دوافع: النجاةُ أو الغرق

13 2 0
                                    

أصبح عُدَيّ يتقرب من آسر أكثر من ذي قبل، فكلما سنحت له الفرصة يبادر بالحديث معه، يسارع إلى مرافقته ودعوته إلى الخروج سويًا. رغمًا عن كونه لم يكن متوافقًا حقًا مع ذي قبعة البيسبول، فشخصيته تختلف عن الآخر جذريًا، بينما هو لعوبٌ طماع، يفكر ويتحدث في آن واحد، كان آسر مراعيًا ومتأنيًا، يشع بالكاريزما.
إنه يكبرُه بقدرٍ مذكور، لكن طوال فترة مصاحبته له شكّ في الأمر، ففي الحين الذي تقرب فيه منه ليطعنه في ظهره، ناولهُ الأصغر كل ما قد يتمناه من صديقٍ في حياته.

تخرجت أريام، أريامُ الباحث الذي انتظر هذا اليوم لإهدائها الهدية التي جهزها سابقًا.
هو يعلم أن هذه الفتاة البريئة هي نقطة ضعفه العظمى، فكان يقحمها في خططه الفاشلة دومًا، خططه التي تفشل قبل أن يشرع لتطبيقها بسبب ضميره، فانتهى به الأمر إما معهما أو مستوحشًا مكتئبًا، مشدوهًا بالكاد يصغي إلى الريح.

صبحُ الخميس، بالأحرى صبحُ تاريخ التنصيب، اقتضى أن تقصد الخطّاطةُ مكتب سموّها فتجده موصدًا، وتفاجئها ياقوت من حيث لم تحتسب: سهَوتُ عن إعلامك...

أعارتها الانتباه فأضافت: قررت توقيف أعمالي حتى ألِد، حرصًا على سلامة الجنين... عُدّيها إجازةً حتى إشعار آخر.

طارت من الفرح، فلطالما فكرت في تقديم استقالتها ومنعها خوفها من عدم الكفاءة، لكنها حصلت على ما تريد دون عناء.
قفزت كالأرنب لتبشير صديق والدها الذي ظنتهُ في مأواه فلم تجدهُ فيه، حتى تناست أمره وأكرمت نفسها بوجبةٍ من مطعم فاخر كاحتفال.

ما درَت أن عبد الحكيم ساعَتها واقفٌ عند مخرج مسكن صديقه الشاب، ينتظره أن يظهر  فيباغته، وتحقق مسعاهُ برؤية عُدَيّ في زيّ الحرس يستعد لالتزام موقعه بهالات حفرت مقام عينيه، فرفعَ المُتَرَقِب حاجبَيه وليس بدلالة العجب إنما التأكد، فزفرَ الحارس ونوى تجاوزه، كان يخشى محادثة أحد فيُكشف سره.

رَدَعهُ بأن دفعَ صدرهُ ليعيده إلى الداخل، ولاحظ وهنهُ وتمايله مما أضعفهُ عن منع حكيم من إجباره على العودة.

-ماذا تريد الآن؟ توقف عن إزعاجي.
تململَ وقد جلس على أقرب مُرتَفع إثرَ التعب.

-انظر إلى نفسك، أستطيع بالنظر معرفة أنك لا تتغذى.
-يا أخي...
همسَ حُنقًا، هو دارٍ بكمّ بيان وضعه لذا لا يقدر على الإنكار ولا التفسير.

-هل مرضت؟ اعترف، أكلت شيئًا مشبوهًا ولا تريدني أن أعرف؟
-صح، صح.
-إذًا دعني أدوس بطنكَ لأساعدك على تقيُّئه.
عرضَ عليه مهدِّدًا.

لم يأخذه بجدية وأسند خدهُ على كفّه لامباليًا، ثم أحسّ بيدٍ همجية تجرّ قميصه من ياقته وألقته أرضًا في لمحة، وتراءت له قدم حكيم المتباطئة توشك أن تسقط فوقه بالفعل، فانكمشَ درعًا لنفسه يصيح: ويلاه!

يأتيكم ما في اليمّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن