ضربتُ صدره مراتٍ متتالية وكأنني بذلك أشعره بكل نخزةٍ ألمّت بجناني كان هو سببها، لكن ذلك الانتقام الصغير لم يكفيني فسحبته من ياقته باصقًا ما تكبدّته من قهر: "أمثالنا يا صاح يبتلعون كلماتهم في صدورهم ها هُنا! ويكتمون احتقان غيظهم في حلوقهم، سامحين لبركان أفكارهم أن يصهر حناجرهم قبل عقولهم، ألبابنا متفحمة يا هذا! أفلا يمكنك رؤية دخان احتراقها يخرج من بين آهاتنا؟ فما لنا سوى أن نصمت حد الجنون، نصمت حتى وأفواهنا قد تشققت من حواف الكلمات، أمثالنا ضُربوا حين نطقوا بأولى أحرفهم ثم عوتِبوا على هدوئهم، لذلك كيف تتوقع منّي أن لا أتشبث بك وأنت من قبّلت سيل الكلمات من ثغري مادحًا حلاوته؟ ويدك أول يدٍ حطّت على وجنتي كي تكفكف دموعي لا أن تصفعها؟ كيف تتوقع مني أن أترك طرف معطفك الذي تلفح برائحتك عند أول عناقٍ لي معك؟ وأن إشعالك الحطب في تلك المدفأة أضرم نيران حبك في قلبي بدلاً منها.. باعثًا في وجداني حرارةً أبدية أغنتني عن مدافئ الدنيا أجمع، كيف لك يا فؤادي أن تكون غشيمًا عنّا نحن باردو الأواصر؟ الذين لم يلتمسوا سخونة النور سوى من قلةٍ كأمثالك؟ وأنه برحيلكم عنّا سنتكبد ما هو أعمق من فقدانكم؟ فأنتم أهديتمونا أدفئ الأوشحة دون أن تعلمونا كيفية ارتدائها، فما كان منّا سوى الإلقاء بأنفسنا في الحريق الذي خلفتموه وراءكم، لعلنا بذلك نستعيد شيئًا من ضياءكم.. وحرارة جثمانكم، اللواتي تركنا لنا غياهب الدنيا لنعيش برودتها بعد أن اعتدنا على سُدُمِ نجومٍ أنتم لهيبها".