حلزون: النيتروجين التفاعليّ

22 5 10
                                    

وجدَ الرفيقان نزلًا يسَعُ طاقتهما المالية، فهو بالٍ قديم مهجور منبوذ، أضيقُ من شقة عبدِ الحكيم، ولا يستحق المبلغ البخس الذي يدفعه النزلاء حتى، لكنها الحياة.
مرَّ بهما الفتى الذي ساعدهما اطمئنانًا، ولأنهما يفضلان الذهاب إلى أي مكان للهروب من هنا انطلقا معه إلى وجهته، ولو كانا لا يفقهان شيئًا من نظريته التي أطلعهما عليها أثناء الطريق، الطريقُ الآخذ إلى المنطقة المأهولة ألا وهي الغابة الغربية.

لهذه البقعة من الأرض وإن كانت مليئةً بالعجائب، آيةٌ من الطبيعة، وادٍ ذو زرعٍ مدهامّ، ألوانهُ زاهيةٌ متشبّعة كأنما كانت غابةً استوائية وإن لم تكُن. ليس لجوّها ريحٌ كريهة، ولا غُبر ترابية، كلوحةٍ مُهندَسةٍ برَوِيّة.
هيَ غائرةٌ في الأرض يشقّها السَيْلُ العريض، حيثُ استهدفَ الباحثُ الصغير، لم يكن وحده، ولكن كان أكبرهم يتخذُ من المنحدر زحلوقة.

-أخذتُ عيّنةً من ماء النهر لأتفحصها في المختبر، فأيقنتُ من ترَكُّزِ النيتروجين التفاعلي فيه بشكلٍ مهوّل.
حكى اللَّيليّ لعُدَيّ عندَ لقائهِ منه فضولًا كافيًا، واستمرّ الحديث بسؤاله: لمَ قد يسبب النيتروجين طفرات جينية للضفادع؟ إنه عنصرٌ لا غنى عنه في الحياة على حد علمي.

استرسلَ في الإجابة: النيتروجين الطبيعي يحتاج لدورةٍ محددة للتثبيت، أما النيتروجين التفاعلي الناتج عن تدخل بشريّ يخلّ بالتوازن، ولهوَ السبب في نموّ الطحالب السامة في النهر، فبالنسبة لهذه الطحالب التي تمتصّ الأكسجين حال تحلّلها، كانت سببًا في ظهور بعض الأسماك الطافية ميتةً.

-وما علاقة تشوه الضفادع بكل ذلك؟ هل النيتروجين يسمّمها؟

بينما يسألُ هو، كان آسِر يراقب عبدَ الحكيم وهو يتزحلق، كانت شدّةُ نعومةِ العشبِ تجعلُ التزحلق عليه سلِسًا وسريعًا كسطحٍ من الجليد؛ لهذا وُجِدَ لبؤبؤَيهِ بريقٌ منذهل فاستتبعهُ بأن قال لعُدِيّ إذ لم يركز في سؤاله: لمَ لا نلعب أيضًا؟

-جاء الطفل الآخر.
حمحمَ المستكشفُ ليعود لوضع الباحث الصارم فييجب باختصار: الحلزون.

همهمَ يستفهم، فعَلّلَ: عندما تنظر حولك ستجد الحلزونات في كل مكان، ويعود سبب تكاثرها لتوافر غذائها المتمثل في الطحالب، فأما الحلزون يحمل في صدفته الطفيليات التي تضرّ خلايا أبي ذُنَيبة، لهذا تجد الطفرات الجينية في الضفادع.

-لدرجة أن يتسمّم إنسانٌ أيضًا؟!
نطقَ الذي ظنّا بأنه كان يلهو ولم يأبه بموضوعهما، إنما مع دهشةٍ ارتسمت على محياه قادتهُ إلى الهرولة باتجاه سُعالٍ سمعاه للتوّ، مختنقٌ يصاحبهُ قَيءٌ مائيّ، لشخصٍ متشبّث بالعشب النضِر، بيدٍ مرتجفة شديدةِ القبض، ويدٍ ضعيفة واهنة لا تقبض شيئًا، فالدماء السائحةُ مع جريان السَيل تتدفّق من كتفِه تبرّر وهنَ الأخيرة، وعند التدقيق أكثر... هيَ امرأة.

يأتيكم ما في اليمّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن