المشهد الاول
كانت تختلس النظر اليه بين الحين و الآخر ,
أثناء قيادته السيارة بتوتر تكاد مفاصل
أصابعه البيضاء تصدر صوت قرقعة من شدة
انقباضها....
اما ملامحه فقد كانت متصلبة و كأنه على
وشك قتل احدهم
إنه يزداد جاذبية في عينيها يوما بعد يوم
و اليوم تحديدا بهذا التصلب و الغضب المرعب
الظاهر عليه فهو أكثر جاذبية في قلبها أكثر
من رجال العالم أجمع...
همست أخيرا بحذر ... خوفا من أن تبطش بها
يده في لكمة متوترة
( نريد الوصول أحياء يا سيف أكرمك الله....
فهلا توقفت عن القيادة بتوتر و استخدام
المكابح في كل لحظة... )
القى عليها نظرة متوترة بحاجبين منعقدين و
عينين تتقدان نارا من التوتر و ال .....
الخوف هو أقرب للرعب ...
الا أنه حين تكلم رفع اصبعا محذرا ليقول
بلهجة تهديد مباشر
( وعد.... نصيحة مني توقفي عن اثارة
غضبي أكثر في تلك اللحظة.... فلقد اكتفيت
من غبائك .... أقسم بالله .... أقسم بالله أنني
سوف.... )
تحشرج كلامه و اختنق صوته وهو يتابع
( أقسم أنني سوف ............ )
عاد صوته ليتوقف في حلقه مرة أخرى فضرب
المقود بجنون وهو ينظر من نافذته
الجانبية....
حينها تكلمت وعد بخفوت
( خذ نفسا عميقا و اهدأ ......... )
شتم سيف بصوت عال دون أن ينظر اليها ,
فرفعت حاجبيها و هي تقول بامتعاض
( هذا ليس نوع النفس المطلوب ....... لكنه يفي
بالغرض..... هلا نظرت الي رجاءا ؟؟ .... )
ظل على حاله يرفض النظر اليها , فنادته
بعذوبة
( سيف ..... سيفي ..... سيفي .... الم تعد
عيناي تغيرك ؟!! ..... )
ازداد انعقاد حاجبيه و توترت عضلات فكه ...
الا أنه لم يستطع المقاومة أكثر , فالتفت ينظر
اليها تخونه عيناه في النظر الي عينيها
الصافيتين الرماديتين المبتسمتين له
بمحبة باتت تتزايد كل يوم اكثر في الآونة
الأخيرة , مبعدة عن ذاكرته نظرتهما القاسية
القديمة و ظلال الحزن بهما...
انحدرت عيناه الى شفتيها الهامستين بابتسامة
( كنت ستوجعني فعلا لو أنك قاومت النظر الي
عيني في تلك اللحظة تحديدا ...... )
رقت عيناه قليلا وبداو كأن نظراته قد ذابت
بفعل همسها الناعم الا أن ملامحه لم تلين
تماما وهو يقول بخشونة
( حسابنا سيكون عسيرا فيما بعد يا وعد ....
صدقيني و اعتبريه وعدا مني...... )
اتسعت ابتسامتها و مدت يدها بحذر لتمسك
بيده الحرة و المرتاحة على ساقه.... دون أن
تبعد عينيها عن عينيه الحبيبتين ثم همست
برقة و عذوبة
( هل هذا هو الوقت المناسب لتهدد بعقابي ....
عوضا عن تدليلي ؟!!أنا خائفة يا سيف و
اريدك أن تطمئني... لا أن أقوم أنا بتهدئتك
كطفل عصبي مشاغب .... )
نظر اليها بغضب قاتم و انحدرت عيناه
رغما عنه الى بطنها المنتفخة و الذي ترتاح
يدها عليها و كأنها تحمي الطفل القابع
بداخلها...
رأت حلقه يتحرك بصعوبة و كأن الكلمات
تتحشرج به .... الا أنه قال بغضب جامح وهو
يشدد من قبضته على يدها , يكاد أن يهشم
عظام أصابعها الهشة ....
( كيف استطعت فعل هذا بي ؟!! .... كيف
تجرأت ؟!! ..... تخبريني اليوم بموعد ولادتك
الذي حضرت له و قمت بالاتفاق مع طبيبك في
الخفاء بل و حجز غرفة المشفى دون علمي
منذ عدة أيام.... و تخبريني اليوم على الفطور
بطريقة عابرة باردة قليلة الأدب و عديمة
الضمير !!!!..... )
تنحنحت وعد و هي تتذكر تلك اللحظات
العصيبة اليوم صباحا
عندما أخبرته بذلك بخوف و تردد.... حدث
تماما ما كانت تتوقعه , فقد اتسعت عيناه و
فغر فمه بذهول... سرعان ما تحول الى
رعب , ثم اختلط الرعب بغضب و نهض من
مكانه راميا معه عدة أطباق و كوبين محدثا
ضجيجا عاليا وهو يهدر عاليا بكلام غير
مترابط....
منذ اسبوع تقريبا و هي تعلم بموعد
الولادة.... فقد زارت طبيبها الخاص وحدها و
أعلمها بالموعد و قامت بحجز غرفة المشفى و
هي تحاول تأجيل الأمر المحتوم ....
أخذت وعد نفسا مترددا ثم قالت بخفوت
( لقد أصبحت لا تطاق مؤخرا يا سيف في
آخر زيارات المتابعة أوشكت على أفقاد الطبيب
عقله..... تحولت الى شخص مهووس يتدخل
في عمل غيره, و أصبحت عبئا علينا أنا
والطبيب....)
بدا الجنون يتزايد على وجهه الا انها لم
تتراجع ... بل نظرت امامها و قالت باصرار
( ان اردت الحقيقة .... فأنت من كان يتصرف
بقلة أدب.... لا أنا..... لا مراعاة لقلقي, و لا
احترام لطبيب التوليد و لا حتى طبيبي الخاص
بمتابعة حالة قلبي ...... وجدت نفسي مؤخرا
لا أفعل شيئا سوى التخفيف من خوفك
لقد سئمت منك , و أقسم بالله لو تفوهت بكلمة
غاضبة أخرى فأسفتح باب السيارة و استقل
سيارة اجرة الى المشفى وحدي... و تبقى أنت
وحدك على قارعة الطريق كالأبله .... )
كان كلامها قد تحول في نهايته الى صياح
صارم هادر لا يقبل المناقشة ..... فنظر اليها
بجنون و صرخ
( أنت .......... )
الا أنها رفعت اصبعها محذرة و هي تصرخ
بصرامة تقاطعه
( لقد أقسمت ........ انضج بالله عليك ,
ستكون والدا خلال ساعات قليلة , فتعقل و كن
قدر المسؤولية .... )
الجم سيف كلامه.... وهو يمسك نفسه
بمعجزة ما عن صفعها ... ليس خوفا منها
لكن خوفا من ان تنفذ تهديدها و تفتعل كارثة ,
هي ليست حمل مجهودها....
كان يركز عينيه على الطريق... متسارع
النفس , قاتم الملامح ... و قبضته تزداد
بضغط مؤلم على كفها , الا أنها لم تمانع ...
لو تطلبت تهدئة قلبه تكسير أصابعها لما
مانعت .... بل ستقدمها له عن طيب
خاطر.....
استمر الصمت بينهما عدة لحظات من التوتر
الخانق ... بينما هو يتأفف بتحشرج بين
اللحظة و الأخرى , الى أن صرخ أخيرا
( تبا لماذا الطريق مزدحم اليوم تحديدا ؟!! ....
أي مؤامرة يرسمها العالم ضدي
الآن !!!!.... )
زفرت وعد بضيق و همست
( الطريق مزدحم كل يوم ...... و ليست هناك
أي مؤامرة كونية تجاهك ..... على الأرجح أن
هناك ما يزيد عن عشرة الاف والد مستقبلي
في تلك اللحظة متجهين الى المشفيات باحترام
دون أن يسببو لزوجاتهم انهيار
عصبي ...... )
عض سيف على أسنانه و هو يزيد من قبضته
على المقود و الاخرى على أصابعها....
ثم لم يلبث أن نظر اليها و قال بصوت
يرتجف ... الا أنه كان مهددا غاضبا
( ليكن في معلومك..... لن تلدي و لن تقتربي
حتى من غرفة الولادة قبل ان يحضر طبيب
القلب و اجلس معه بنفسي لأفهم منه .... )
تأوهت وعد بصوت عال و صرخت بجنون
(ياااااااااااااااااااااا رأسي .... يااااااااااا
أعصابي !! ..... تسعة اشهر كاملة و أنت
تجلس معه يا سيف حتى كدت أن تكون في
سببا لاعتزاله الطب بعد اربعين عاما من
مزاولة المهنة ..... بالله عليك , لقد اخبرك
الرجل انه ينتظر ولادتي بفارغ الصبر كي يأخذ
عطلة طويلة و يسافر مع زوجته كي يريح
أعصابه بسببك !!! .... )
نظر اليها سيف بغيظ
و رغم غضبه و رعبه... الا ان عيناه لم تنكرا
مدى حلاوتها....
لقد زادها الحمل وزنا ضئيلا ... فأخفى
تجاويف وجهها النحيف.... و جعل منها انثي
حيوية متفتحة للحياة
حتى شعرها المجموع في ذيل حصان طويل ,
كانت تربطه بوشاح وردي طويل تستقر عليه
نظارتها الداكنة و كأنها متجهة الى رحلة....
لا الى الولادة.....
كيف يمكنه أن يسيطر على رعبه ؟!! .... كيف
يمكنه أن يمنع عن خياله صور الحياة بدونها
؟!! ٠٠٠٠٠
شهق بصمت وهو يغمض عينيه للحظة محاولا
التقاط أنفاسه بصعوبة .... و انتظر عدة
لحظات قبل أن يقول بصوت قاتم....
( لو لم أجده قبلي في المشفى فلن تلدي
اليوم..... و هذا آخر كلام عندي....)
أغمضت وعد عينيها و همست بتعب و هي
ترفع يدهاالى جبهتها...
( آآآآه ياللهي!!.... انني أحفر في البحر..... )
أوقف سيف سيارته بطريقة غبية ... و أسرع
يلف حول السيارة ليفتح لها الباب وهو يقول
بقلق
( هيا.... اخرجي.... على مهل.... على مهل ..... )
زمت وعد شفتيها و هي تهز رأسها يأسا...
مستسلمة الى يديه المساعدتين لها و هو
يخرجها من السيارة و كأنها عاجزة....
و لم يتوقف , بل ظل يساندها بيد و في اليد
الأخرى حقيبة الطفل و أغراضها الخاصة....
كان جسده متشنجا و ينبض بالتوتر
استطاعت استشعار ذبذبات جنونه عبر ذراعه
الصلبة المحيطة بخصرها
قال سيف بقلق و خوف
( هل تشعرين بألم ؟!.......)
تنهدت وعد و قالت بغباء
( انها ولادة قيصرية يا سيف ..... معلومة
الموعد منذ اسبوع ,.. أي أنه لا ألم
قبلها!!)
مجرد تذكره نبرة الطبيب الخافتة وهو يخبره أن الولادة الطبيعية ستكون مجهدة عليها و قد تكون خطرة على قلبها.... يكاد أن يجعله يتنفس ألما هادرا
همس سيف بصوت أجش مختنق
( توقفي عن التحاذق ...... و اخرسي..... )
صعد معها الدرجات القليلة أمام المشفى و من
شدة توتره وضع قدمه أمام قدمها فداست
عليها و تعثرت و كادت أن تسقط على وجهها
لولا ذراعيه اللتين أمسكتا بها بقوة و هو يهتف
(انتبهي)
استقامت وعد.... و هي تزفر بجنون قبل أن
تلتفت اليه و تضربه في صدره بكل قوة هاتفة
( انت من ينتبه ..... انت من ينتبه ..... ابتعد
عني لأصعد و الحقني.... )
صعدت أمامه بقوة و رأس مرفوعة بينما ظل
هو ينظر اليها بعينين معذبتين و دون أن يدري
لسانه يهمس باستجداء
" وعد ....... لا تدخلي الى هذا المكان و
عودي معي .... أرجوك "
جلست على حافة سرير المشفى... ترتدي
الرداء الخاص بالولادة....
على وجهها ابتسامة شاردة و هي تلامس بطنها بحب
بينما عينيها تنظران الى سيف الذي كان يجلس على المقعد المتواجد في الغرفة .... عيناه عليها كذلك
أنت تقرأ
مشاهد اضافيه من روايتي بعينيك وعد و بأمر الحب🌺 بقلم تميمة نبيل 🌺
Romance"لا أحد يتغير فجأة ولا أحد ينام ويستيقظ متحولاً من النقيض للنقيض ! كل ما في الأمر ! أننا في لحظة ما ! نغلق عين الحب ونفتح عين الواقع! فنرى بعين الواقع من حقائقهم ما لم نكن نراه بعين الحب! في عين الحب." محمود درويش