل من تلك القرية، إنه يشتبه بالمرأة التي يسألون عنها، بإمرأة جاءت من بغداد بصحبة شابة ،قبل بضعة أشهر.و أخبرهم إن أسم قريبهما هو أبو معتز.
وصلوا للمكان المنشود. ترجلوا من السيارة يسبقهم هيبت
متلهفا.
خرج بتلك الأثناء معتز ليفاجأ بوجود الشبان. سلم هيبت ،فرد معتز السلام وتسآل بالكردية:
--أتحتاجون لخدمة؟
تقدم آرام ليبادله الحديث بذات اللغة:
--نحن نبحث عن أقرباء ٍ لنا..إنها أمرأة بالعقد الخامس ومعها فتاة شابة..جاءتا من بغداد قبل بضعة أشهر..والمرأة تدعی نرجس.
شخصت عينا معتز وأحس بالغضب ،وقال:
--ومن أين لكم بمعرفتها؟
وقبل أن يجيب آرام..فقد هيبت صبره وقال لمعتز:
--تكلم عربي إن كنت تعرف رجاءا.
فتحدث بالعربية متسآلا:
_من أنتم وماذا تريدون من نرجس ؟
--نحن أقربائها..ونرغب بزيارتها والإطمئنان عليها.
قال بتهكم:
--أقربائها أجل ! وماذا لو قلت لكم إني أنا قريبها.. نرجس تكون عمتي.
صدم هيبت وصديقاه. وقال :
--تشرفنا بك كاكا..أتسمح لنا برؤيتها؟
--أكيد..تفضلوا معي...منزلها هناك .
لم يصدق هيبت إنه عثر أخيرا علی بلسم.رغم أ
إن نظرات معتز إليه أقلقته كثيرا.
وصل بهم لمنزل نرجس وناداها ،لتخرج وتتفاجأ بوجود هيبت.
إبتسم هيبت بسعادة وقال بلهفة:
--نرجس؟ كيف حالك؟
--هيبت؟! مالذي جاء بك هنا؟
قال معتز متهكماً:
--يقول أنه قريبكم وكان يبحث عنكم.
-- أحقا ما يقول؟ أكنت تبحث عنا؟
--لقد بحثت في بغداد ثم علمت إنكم إنتقلتم لأحد القری هنا ومنذ مدة وأنا أبحث بين القری.
قال معتز:
--ومالذي تريده ياتری..لم َ كل هذا العناء والتعب؟
إلتفت نرجس لمعتز وقالت:
--إبني معتز ..هيبت ضيفي..وجاء من بغداد..سأضيفه بمنزلي وأعرف سبب بحثي عني.
--إسمحي لي أن أنظم إليكم..فأنا أيضا أود معرفة سبب بحثه عنكِ ..أو عنكما!
بتلك الأثناء خرجت بلسم لتتفقد مع من تتحدث عمتها.
وصدمت لرؤية هيبت وخفق قلبها بشدة.وبادلها هو النظرات والإضطراب .وقال بلهفة:
--بلسم !
إنزعج معتز من المنظر وقال بتعمد:
--هذه زوجتي بلسم.
صدِم هيبت وأحس إن رصاصة قد إخترقت قلبه.وقال بشرود:
--زوجتك؟
--نعم زوجتي.
سقطت بلسم مغشياً عليها.
فأسرع هيبت نحوها بلا وعي، لكن صديقاه أمسكاه ومنعاه
من الاقتراب خوفاً من ردة فعل معتز الذي صدقوا إنها زوجته.
تراجع هيبت وراح يراقبها وهي مغشی عليها وعمتها تحاول تنبيهها.قال هيبت
--فلنأخذها بسيارتي للمشفی.
جدحه معتز بنظرة إحتقار وقال:
--شكرا..سآخذها بسيارتي.
وقالت نرجس:
--لا داعي للمشفی..سأهتم بها أنا لحين ماتصحو.
أحس هيبت إن الدنيا قد إظلمت بعينيه، وإختنق بعبرته.
فطلب من أصدقائه المغادرة، وقال إن ليس بمقدوره القيادة، فتولاها آرام.وغادروا بعيدا .
إلتفت معتز لنرجس وقال:
--من هؤلاء؟ ولم أغمي عليها حين رأتهم؟
--ساعدني بحملها للداخل وسنتحدث بهذا لاحقاً.
حملها ومددها علی الاريكة وبدأت نرجس بإستخدام
بعض المحاولات لإيقاضها ،حتی نجحت وبدأت بلسم بالحراك وإستعادة وعيها.
فقال نرجس لمعتز:
--إبني معتز ..إذهب وأتركني أهتم بها..وغدا سيكون لنا حديث بهذا الشأن.
--حسناً..تصبحين علی خير.
وغادر لتبقی نرجس قرب بلسم التي بدأت تهذي بإسم هيبت.
************************************
فيما أحس هيبت بالقهر والضياع وطلب من صديقاه التوجه للبار، وهناك أطلق العنان لنفسه من جديد لشرب المنكر ..وكان يضحك دون وعيً ويردد :بلسم تزوجت..يالي من فاشل !
وكان صديقاه قد تألما لرؤيته بتلك الحال البائسة، فقررا الخروج به من البار وأخذه للشقة .
غسلا له رأسه تحت صنبور الماء، فراح يلعنهما، وإرتمی علی السرير حتی غط بنوم عميق.

إنكسار مؤقتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن